تجلس المسنّة لاله بنت عالي تحت خيمة تقليديّة وقد جمعت كلّ إنتاجها من الحلي، لعرضه من أجل بيعه على هامش أحد المهرجانات الثقافيّة في موريتانيا. تأمل أن تبيع ما تملك من زينة للنساء خلال أيام المهرجان التي يكثر فيها الطلب على الحلي المحلية.
تقول بنت عالي، إنّ العمل في مجال بيع الحلي والصناعات المحليّة الأخرى المتعلقة به أو القريبة منه هي مهنة مئات النساء اللواتي يتولين تأمين مصاريف أبنائهن منه. بل إن غالبيّة العاملات في هذا المجال من النساء هن معيلات لعائلاتهن، نتيجة وفاة أزواجهن أو طلاقهن. لذلك بتن مجبرات على العمل من أجل توفير لقمة العيش لأبنائهن.
وتوضح بنت عالي لـ "العربي الجديد"، وهي تنظر إلى عدد من روّاد المعرض الذي تجلس فيه، علّها تجد من يشتري بعض حليّها، أن سلاحها القوي هو جودة المنتج، وبيعه بأسعار مخفّضة من أجل كسب الرهان، والعودة سريعاً إلى منزلها والعمل على توفير مزيد من البضاعة التي تلاقي رواجاً في البلاد لارتباطها بتقاليد المجتمع وثقافته.
بدورها، تقول فاطمة بنت محمود إنّها تعمل في مجال بيع المجوهرات أو الحلي كما يقال محلياً منذ أكثر من عشر سنوات. وكثيراً ما تشتري النساء الموريتانيات الحلي للزينة، وهو يلاقي إقبالاً كبيراً في السوق المحلي. وتوضح بنت محمود لـ "العربي الجديد": "على الرغم من أن تجارة الحلي تحظى بمكانة كبيرة لدى المجتمع الموريتاني بشكل عام، إلا أن العاملات في هذا المجال يحتجن إلى الكثير من الدعم الحكومي وتوفير أسواق لهن، ودعمهن بالمال من أجل أن تبقى تجارة الحلي ذات مكانة كبيرة كما كانت".
وتضيف بنت محمود، أنّ "صناعة الحلي تعتمد على استخدام بعض الأدوات البسيطة، لكنّها متعبة جداً، وتحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد. وتطالب الجهات الرسمية بالتدخّل لتوفير آلات لصناعة الحلي بدلاً من تلك التقليدية، ودعم العاملات في هذا المجال ومساعدتهن على العيش وتربية الأبناء ومواجهة قسوة الحياة".
وتتحدث لاله بنت عالي عن أنواع وأسماء الحلي التي تعمل بها منذ سنوات طويلة وتوفر منها المال لتربية أبنائها. وتشير إلى أن حلي النساء في موريتانيا تكون بأشكال مختلفة، وكل شكل يحمل اسماً مختلفاً عن الآخر، منها "ابغداد" ويعني جمع العقيق في سلك، و"امزرد" الذي يطلق على القلادة المصنوعة من أنواع متعددة من الخرز بألوان وأحجام مختلفة.
وترى بنت عالي أنّ الحلي تعدّ كافية للمرأة الموريتانية الراغبة في تزيين نفسها، وهو تقليد تتبعه النساء في البلاد منذ القدم، وقد تحول إلى مهنة لمئات النساء العاطلات من العمل اللواتي يوفرن من خلاله متطلبات الحياة الأساسية لأبنائهن، ويكفيهن شرّ الحاجة ومدّ يد العون للآخرين.
وتحضر الصناعة التقليدية لزينة النساء في المناسبات والأفراح الدينية والاجتماعية لدى الموريتانيين. وتؤكّد بنت مسعود لـ "العربي الجديد" أنّ الطلب على تجارة الحلي يزداد بشكل متواصل، وهو جزء من حياة النساء اليومية، ويعدّ تقليداً لا غنى عنه. وفي المناسبات، تشتري النساء الحلي، سواء في الأعياد الدينية أو المناسبات الاجتماعية كالأعراس. وخلال زيارات العائلات، تلجأ النساء إلى تجديد الحلي، ويضعن الكثير منه للزينة. ويهمّ كثيرات إثبات قدرتهن على شرائه، ويتفاخرن أحياناً بالكم الذي في حوزتهن للزينة.
وتطالب النساء العاملات في مجال بيع وصناعة الحلي في موريتانيا، بتنظيم المهنة، وتوفير بعض المساعدات الحكومية التي تساعدهن على زيادة دخلهم اليومي، وتعيد للحلي مكانته المهمة حتى يظل بيعه وشراؤه تقليداً يحافظ عليه المجتمع. كذلك، يطالبن بإنشاء سوق خاص بنساء الحلي، وتوفير الدعم اللازم لهن من قبل الجهات الرسمية التي ما زالت تغض الطرف عن مساعدة العاملات في هذا المجال.
يشار إلى أنّ الكثير من المعتقدات الشعبية في موريتانيا تربط بين الحلي والشفاء من بعض الأمراض، والتخلص من شر الإصابة بالعين والسحر والحصول على البركة وسعة الرزق. وبعضهم يضع الحلي من الفضة في ماء الوضوء للشفاء من العين، وآخرون يتبخّرون بعقيق "اللوبان الحر" وهو اللوبان الحقيقي العتيق، إذْ يُعتقَد بأنّه يشفي من مسّ الجان.