العراق: ساحات التظاهر ملجأ للفقراء

08 ديسمبر 2019
للجميع مكان هنا (ساجد محمد علي/ Getty)
+ الخط -

تحوّلت ساحة التحرير في بغداد حيث تستمر احتجاجات العراقيين منذ أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، إلى ملجأ للفقراء، فالطعام يقدَّم مجاناً للمشاركين في التظاهرات وكذلك لقاصدي المكان باختلافهم

كثر هم العراقيون الذي يتكفّلون بتقديم مختلف أنواع المأكولات وكذلك الحلوى والعصائر في ساحة الاحتجاج في العاصمة بغداد، والهدف إدامة التحرّكات الاحتجاجية إلى حين تحقيق مطالب الشعب بتغيير نظام الحكم وبدء مرحلة جديدة تقوم وفق دستور معدّل بما يرونه صحيحاً. رحيم الزيدي، من المتطوّعين الذين يوزّعون المأكل والمشرب على العراقيين، يخبر "العربي الجديد" بأنّ "فقراء كثيرين يقبلون على النقاط التي يُعَدّ فيها الطعام، فيزوّدهم القائمون على توزيعه بما يحتاجون وعائلاتهم إليه. نؤمّن لهم ما تتطلّبه حاجتهم حتى يكتفون"، موضحاً أنّه "مستمرّ في إعداد الطعام وتوزيعه في ساحة الاحتجاج، أمّا الكلفة فهي من صندوق أُعدّ خصيصاً لهذا الغرض تغذّيه مجموعة من أصدقائي وأقاربي". يضيف الزيدي أنّ "الطعام وفير، فكثيرون هم الذين يوفّرونه هنا"، مؤكداً أنّ "هدفنا هو تقديم خدمة للمتظاهرين والمحتجين الذين فضّلوا المبيت في هذا المكان مضحّين بأعمالهم وراحتهم، وغيرهم من الذين يشاركون في الاحتجاج لوقت محدود. فجميعهم يؤدّون دوراً وطنياً مهماً". ويتابع أنّه "نظراً إلى وفرة الطعام الذي يوزّع مجاناً هنا، راح يحضر فقراء لتناول ما يشبع جوعهم. وهؤلاء شريحة مظلومة من قبل الحكومة، إذ كان يتوجّب عليها توفير عيش كريم لهم".




"المواكب" مصطلح مستخدم في العراق للإشارة إلى الموقع الذي يُقدَّم فيه الطعام والشراب مجاناً في أيام خاصة من العام، لا سيّما أيام ذكرى وفاة أحد الأئمة من آل بيت النبوة، وذلك في واحد من الطقوس التقليدية المتوارثة في البلاد والتي يحرص المواطنون على إقامتها. وبعد انطلاق الاحتجاجات، راحت مثل تلك "المواكب" تُلاحَظ في ساحات الاحتجاج المختلفة.

جواد الفتلاوي يشرف على واحد من تلك "المواكب"، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "غاية مَن يقيم المواكب هي الأجر والثواب"، مضيفاً أنّ "المعنيّين يعدّون أنواعاً معروفة من الطعام وبكميات كبيرة لتوزيعها على الناس". ويؤكد أنّ "المواكب في ساحات الاحتجاج جعلتها مكاناً يقصده الفقراء ليحصلوا على حصص طعام لعائلاتهم". ويتابع الفتلاوي أنّ "ثمّة فقراء يقضون لياليهم في الشوارع عادة، يرون في مواسم المواكب فرصاً لهم للمبيت فيها والحصول على الطعام الجيّد مجاناً. وهذا ما وجدوه كذلك في ساحات التظاهر".

وتوزيع الطعام على الناس طلباً للأجر والثواب أمر شائع في العراق، لذلك لا يُنظر إلى من يقبل على هذا الطعام أو يتناوله في المواكب بطريقة دونية، ويُعَدّ فقيراً أجبره الجوع على تناول هذا المأكل تحديداً. فالجميع يأكل من هذه الموائد نزولاً عند رغبة أصحابها الذي يبادرون إلى ذلك أحياناً على خلفية نذور تحققت. بالتالي، فإنه من الطبيعي أن يتناول الناس الطعام في ساحات الاحتجاج. ويقول علاء حمادي، الذي يشارك من جهته في توزيع الطعام في ساحة التحرير ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة فقراء من الذين يسكنون قريباً من ساحة الاحتجاج يصطحبون عائلاتهم لتناول وجبة طعام ساخنة بدلاً من حمل كميات من الطعام إليها". يضيف أنّ "المعنيين هنا في هذا الإطار، يخصّصون الأفضل للمحتاج ويزوّدونه بكميات كافية إذا كان ربّ عائلة".

وفي العراق كما في كلّ مكان حول العالم، من السهل التعرّف على فقير أو مشرّد من خلال هيئته. بالتالي، يمكن تمييز هؤلاء الأشخاص بوضوح في ساحات التظاهر. يُذكر أنّ بعضاً منهم يحاول الاستفادة من وجود أعداد كبيرة من الناس في الساحات لبيع السجائر أو المكسّرات أو الحلوى وغيرها من السلع البسيطة التي يمكن حملها وعرضها على الناس. شهاب رسن، واحد من هؤلاء، وهو مصاب بإعاقة في يده تمنعه من مزاولة أعمال كثيرة، يقول لـ"العربي الجديد": "أكسب من بيع السجائر في اليوم الواحد نحو 10 آلاف دينار عراقي (نحو ثمانية دولارات أميركية)، وهي تكفيني لتوفير الغذاء اليومي البسيط لعائلتي المؤلّفة من زوجة وولدَين"، لافتاً إلى أنّ "مساعدة الخيّرين تفي بالغرض لتأمين بدل إيجار المنزل وتكاليف احتياجات أخرى للعائلة".

ورسن الذي يقطن على بعدة نحو كيلومتر واحد من ساحة التحرير، يخبر بأنّه "منذ أكثر من شهر صرت أقصد الساحة حيث المتظاهرين لأتناول فطوري. هنا تتوفّر أنواع مختلفة من الأطعمة توزّع مجاناً على المتظاهرين وعلى كلّ من يحتاجها. وأنا أطلب كذلك كميّة إضافية أحملها معي لأتناولها عند شعوري بالجوع، فأنا أقضي نهاري على رصيف شارع قريب من الساحة حيث اعتدت بيع السجائر. وقبل مغيب الشمس، أعود إلى الساحة لأتناول وجبة العشاء وأحمل كمية لعائلتي عند عودتي إلى المنزل". ويكمل أنّ "ثمّة أطعمة كثيرة وأنواعاً من الفاكهة لم تتناولها عائلتي منذ فترة طويلة، صارت تتوفّر لنا منذ انطلاق الاحتجاجات. فكثيرون هم الناس الذين يقدّمون أنواعاً مختلفة من الطعام والشراب، ويغدقون عليّ من دون أن أطلب منهم ذلك".




في السياق، يشدّد الناشط حيد العقابي على أنّ "وجود الفقراء في ساحات التظاهرات من أجل الحصول على الطعام سبب مهمّ للتغيير الذي ننشده ونبذل الدم لأجله"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الفساد الذي تغرق فيه الحكومة والأحزاب المسيطرة على الحكم وسرقتها عشرات مليارات الدولارات سنوياً، هو السبب في ارتفاع البطالة وعيش عدد كبير من الشعب تحت خط الفقر". ويؤكد أنّ "هؤلاء الفقراء الذين نراهم بيننا هم ضحية لفساد الحكومة. ثورتنا هي للفقراء كذلك، حتى ينالوا حقوقهم من خير البلد الذي يُسرق منذ 16 عاماً".