في مواسم الامتحانات، سواء أكانت فصليّة أم نهائية، تعلو صرخة أولياء أمور التلاميذ المصريين. فالتكاليف المترتّبة عليهم تتضاعف لتزيد من الأحمال التي ترهقهم أساساً في حياتهم اليومية ومتطلباتها.
مع اقتراب امتحانات نصف العام الدراسي في مصر المحدّدة في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأوّل الجاري، يعود مسلسل ارتفاع التكاليف المتوجّبة على عائلات التلاميذ المضطرّة إلى "المراجعات النهائية" و"الملازم". وتشهد المكتبات زحمة كبيرة، فالمعنيون يتهافتون عليها لتصوير وشراء ما يلزمهم، حتى يتسنّى للتلاميذ الانتهاء من المراجعات قبل انطلاق الامتحانات في البلاد، علماً أنّ تنسيقاً يقوم ما بين مراكز الدروس الخصوصية والمكتبات.
وكما في كلّ موسم، ترتفع الأسعار بطريقة فلكية فتتراوح تكلفة مراجعة المادة الواحدة ما بين 100 و300 جنيه مصري (نحو 6.20 - 18.60 دولاراً أميركياً)، علماً أنّها تتخطّى ذلك في المواد العلمية مثل الفيزياء والرياضيات. أمّا أسعار الملازم، فتتراوح ما بين 15 و40 جنيهاً (نحو دولار واحد - 2.5 دولار) لملزمة المادة الواحدة. وتختلف الأسعار من مكان إلى آخر، ومن مدرّس معروف إلى آخر أقلّ شهرة، وسط شكاوى أولياء الأمور من "جنون أسعار" المراجعات النهائية. أمّا تبرير المدرّسين فهو "الاضطرار إلى ذلك"، بسبب ارتفاع تكاليف استئجار القاعات والشقق السكنية لتكون مناسبة لاستقبال التلاميذ وتقديم الدروس الخصوصية لهم، فضلاً عن ارتفاع أسعار الورق وتكاليف الطباعة، وارتفاع فاتورة الكهرباء وأجرة الأشخاص المساعدين.
وتختلف أسعار الدروس الخصوصية أو حصص المراجعة قبل الامتحانات، فيتراوح بدل المادة الواحدة في المرحلة الابتدائية ما بين 50 و80 جنيهاً (نحو 3.10 - خمسة دولارات)، هذا في حال كانت الصفوف المشتركة. أمّا إذا كان الدرس الخصوصي يُخصّص لتلميذ واحد، فيصل بدل المادة الواحدة إلى 250 جنيهاً (نحو 15.50 دولاراً). وترتفع بدلات الدروس الخصوصية في الصفوف المشتركة للمرحلة الإعدادية لتتراوح ما بين 100 و150 جنيهاً (نحو 6.20 - 9.30 دولارات) للمادة الواحدة، علماً أنّ المواد الأساسية هي خمس في المرحلة الإعدادية، فيصل بالتالي إجمالي تكلفة الدروس الخصوصية إلى 750 جنيهاً (نحو 46 دولاراً) شهرياً. أمّا الأسعار في المرحلة الثانوية للصف الأول والثاني فتزيد عن أسعار المرحلتَين السابقتَين، ويصل بدل المادة الواحدة إلى 200 جنيه (12.40 دولاراً).
ولا يتردّد أولياء الأمور في التعبير عن سخطهم إزاء ارتفاع تكاليف حصص مراجعة ما قبل الامتحانات. بالنسبة إليهم فإنّ ما يحدث يمثّل تحدياً حقيقياً لميزانية الأسرة التي تُستنزَف من أجل تعليم أبنائها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة. ويطالب أولياء الأمور الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم بموقف حاسم بعدما تركتهم في مواجهة جشع المدرّسين الذين يستغلون رغبة هؤلاء في تعليم أبنائهم. ويجمع عدد من الآباء وكذلك التلاميذ على أنّ المدرّسين رفعوا الأسعار بنسبة 50 في المائة قبل الامتحانات. فيقول منصور عمر، وهو والد تلميذ يتهيّأ للشهادة الإعدادية، لـ"العربي الجديد": إنّه "يتوجّب عليّ توفير مبلغ ألف جنيه (نحو 62 دولاراً) ليتمكّن ابني من مراجعة المواد قبل الامتحانات"، موضحاً أنّ "بدل مراجعة المادة الواحدة في السنتر (مركز للدروس الخصوصية) وكذلك في المنزل يتراوح ما بين 70 و80 جنيهاً (نحو 4.30 - خمسة دولارات)، وتصل في بعض الأحيان إلى 100 جنيه (6.20 دولارات). تُضاف ذلك إلى أسعار الملازم التي تتراوح ما بين 25 و40 جنيهاً (نحو 1.50 و2.50 دولاراً). بالتالي، لا بدّ للأسر من أن توفّر ميزانية خاصة للمراجعات فقط، تُضاف إلى بدلات الدروس الخصوصية المستمرّة طوال العام الدراسي".
ويلفت رامي محمد، وهو تلميذ في الصف الأول الثانوي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ثمّة مدرّسين يسعّرون حصة المراجعة الأخيرة بما لا يقلّ عن 300 جنيه (نحو 18.60 دولاراً)، خصوصاً في مواد شعبتَي الرياضة والعلوم. فالأيام التي تسبق الامتحانات هي سبّوبة بالنسبة إلى المدرّسين". من جهته، يوافق أبانوب إبراهيم، وهو كذلك تلميذ في المرحلة الثانوية، على رأي زميله، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "المدرّسين صاروا أشبه بحيتان، ويحاولون حالياً مضاعفة الأسعار، في محاولة لتعويض خسائرهم عن فترة الإغلاق بسبب إجازة نصف العام". يضيف أنّه "كلّما أتت الامتحانات صعبة تعاظمت فائدة المدرّسين، علماً أنّ التلاميذ يلجؤون في الغالب إلى عدد محدود من المدرّسين بسبب شهرتهم، الأمر الذي يتسبب في تهافت كبير عليهم لحجز مواعيد للمراجعات".
ويطالب حسين بكري، وهو من أولياء الأمور، بـ"ضرورة تدخّل المسؤولين لوقف هذا الاستغلال ووضع ضوابط تنظّم منظومة الدروس"، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "المدرّسين بمعظمهم يضعون المذكّرات وأوراق المراجعات النهائية في المكتبات لبيعها بأسعار باهظة". ويتّهم بكري "مراكز الدروس الخصوصية بأنّها صارت مصدراً أساسياً لانحدار المستوى التعليمي في مصر، فهدفها الأوّل هو جمع المال بغضّ النظر عن تقديم خدمة تعليمية جيدة".
في المقابل، يقول مدرّس تحفّظ عن ذكر اسمه لـ"العربي الجديد" إنّ "ارتفاع أسعار المراجعات النهائية يعود إلى الضغط المفروض على المدرّس"، مشيراً كذلك إلى أنّ "أصحاب العقارات يعمدون إلى تأجيرنا المراكز على أساس يومي ببدل يصل إلى 500 جنيه (نحو 31 دولاراً)، فيما الإيجار الشهري يزيد على خمسة آلاف جنيه (نحو 310 دولارات)". ويشرح أنّ "تلك التكاليف تأتي لتضاف إلى رواتب العاملين مع كلّ مدرّس وإلى فواتير الكهرباء، مع الإشارة إلى ارتفاع أسعار الورق وتكاليف طباعة المذكرات. وكلّ ذلك إلى جانب الجهد الكبير الذي يبذله المدرّس طوال اليوم". أمّا مدرّس الرياضيات شوقي محمد، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "رواتب المدرّسين التي تتراوح ما بين ألفين وثلاثة آلاف جنيه (نحو 125 - 190 دولاراً) فقط، على الرغم من أنّ سنوات العمل تكون قد تجاوزت 15 عاماً". يضيف أنّ "الطبيب لديه عيادة والمهندس مكتب خاص، كذلك الأمر بالنسبة إلى آخرين"، متسائلاً: "إذاً لماذا ينتقد بعض الناس عمل المدرّس؟ هو على الرغم من راتبه المتواضع، يساهم في تخريج الطبيب والمهندس والمحامي والقاضي وغيرهم"، مؤكداً أنّه "ليس أمام المدرّس سوى الاعتماد على مراكز الدروس الخصوصية لتحسين دخله".