مصر: تعذيب وقتل داخل العائلة

23 ديسمبر 2019
تتعدّد الحوادث لتصيب المجتمع بالذهول في كلّ مرّة (Getty)
+ الخط -

تكشف وسائل التواصل الاجتماعي في مصر كثيراً من المستور في البلاد، فتظهر حوادث صادمة، لا سيّما أنّها تمسّ قيماً مجتمعية راسخة. ومن بين الجرائم الأخيرة المتداولة أخبارها، حادثة تعذيب أمّ لطفلها الوحيد الذي يُدعى مروان والبالغ من العمر خمسة أعوام في محافظة الجيزة. والغضب الذي خلّفته الحادثة أدّى إلى تحرّك الأجهزة المصرية المعنيّة ممثلة في المجلس القومي للأمومة والطفولة وإلقاء القبض على الأمّ المتّهمة التي تدعى تهاني وتبلغ من العمر 36 عاماً.

من خلال التحقيقات الخاصة بتعذيب الطفل مروان، تبيّن أنّ الأمّ هي الزوجة الثانية لموظّف في قطاع البترول بمحافظة السويس يدعى عادل نافع. ومنذ تزوّجا، راحت الخلافات تُسجَّل بينهما، لا سيّما أنّ عادل طلب من تهاني التخلّي عن ابنتها من زوجها السابق. وبعدما أبصر مروان النور، هدأت الأمور بينهما لبعض الوقت قبل أن تتدهور من جديد ويحصل الانفصال قبل عامَين ونصف العام. اتّفق الطرفان على احتفاظ الأم بحضانة مروان ورعايته في مقابل حصولها على نفقة شهرية قيمتها 2500 جنيه مصري (نحو 155 دولاراً أميركياً). وعندما طالبت تهاني طليقها برفع المبلغ، تجددت المشكلات بينهما، وأتى تعذيب ابنهما بحسب اعتراف تهاني وسيلة للانتقام من عادل.




قصة تعذيب الطفل مروان ليست حالة معزولة، فثمّة حوادث تعذيب وإهمال بالعشرات تُسجَّل في مختلف المحافظات المصرية، وقد يصل الأمر أحياناً إلى حدّ قتل الأبناء بعد تجرّد ذويهم من المشاعر الإنسانية. في واحدة من تلك القصص، تركت أمّ طفلَيها، يبلغ الأوّل من العمر أربعة أعوام والثاني ثلاثة شهور، على سلّم منزل زوجها في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، بعدما رفض كلّ منهما رعاية الصغيرَين بسبب خلافات بينهما. وقد تمّ العثور على الطفلَين في حالة إعياء شديد.

وفي قصّة أخرى، قتلت أمّ ابنها البالغ من العمر ثلاثة أعوام، في مدينة أكتوبر بمحافظة الجيزة، والسبب أنّه كان "يلهو بصوت عال" في داخل الشقة. وفي ثالثة، في حيّ إمبابة الشعبي في المحافظة نفسها، خنقت أمّ ابنها البالغ من العمر 13 عاماً، حتى الموت. وفي رابعة، في منطقة الأزبكية بالقاهرة، ذبحت أمّ ابنها بسبب خلافات بينها وبين زوجها. وفي خامسة، في منطقة دار السلام في العاصمة، قتلت امرأة مطلقة طفلتها البالغة من العمر ستّة أعوام، على خلفيّة ألفاظ جارجة وجّهتها الصغيرة لأمّها التي حاولت من جهتها تأديبها، فكانت إصابات عدّة أدّت إلى الوفاة. وفي سادسة، عند أطراف العاصمة، في مدينة 15 مايو تحديداً، ذبح رجل زوجته قبل أن يلقي بابنه من الطبقة الرابعة بعدما راح يصرخ بجوار جثّة أمّه، ففارق بدوره الحياة. وفي سابعة، في مدينة شرم الشيخ في جنوب سيناء، عمدت أمّ إلى تعذيب ابنها وألقت به في مياه البحر الأحمر، ليعثر أحد المراكب السياحية على جثته، علماً أنّ ذلك وقع بسبب خلافات بينها وبين طليقها، والد الطفل، الذي هدّد بحرمانها منه. وفي ثامنة، في محافظة الفيوم، ذبح أب أبناءه الأربعة بسبب تراكم الديون. وتتعدّد الحوادث والقصص لتصيب المجتمع بالذهول، في كلّ مرّة.

في السياق، يقول أحد أعضاء المجلس القومي للطفولة والأمومة فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة جرائم قتل وتعذيب وقعت في حقّ أطفال هزّت الرأي العام المصري، لا سيّما أنّ التعذيب صار خبراً شائعاً نستيقظ لنسمعه يومياً". ويؤكد أنّ "التعذيب لم يعد كما في أعوام مضت يُرتكَب بيد زوجة الأب أو أحد الغرباء، بل صار يُرتكب من قبل الآباء والأمهات الذين تلطّخت أيديهم بدماء فلذات أكبادهم".




من جهتها، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتورة سامية خضر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تزايد جرائم قتل الأطفال يعود إلى ارتفاع نسبة الطلاق في البلاد"، لافتة إلى أنّه "واهم كلّ من يظنّ أنّ في إمكانه الضغط على الطرف الآخر من خلال إلحاق الأذى بأطفالهما". تضيف أنّ "الأزمات الاقتصادية والظروف المعيشية والضغوط النفسية التي تعرفها أسر كثيرة تتحمّل مسؤولية كذلك، إلى جانب عدم جاهزية الطرفَين أو أحدهما للإنجاب"، شارحة أنّ "ثمّة آباء وأمهات يعمدون إلى تفريغ ما في دواخلهم، في أطفالهم، ويصل الأمر إلى حدّ التعذيب والقتل". وترى خضر "ضرورة إطلاق حملات إعلانية وإعلامية حول العنف الأسري ضدّ الأبناء، وكيفية تربية الأبناء وتقويم سلوكهم من دون عنف حتى لا تخرج أجيال جديدة يكون العنف أساس تعاملاتها". وتتابع أنّ "عقوبة تعذيب طفل لا تسقط بالتقادم وفقاً للقانون المصري، ويخضع الأب والأم اللذان يعذّبان أو عذّبا أطفالهما للمساءلة القانونية، بل والعقوبة مشددة لكونهما موضع المسؤولية والمؤتمنَين على أطفالهما".