عدا عن كون التدخين مضرّاً بالصحة عموماً، فإنّ السجائر التي انتشرت أخيراً في السعودية وصلت في خطورتها لمستويات غير مسبوقة، خصوصاً مع تأكيد المستهلكين بأنّها مليئة بالمواد السامة
اشتعلت "حرب الدخان (السجائر) الجديد" في السعودية، وفق وصف الصحف السعودية، بين المدخنين من جهة، ووزارة الصحة السعودية والشركات السعودية المستوردة للتبغ من جهة أخرى، بعد اتهامات بتواطؤ الجهات الرسمية في السكوت على عملية غش كبرى في علب السجائر الجديدة، والتي يقول المستهلكون السعوديون إنّها مغشوشة ومليئة بالخشب ومواد سامة إضافية تأتي من مصانع التبغ الإماراتية. وبدأت جذور المشكلة عندما قررت الهيئة السعودية للدواء والغذاء، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2018 إبلاغ مستوردي التبغ بضرورة بتغليف منتجات التبغ بغلاف أسود على جميع عبوات التبغ، وذلك لتقليل نسبة استهلاك التبغ وتحفيز المدخنين على الإقلاع عنه. وبدأت شركات التبغ في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بتسلم أولى دفعات التبغ المغلف بالغلاف الجديد، لكنّ المستهلكين الذين تلقوا هذه المنتجات فوجئوا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنّ التبغ في غلافه الجديد كان مختلفاً كلّ الاختلاف عن التبغ السابق، وأنّ مواده لم تكن بالجودة نفسها، التي كان عليها التبغ المستورد للسعودية سابقاً. وأطلق المستهلكون وسم #الدخان_الجديد_مغشوش على موقع "تويتر" أنّ التبغ الجديد مخلوط بنشارة الخشب ومواد أخرى. وتصدّر هذا الوسم مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من 20 يوماً حتى الآن.
وأصدرت الهيئة العامة للغذاء والدواء في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بياناً قالت فيه إنّها تابعت باهتمام كبير ما أثير مؤخراً حول وجود مواد مغشوشة في منتجات التبغ الجديدة، بعد إلزام الشركات المصنعة بتعديل الشكل الخارجي للعبوات. وأضافت الهيئة في بيانها أنّها تفحص جميع الشحنات المستوردة من منتجات التبغ في المنافذ كافة، وقد أثبتت الفحوصات التي قامت بها مطابقة المنتجات للتركيزات المحددة من النيكوتين والقطران وأول أكسيد الكربون والرطوبة وغيرها من المكونات ضمن المواصفات التي تعتمدها، وخلوها من المواد المغشوشة.
الضغوط الشعبية ازدادت بشكل كبير على الجهات الحكومية، لكن، عقب قيام شركات التبغ المستورد، والهيئات الحكومية بدفع مبالغ مالية طائلة لعشرات من المشاهير السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي ممن دافعوا عن الدخان الجديد وقالوا إنّه غير مغشوش، أصدرت وزارة التجارة والاستثمار والهيئة العامة للدواء بياناً قالتا فيه إنّهما استجابة لما وصلهما من ملاحظات وشكاوى حول تغيّر نكهة منتجات التبغ (السجائر)، استدعتا شركات التبغ المستوردة لمنتجات السجائر ووكلائها وممثليها في المملكة العربية السعودية مطلع الأسبوع (الماضي) بحضور الجهات المعنية، وطالبتا الشركات ووكلاءها بتفسيرات لما لاحظه المستهلك حول المنتجات بعد التغليف الجديد (العادي)، وقدمتا لها الملاحظات والشكاوى كافة التي تم رصدها.
من جهتها، أفادت الشركات بعدم وجود أيّ تغيرات سوى تصميم الغلاف وفق الاشتراطات الجديدة التي نصت عليها اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ والتي تطبّقها المملكة العربية السعودية. وأضاف البيان أنّ الجهات الحكومية قررت أنّ هذه الإفادات المقدمة من الشركات الحكومية غير كافية وفق المعطيات التي يقدمها المستهلك. وعليه، جرى إلزام الشركات بالتصريح عن مكونات السجائر قبل وبعد التغليف الجديد.
كذلك، ألزمت الهيئة والوزارة في الوقت نفسه الشركات بإجراء اختبارات التذوق والإفصاح عنها للمستهلكين كافة، وحددت منتصف الأسبوع الجاري موعداً أقصى للإفصاح وتفسير الاختلافات والإجابة على استفسارات المستهلكين التي جرى رصدها عن طريق البلاغات أو عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. وأرسلت الهيئة بحسب البيان المشترك "عينات من 7 أنواع من التبغ الموجود في السوق المحلية إلى مختبر "يوروفينز" الدولي، لإجراء دراسة حول جودتها ونكهتها، وما إذا كان هناك أيّ تغير بأيّ نوع كان في جودة ونكهة التبغ المستخدم خلال السنتين الماضيتين، وسيجري الإعلان عن النتائج فور وصولها.
في هذا الإطار، يقول الطبيب السعودي، سعود الشلال، الذي يعمل في مدينة حفر الباطن، شمالي السعودية لـ"العربي الجديد": "لا شك أنّ التدخين كلّه مضرّ، لكنّ أنواع الدخان الجديدة كارثية، لأنّها مليئة بنشارة الخشب وقطع الكرتون". يضيف: "لا توجد معامل حقيقية لفحص هذه العينات في السعودية، لذلك، فإنّ عدداً من المتطوعين المهتمين بالجوانب الصحية قاموا بإرسال عينات إلى مختبر محايد، كما أنّ الجهات الحكومية قامت بنفسها بإرسال عينات أخرى وستأتي النتائج قريباً وتدين هذه الشركات الغشاشة التي استغلت التغليف الجديد لتعبث بصحة الناس، وسط تواطؤ من قبل بعض المسؤولين الذين حاولوا مداراة الفضيحة في البداية لكنّهم اصطدموا بغضب شعبي كبير". وبحكم اختصاصه الطبي يقول الشلال: "هذه السجائر كارثة كبيرة جداً لأنها لا تحتوي على أيّ تبغ تقريباً، وقد قمت بتفتيتها بيدي ووجدتها مشتملة على كلّ النفايات ما عدا التبغ".
ويتهم السعوديون الشركات الإماراتية بالغش في مكونات السجائر، خصوصاً أن السجائر الجديدة تُجلب من منطقة جبل علي الصناعية في الإمارات، حتى أن السعوديين نظموا في الأيام الأخيرة حملة كبرى لمقاطعة المنتجات الإماراتية التي تُباع في السعودية كافة، بما فيها الدخان الجديد كرد على عمليات الغش الكبيرة فيها. وتحولت مدينة حفر الباطن الحدودية المحاذية للكويت إلى مقر لمئات المهربين والمغامرين الذين يطمعون بكسب ربح كبير من خلال تهريب السجائر من مدن الكويت الحدودية. ويمكن للمسافر من الكويت إلى السعودية عبر الحدود البرية أن يلاحظ عشرات السماسرة المصطفين على الشوارع الرئيسة في مدينة حفر الباطن، وهم يشيرون إلى أيّ سيارة كويتية آتية، ويطلبون منها بيع السجائر مقابل أرباح تصل إلى الضعفين.
يروي أحد مسؤولي الجمارك الكويتية رافضاً الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد" أنّ هناك زيادة في وتيرة التهريب من الكويت إلى السعودية بشكل متسارع منذ غزو الدخان الجديد للأسواق السعودية، ويقول: "في السابق كان المهربون هم من الشباب الذين يطمعون في استغلال الفارق بين سعر السجائر المرتفع في السعودية والمنخفض في الكويت وتحقيق أرباح هامشية، وغالب المهربين من أبناء القبائل الفقراء القاطنين للمدن الحدودية في السعودية، لكنّ الأمر تحول في الشهر الأخير، إذ نجد أشخاصاً من مدن كبيرة مثل جدة والرياض يحاولون تهريب السجائر للاستخدام الشخصي فقط".