ويقول جابر أبو أحمد، وهو نازح من معرة النعمان، لـ"العربي الجديد": "رأينا الموت بأعيننا. حتى آخر لحظة، كنت أعتقد أننا سندفن تحت منزلنا، إذ لم تعد السيارات تدخل إلى المدينة، وما من وقود. لكن في النهاية، استجمعنا قوتنا وخرجنا من المدينة فجراً سيراً على الأقدام، مصطحبين معنا بعض الثياب. وما أن ابتعدنا عن المدينة قليلاً، حتى أرسل لنا الله سيارة أقلتنا إلى منطقة بعيدة عن القصف".
يضيف أنه ينوي الوصول إلى أقرب نقطة على الحدود التركية. ويتابع "إذا واصل النظام تقدمه، سأدخل الأراضي التركية، إذ لا مكان آخر نذهب إليه". ويوضح أنه لا يملك المال لاستئجار منزل أو شراء خيمة، وقد وضع اسمه لدى منظمات محلية عدة، إلا أنها لم تسلمه شيئاً حتى اليوم باستثناء وجبة طعام.
من جهته، يقول أحد النازحين ويُدعى أبو محمد الإدلبي، وهو من ريف إدلب الجنوبي، لـ"العربي الجديد": "خرجت من البلدة مع عدد من أفراد أسرتي في اليوم الأول للقصف، حاملاً معي بعض الأغراض والأمتعة الضرورية. وفي اليوم التالي، حاولت العودة لأصطحب من تبقى من عائلتي، إلا أن شدة القصف جعلتنا ننتظر عند أطراف البلدة حتى الفجر. دخلت البلدة وجلبت من تبقى من عائلتي، وكان الطريق صعباً جداً إلى أن ابتعدنا عن مناطق القصف". ويوضح أن البلدة خالية من كل شيء، وتكاد البلدة تخلو من سكانها.
في الوقت الحالي، يبحث أبو محمد عن مأوى، في حين تنتظر عائلته في السيارة. أحد المنازل الذي كان يلجأ إليه استأجرته عائلة نازحة وصلت إليه قبل ساعات قليلة منه. يقول إنه لا يعلم ما إذا كان سيجد مكاناً آخر يقضي ليلته فيه أم يبقى في العراء، هو الذي كان قبل أشهر قليلة نازحاً في هذه المنطقة.
ولا يخفي الإدلبي شعوره بعدم الأمان، قائلاً إن "النظام يمكن أن يقصف أي مكان. ما من شيء محرّم بالنسبة إليه. كل تصرفاته خارجة عن القانون الدولي والأعراف". يضيف: "للأسف، فإننا نحسب حساب أن تكون الأيام المقبلة أسوأ. نشهد صمتاً دولياً غريباً. الإبادة مستمرة وما من منظمة أو دولة ترفع صوتها". يضيف: "إن كنت أريد توجيه رسالة، فأقول إن الضمير الدولي في حالة سبات". لكن ما زال يأمل أن "تصحو الدول العربية والإسلامية وترفع البلاء عن السوريين".
من جهته، يقول رئيس فريق "منسقو استجابة سورية" عمر الحلاج، لـ"العربي الجديد": "نزح أكثر من 214 ألف نسمة من المدنيين، علماً أن الأعداد التي يجري العمل على توثيقها أكبر من الرقم المذكور، ويتم التعامل في الوقت الحالي مع حالات النزوح كأولوية".
ويلفت إلى أن الفريق يحمّل المجتمع الدولي المسؤولية، نتيجة صمته وعجزه عن الوفاء بالتزاماته وواجباته وفرض القانون الدولي وتوفير الحماية للمدنيين. ويطالب المجتمع الدولي والقائمين على اتفاقية جنيف بالوقوف أمام مسؤولياتهم والتزامهم توفير الحماية للمدنيين والتدخل الفوري والعاجل لوقف مسلسل الجرائم التي يتعرض لها المدنيون. ويرى أن "صمت المجتمع الدولي دعوة مفتوحة لقوات النظام وروسيا للاستمرار في تحدّي القانون الدولي والتصرف فوق القانون واقتراف المزيد من الجرائم بحق المدنيين".
وأطلق "منسقو استجابة سورية" عبر بيانهم، مناشدة إنسانية لتجنيب المدنيين في ريف إدلب الجنوبي والشرقي المخاطر، وإبعادهم عن مناطق الحرب من خلال السماح بفرض هدنة إنسانية في المنطقة. كما يعرب عن رفضه تحويل المدنيين إلى أهداف عسكرية أو إجبارهم على البقاء في أي منطقة نزاع بما يخالف حق الإنسان في العيش بأمان، ويطالب بحماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة.