تكثر المعاناة في مصر نتيجة ازدياد الضغوط المعيشية والاقتصادية وغيرها، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض النفسية من دون أن تكون الحكومة المصرية قادرة على توفير العلاج المجاني والملائم للمرضى، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلة
كان خبر العثور على جثّة الطالبة المصرية شهد أحمد في مياه نهر النيل، وهي التي كانت تعاني حالة نفسية سيئة، خبراً محزناً. ولا يمكن إنكار معاناة الكثيرين في مصر من أزمات نفسية نتيجة الضغوط الاقتصادية المستمرة على المواطنين، في مقابل عدم وجود مستشفيات حكومية تستوعب أعداد هؤلاء، إضافة إلى ارتفاع أسعار أدوية علاج الأمراض النفسية.
ارتفاع نسبة المرضى النفسيين في مصر بات يُقلق الآباء والأمهات والمجتمع ككل. هؤلاء يحصلون فقط على حبوب مهدئة، في وقت يتعرضون فيه لإهانات ومعاملة سيئة وتقصير وانتهاكات. وتحوّل وجودهم في الشارع إلى سبب لحدوث مشاكل وحوادث مأساوية، مثل الإقبال على القتل أو الانتحار بشتى الوسائل، في ظل غياب المصحات النفسية المتخصصة والمتكاملة في المحافظات المصرية.
تحديات في المستشفيات
يكشف مصدر مسؤول في وزارة الصحة المصرية أن قطاع الصحة النفسية يواجه الكثير من التحديات داخل البلاد منذ عشرات السنين، سواء في ما يتعلق بالكوادر الطبية أو التجهيزات أو البرامج العلاجية، إضافة إلى عدم وجود عيادات نفسية في المستشفيات الحكومية، وضعف الإمكانات المتعلقة بالصحة النفسية. يقول إنّ حجم القوة البشرية العاملة في مستشفيات الصحة النفسية لا يكفي لتقديم الرعاية المطلوبة، لافتاً إلى أن حجم قوة موظفي هذا القطاع قليل جداً. فعدد الأطباء يقدَّر بنحو 1073 طبيباً و2900 ممرض وممرضة و354 اختصاصياً نفسياً واجتماعياً. وهناك حاجة ملحّة لمضاعفة تلك الأرقام على الأقل. كذلك إنّ عدد مستشفيات الصحة النفسية الحكومية الموجودة داخل بعض المحافظات محدود جداً، وهي تفتقر إلى المواصفات العالمية للمصحات النفسية، موضحاً أنه يوجد نحو 18 مستشفى حكومياً في مصر، وعدد الأسرّة فيها أقل من 7 آلاف سرير. والرقم قليل جداً، ولا يكفي لاستقبال المرضى الذين يزدادون يومياً، مشدداً على ضرورة مواجهة هذه الأمراض وعلاجها حتى لا تؤثر سلباً في المجتمع.
اقــرأ أيضاً
زيادة مستمرة
يلفت مصدر مسؤول في "المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية"، إلى ازدياد عدد المرضى النفسيين في مصر، ويقدَّر عددهم بما بين 8 إلى 10 ملايين مواطن، نتيجة متغيرات الحياة داخل البلاد، وقلة فرص العمل وزيادة البطالة ونقص المردود المادي الذي يسبب ضغوطاً نفسية على الأسر والأفراد، وعدم القدرة على الزواج، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية، وارتفاع حالات الطلاق، وانتشار المخدرات التي تسبب الكثير من الأمراض النفسية، مثل "الاكتئاب"، وتعاطي المخدرات الذي قد يؤدي إلى اضطرابات عقلية وتلف في خلايا المخ. وبالتالي، يُقدم هؤلاء على ارتكاب الجرائم، وهذا ما يشهده المجتمع خلال الآونة الأخيرة.
ويشير المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أن الكثير من المرضى النفسيين في مصر يلجأون إلى الانتحار للتخلص من الكوابيس وعوامل الإحباط، لإنهاء حياتهم بطريقة سريعة ودراماتيكية، كما حدث مع الطالبة شهد والكثير من الشباب، منتقداً الخدمات النفسية المتواضعة التي تقدم لبعض المرضى في المستشفيات الحكومية، وتفتقر إلى تقديم المتطلبات الأساسية، على خلاف المستشفيات والعيادات الخاصة، التي تقدم رعاية خاصة لمرضاها من الأغنياء، في مقابل مبالغ مادية كبيرة. ويؤكد أن وضع هؤلاء المرضى خطر، سواء الموجودون في الشارع أو في منازلهم، مشدداً على أهمية وجود كوادر نفسية واجتماعية مؤهلة في المستشفيات الحكومية لعلاج المرضى.
ارتفاع أسعار الأدوية
من المشاكل التي يواجهها ذوو المرضى النفسيّين في مصر، وخصوصاً أصحاب الطبقة المتوسطة، غلاء أسعار الأدوية وأجرة الأطباء، فضلاً عن المتابعة الأسبوعية والشهرية. وكلها مصاريف تؤدي الى عدم القدرة على استكمال العلاج، ما يدفع البعض إلى الاستعانة بما يعرف بـ "الدجالين" و"المشعوذين"، الذين يدّعون كذباً قدرتهم على علاج هؤلاء. ويلجأ الكثير من ذوي المرضى إلى البحث عبر الإنترنت عن علاجات تخفف عنهم أعراض المرض. ويلجأ البعض إلى الأدوية التي تساعد على النوم وتخفف من الأرق، من دون أي مبالاة بأعراضها الجانبية. يؤكد ممدوح راغب، وهو موظف، أن ابنه الوحيد أصيب بمرض نفسي، ما اضطره إلى البقاء في المنزل. يضيف أنه ذهب إلى طبيب مشهور، ليدفع 500 جنيه (نحو 12.46 دولاراً). ويقول إن ابنه يحتاج إلى متابعة دورية (جلستان شهرياً على الأقل)، علماً بأن كلفة
كل جلسة 250 جنيهاً، أي 500 جنيه شهرياً، فضلاً عن الأدوية.
اقــرأ أيضاً
من جهتها، تقول حنان عبد العاطي، وهي في العقد الخامس من العمر، إن ابنتها تعاني من الاكتئاب الحاد، ما دفعها إلى الإقدام على محاولتين للانتحار لم يكتب لهما النجاح. وتشير إلى أنها تعتمد على أهل الخير لعلاج ابنتها في مستشفى الصحة النفسية في الخانكة. وفي ظل غلاء أسعار الأدوية والأطباء، يقول عبد الكريم الشحات إن ابنه يعاني من أمراض نفسية خطيرة، وقد أخذه إلى عدد كبير من المشايخ للعلاج، وأخبره أحد هؤلاء أن ابنه ملبوس من جنّية تهدده بالموت حال زواجه، موضحاً أنه يعتمد على المهدئات للنوم.
ضغوط الحياة
من جهته، يقول أستاذ علم النفس في جامعة حلوان محمود زكي، إن "المرض النفسي أصبح أكثر انتشاراً في مصر، نتيجة ضغوط الحياة الاقتصادية، وفقدان المقومات الأساسية للحياة. وارتفعت نسب الانتحار بطريقة غير مسبوقة". ويضيف أن "تعاطي المواد المخدرة أدى إلى زيادة عدد المرضى النفسيين، مطالباً بضرورة التوسع في إنشاء المستشفيات التي تعالج مثل تلك الحالات، وعلاج المشكلة من جذورها من خلال توفير متطلبات الحياة، إذ إن الوالد يعمل كثيراً لتوفير حياة كريمة لأولاده. كذلك إن انشغال الأم جعل الأولاد يشعرون بحالة من الفراغ والاكتئاب"، معتبراً أن الظروف التي تمرّ بها البلاد والكبت والضيق الاقتصادي أدت إلى تزايد معدلات الإصابة بالأمراض النفسية.
ارتفاع نسبة المرضى النفسيين في مصر بات يُقلق الآباء والأمهات والمجتمع ككل. هؤلاء يحصلون فقط على حبوب مهدئة، في وقت يتعرضون فيه لإهانات ومعاملة سيئة وتقصير وانتهاكات. وتحوّل وجودهم في الشارع إلى سبب لحدوث مشاكل وحوادث مأساوية، مثل الإقبال على القتل أو الانتحار بشتى الوسائل، في ظل غياب المصحات النفسية المتخصصة والمتكاملة في المحافظات المصرية.
تحديات في المستشفيات
يكشف مصدر مسؤول في وزارة الصحة المصرية أن قطاع الصحة النفسية يواجه الكثير من التحديات داخل البلاد منذ عشرات السنين، سواء في ما يتعلق بالكوادر الطبية أو التجهيزات أو البرامج العلاجية، إضافة إلى عدم وجود عيادات نفسية في المستشفيات الحكومية، وضعف الإمكانات المتعلقة بالصحة النفسية. يقول إنّ حجم القوة البشرية العاملة في مستشفيات الصحة النفسية لا يكفي لتقديم الرعاية المطلوبة، لافتاً إلى أن حجم قوة موظفي هذا القطاع قليل جداً. فعدد الأطباء يقدَّر بنحو 1073 طبيباً و2900 ممرض وممرضة و354 اختصاصياً نفسياً واجتماعياً. وهناك حاجة ملحّة لمضاعفة تلك الأرقام على الأقل. كذلك إنّ عدد مستشفيات الصحة النفسية الحكومية الموجودة داخل بعض المحافظات محدود جداً، وهي تفتقر إلى المواصفات العالمية للمصحات النفسية، موضحاً أنه يوجد نحو 18 مستشفى حكومياً في مصر، وعدد الأسرّة فيها أقل من 7 آلاف سرير. والرقم قليل جداً، ولا يكفي لاستقبال المرضى الذين يزدادون يومياً، مشدداً على ضرورة مواجهة هذه الأمراض وعلاجها حتى لا تؤثر سلباً في المجتمع.
زيادة مستمرة
يلفت مصدر مسؤول في "المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية"، إلى ازدياد عدد المرضى النفسيين في مصر، ويقدَّر عددهم بما بين 8 إلى 10 ملايين مواطن، نتيجة متغيرات الحياة داخل البلاد، وقلة فرص العمل وزيادة البطالة ونقص المردود المادي الذي يسبب ضغوطاً نفسية على الأسر والأفراد، وعدم القدرة على الزواج، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية، وارتفاع حالات الطلاق، وانتشار المخدرات التي تسبب الكثير من الأمراض النفسية، مثل "الاكتئاب"، وتعاطي المخدرات الذي قد يؤدي إلى اضطرابات عقلية وتلف في خلايا المخ. وبالتالي، يُقدم هؤلاء على ارتكاب الجرائم، وهذا ما يشهده المجتمع خلال الآونة الأخيرة.
ويشير المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أن الكثير من المرضى النفسيين في مصر يلجأون إلى الانتحار للتخلص من الكوابيس وعوامل الإحباط، لإنهاء حياتهم بطريقة سريعة ودراماتيكية، كما حدث مع الطالبة شهد والكثير من الشباب، منتقداً الخدمات النفسية المتواضعة التي تقدم لبعض المرضى في المستشفيات الحكومية، وتفتقر إلى تقديم المتطلبات الأساسية، على خلاف المستشفيات والعيادات الخاصة، التي تقدم رعاية خاصة لمرضاها من الأغنياء، في مقابل مبالغ مادية كبيرة. ويؤكد أن وضع هؤلاء المرضى خطر، سواء الموجودون في الشارع أو في منازلهم، مشدداً على أهمية وجود كوادر نفسية واجتماعية مؤهلة في المستشفيات الحكومية لعلاج المرضى.
ارتفاع أسعار الأدوية
من المشاكل التي يواجهها ذوو المرضى النفسيّين في مصر، وخصوصاً أصحاب الطبقة المتوسطة، غلاء أسعار الأدوية وأجرة الأطباء، فضلاً عن المتابعة الأسبوعية والشهرية. وكلها مصاريف تؤدي الى عدم القدرة على استكمال العلاج، ما يدفع البعض إلى الاستعانة بما يعرف بـ "الدجالين" و"المشعوذين"، الذين يدّعون كذباً قدرتهم على علاج هؤلاء. ويلجأ الكثير من ذوي المرضى إلى البحث عبر الإنترنت عن علاجات تخفف عنهم أعراض المرض. ويلجأ البعض إلى الأدوية التي تساعد على النوم وتخفف من الأرق، من دون أي مبالاة بأعراضها الجانبية. يؤكد ممدوح راغب، وهو موظف، أن ابنه الوحيد أصيب بمرض نفسي، ما اضطره إلى البقاء في المنزل. يضيف أنه ذهب إلى طبيب مشهور، ليدفع 500 جنيه (نحو 12.46 دولاراً). ويقول إن ابنه يحتاج إلى متابعة دورية (جلستان شهرياً على الأقل)، علماً بأن كلفة
كل جلسة 250 جنيهاً، أي 500 جنيه شهرياً، فضلاً عن الأدوية.
من جهتها، تقول حنان عبد العاطي، وهي في العقد الخامس من العمر، إن ابنتها تعاني من الاكتئاب الحاد، ما دفعها إلى الإقدام على محاولتين للانتحار لم يكتب لهما النجاح. وتشير إلى أنها تعتمد على أهل الخير لعلاج ابنتها في مستشفى الصحة النفسية في الخانكة. وفي ظل غلاء أسعار الأدوية والأطباء، يقول عبد الكريم الشحات إن ابنه يعاني من أمراض نفسية خطيرة، وقد أخذه إلى عدد كبير من المشايخ للعلاج، وأخبره أحد هؤلاء أن ابنه ملبوس من جنّية تهدده بالموت حال زواجه، موضحاً أنه يعتمد على المهدئات للنوم.
ضغوط الحياة
من جهته، يقول أستاذ علم النفس في جامعة حلوان محمود زكي، إن "المرض النفسي أصبح أكثر انتشاراً في مصر، نتيجة ضغوط الحياة الاقتصادية، وفقدان المقومات الأساسية للحياة. وارتفعت نسب الانتحار بطريقة غير مسبوقة". ويضيف أن "تعاطي المواد المخدرة أدى إلى زيادة عدد المرضى النفسيين، مطالباً بضرورة التوسع في إنشاء المستشفيات التي تعالج مثل تلك الحالات، وعلاج المشكلة من جذورها من خلال توفير متطلبات الحياة، إذ إن الوالد يعمل كثيراً لتوفير حياة كريمة لأولاده. كذلك إن انشغال الأم جعل الأولاد يشعرون بحالة من الفراغ والاكتئاب"، معتبراً أن الظروف التي تمرّ بها البلاد والكبت والضيق الاقتصادي أدت إلى تزايد معدلات الإصابة بالأمراض النفسية.