ليس غريباً أن تلتقي بمواطن فرنسي ينتظر شهوراً، قبل رؤية طبيب اختصاصي في العيون أو الأسنان، بل يأتي مواطنون إلى العاصمة من بلدات بعيدة، من دون أن يتمكنوا من تثبيت موعد مع طبيب
في فرنسا أزمة في القطاع الصحي انفجرت أخيراً، ودفعت للإضراب الذي لا يزال متواصلاً في قطاعات عدة، بالرغم من إعلانات وإجراءات حكومية، لم تصل إلى المطلوب نقابياً. وإلى جانب الأزمة لدى العاملين في القطاع الصحي أزمة لدى المرضى، إذ إنّ الوصول إلى العلاج صعب جداً لدى نسبة كبيرة من الفرنسيين، في بلد يعتبر من بين الأفضل عالمياً على صعيد الخدمات. في هذا الإطار، كلّفت جمعية "فرانس أسوس سانتي" التي تضم 85 من جمعيات المرضى، معهدَ "بي في ايه" للاستطلاعات، بإجراء تحقيق حول درجات وصول الفرنسيين إلى العلاج. يصل التحقيق إلى خلاصات مثيرة للقلق، إذ إنّ 63 في المائة من الفرنسيين توقفوا عن علاج أنفسهم، إما بسبب مدة الانتظار الطويلة أو عدم وجود أطباء على مسافة معقولة من منازلهم، أو بسبب الكلفة المالية الإضافية والكبيرة التي يتوجب عليهم أداؤها من جيوبهم. وبحسب التحقيق فإنّ 49 في المائة من الفرنسيين أوقفوا مسيرة العلاج بسبب نقص الأطباء الممارسين، بينما توقف 45 في المائة لأسباب مالية.
اقــرأ أيضاً
المثير للقلق أيضاً أنّ هؤلاء هم من أضعف فئات المجتمع الفرنسي، خصوصاً أبناء المناطق الريفية، التي تعاني من غياب المراكز الصحية ومن هجرة الأطباء منها، كما أنّ من بينهم كثيراً من الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن أصحاب الدخل المتواضع، الذين صُدَّت في وجوههم أبواب كثير من المستشفيات، وحُرموا من مواعيد بسبب أوضاعهم.
يكشف التحقيق أنّ متوسط مدة الانتظار يصل إلى 3 أشهر ويومين، من أجل رؤية طبيب العيون، وشهرين و3 أيام لزيارة طبيب الأمراض الجلدية، وشهر و23 يوماً لرؤية طبيب أمراض نسائية، وشهر و14 يوماً لزيارة طبيب الأذن والأنف والحنجرة. وهذه الانتظارات تسبب الإحباط، وهو ما يدفع بالبعض للبحث عن حلول أخرى، كاستشارة طبية من خارج فرنسا، كما حال المواطنة مريم بنحدو، من أصول مغربية، التي قررت السفر إلى بلادها من أجل تصوير بالأشعة السينية بعد آلام مبرحة في ثدييها، وبعد مواعيد اعتبرتها بعيدة. لكنّ الناس لا يملكون جميعاً هذه البدائل، ومن بينها ما بات يعرف بالاستشارات الطبية عبر الإنترنت مثل "سكايب". وهو ما يجعل الانتظار، بالنسبة لكثيرين، قدراً لا بدّ منه.
ومن الجوانب المؤلِمة التي يكشفها الاستطلاع أنّ التخلي عن العلاج، حتى حين يلجأ إليه المرء مُكرَهاً، ليس من دون نتائج سلبية، وهو رأي 64 في المائة. وفي التفاصيل فإنّ 43 في المائة من هذه النسبة يشعرون بالقلق والتوتر، فيما يحس 32 في المائة بزيادة الأعراض، و7 في المائة يجرى إسعافهم في مستشفيات، و6 في المائة يتعرضون لتعقيدات صحية تستوجب تدخلاً طبياً طارئاً، بينما لا يشعر 32 في المائة بشيء، و4 في المائة لا رأي لهم في الأمر.
يجد بعض الفرنسيين، أمام حالات الانتظار، أنفسهم مرغمين على طَرق أبواب أقسام الطوارئ، وهو ما يفاقم من أوضاع هذه الأقسام التي تعاني من تدفق المرضى ومن نقص الإمكانات، وأيضاً من نقص الطاقم الطبي، ما أدى إلى إضراب هذه الأقسام قبل شهور في الأساس. ومن بين المشاكل التي تريد أقسام الطوارئ من الحكومة حلها هو ألا يقصدها إلا من هو في حالة طوارئ فعلية، وهو ما يعني أن يستوعب القطاع الخاص، وقطاع الطب التابع للمدينة، حالاتٍ لا تستوجب تدخل الطوارئ، وغالباً ما يكون استقبال أصحابها على حساب المرضى الذين يحتاجون إلى علاج فوري واهتمام خاص. وقد أدت بعض الحالات إلى وفاة مرضى أثناء انتظارهم، كما أدت إلى حالات اعتداء لفظي أو جسدي على الطاقم الطبي، وهو ما فجّر حالات إضراب في بعض المستشفيات، كان في طليعتها مستشفى "سانت أنطوان" الباريسي. وبحسب التحقيق عينه، فإنّ 17 في المائة من الفرنسيين يعترفون بارتيادهم قسم الطوارئ، مرة واحدة خلال السنتين الأخيرتين، بسبب استحالة الوصول إلى طبيب.
يعبّر الفرنسيون عن امتنان كبير لنظامهم الصحي، المنبثق من ميثاق التضامن الذي رأى النور سنة 1945، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعن تقدير واسع للطاقم الطبي وللعمل الإيثاري للممرضات، ولهذا السبب تؤيّد الغالبية الساحقة إضراب الممرضات في أقسام الطوارئ، وقد كانت النسبة الداعمة من الفرنسيين للمضربين في نهاية يونيو/ حزيران 2019 أكثر من 90 في المائة. وهو التفاف شعبي جعل الحكومة، بعد تردد طويل، تقبل بضخ بعض الأموال وزيادة رواتب الممرضات. وحتى لا تظل الأمور مخيفة، خصوصاً ما يتعلق بما يتوجب على المريض دفعه، بالإضافة إلى التأمين الصحي وصناديق التعاضد، لا بدّ من التذكير بأنّ هذه الأعباء المالية الإضافية تظل الأدنى في أوروبا، مقارنة مع جيران كثر لفرنسا.
اقــرأ أيضاً
وسيتعين على قانون "صحتي 2022"، الذي جرى التصويت عليه في يوليو/ تموز الماضي، أن يجترح أجوبة حول انتظارات الفرنسيين، وعلى رأسها التنسيق الفعّال بين القطاع العام والخاص والمحلي (التابع للمدينة) حتى لا تكتظ أقسام الطوارئ بالمرضى، كما يتطلب الأمر حثّ الأطباء الشباب، على الأقل في سنوات تخرجهم الأولى، على قضاء سنوات عمل في الأرياف والبلدات الصغيرة، التي تعاني من ضعف في الإمكانات الطبية، أسوة بكثير من الأطباء العرب، خصوصاً المغاربة والجزائريين والسوريين، الذين تستقبلهم فرنسا وتدفع بهم إلى المناطق النائية.
في فرنسا أزمة في القطاع الصحي انفجرت أخيراً، ودفعت للإضراب الذي لا يزال متواصلاً في قطاعات عدة، بالرغم من إعلانات وإجراءات حكومية، لم تصل إلى المطلوب نقابياً. وإلى جانب الأزمة لدى العاملين في القطاع الصحي أزمة لدى المرضى، إذ إنّ الوصول إلى العلاج صعب جداً لدى نسبة كبيرة من الفرنسيين، في بلد يعتبر من بين الأفضل عالمياً على صعيد الخدمات. في هذا الإطار، كلّفت جمعية "فرانس أسوس سانتي" التي تضم 85 من جمعيات المرضى، معهدَ "بي في ايه" للاستطلاعات، بإجراء تحقيق حول درجات وصول الفرنسيين إلى العلاج. يصل التحقيق إلى خلاصات مثيرة للقلق، إذ إنّ 63 في المائة من الفرنسيين توقفوا عن علاج أنفسهم، إما بسبب مدة الانتظار الطويلة أو عدم وجود أطباء على مسافة معقولة من منازلهم، أو بسبب الكلفة المالية الإضافية والكبيرة التي يتوجب عليهم أداؤها من جيوبهم. وبحسب التحقيق فإنّ 49 في المائة من الفرنسيين أوقفوا مسيرة العلاج بسبب نقص الأطباء الممارسين، بينما توقف 45 في المائة لأسباب مالية.
المثير للقلق أيضاً أنّ هؤلاء هم من أضعف فئات المجتمع الفرنسي، خصوصاً أبناء المناطق الريفية، التي تعاني من غياب المراكز الصحية ومن هجرة الأطباء منها، كما أنّ من بينهم كثيراً من الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن أصحاب الدخل المتواضع، الذين صُدَّت في وجوههم أبواب كثير من المستشفيات، وحُرموا من مواعيد بسبب أوضاعهم.
يكشف التحقيق أنّ متوسط مدة الانتظار يصل إلى 3 أشهر ويومين، من أجل رؤية طبيب العيون، وشهرين و3 أيام لزيارة طبيب الأمراض الجلدية، وشهر و23 يوماً لرؤية طبيب أمراض نسائية، وشهر و14 يوماً لزيارة طبيب الأذن والأنف والحنجرة. وهذه الانتظارات تسبب الإحباط، وهو ما يدفع بالبعض للبحث عن حلول أخرى، كاستشارة طبية من خارج فرنسا، كما حال المواطنة مريم بنحدو، من أصول مغربية، التي قررت السفر إلى بلادها من أجل تصوير بالأشعة السينية بعد آلام مبرحة في ثدييها، وبعد مواعيد اعتبرتها بعيدة. لكنّ الناس لا يملكون جميعاً هذه البدائل، ومن بينها ما بات يعرف بالاستشارات الطبية عبر الإنترنت مثل "سكايب". وهو ما يجعل الانتظار، بالنسبة لكثيرين، قدراً لا بدّ منه.
ومن الجوانب المؤلِمة التي يكشفها الاستطلاع أنّ التخلي عن العلاج، حتى حين يلجأ إليه المرء مُكرَهاً، ليس من دون نتائج سلبية، وهو رأي 64 في المائة. وفي التفاصيل فإنّ 43 في المائة من هذه النسبة يشعرون بالقلق والتوتر، فيما يحس 32 في المائة بزيادة الأعراض، و7 في المائة يجرى إسعافهم في مستشفيات، و6 في المائة يتعرضون لتعقيدات صحية تستوجب تدخلاً طبياً طارئاً، بينما لا يشعر 32 في المائة بشيء، و4 في المائة لا رأي لهم في الأمر.
يجد بعض الفرنسيين، أمام حالات الانتظار، أنفسهم مرغمين على طَرق أبواب أقسام الطوارئ، وهو ما يفاقم من أوضاع هذه الأقسام التي تعاني من تدفق المرضى ومن نقص الإمكانات، وأيضاً من نقص الطاقم الطبي، ما أدى إلى إضراب هذه الأقسام قبل شهور في الأساس. ومن بين المشاكل التي تريد أقسام الطوارئ من الحكومة حلها هو ألا يقصدها إلا من هو في حالة طوارئ فعلية، وهو ما يعني أن يستوعب القطاع الخاص، وقطاع الطب التابع للمدينة، حالاتٍ لا تستوجب تدخل الطوارئ، وغالباً ما يكون استقبال أصحابها على حساب المرضى الذين يحتاجون إلى علاج فوري واهتمام خاص. وقد أدت بعض الحالات إلى وفاة مرضى أثناء انتظارهم، كما أدت إلى حالات اعتداء لفظي أو جسدي على الطاقم الطبي، وهو ما فجّر حالات إضراب في بعض المستشفيات، كان في طليعتها مستشفى "سانت أنطوان" الباريسي. وبحسب التحقيق عينه، فإنّ 17 في المائة من الفرنسيين يعترفون بارتيادهم قسم الطوارئ، مرة واحدة خلال السنتين الأخيرتين، بسبب استحالة الوصول إلى طبيب.
يعبّر الفرنسيون عن امتنان كبير لنظامهم الصحي، المنبثق من ميثاق التضامن الذي رأى النور سنة 1945، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعن تقدير واسع للطاقم الطبي وللعمل الإيثاري للممرضات، ولهذا السبب تؤيّد الغالبية الساحقة إضراب الممرضات في أقسام الطوارئ، وقد كانت النسبة الداعمة من الفرنسيين للمضربين في نهاية يونيو/ حزيران 2019 أكثر من 90 في المائة. وهو التفاف شعبي جعل الحكومة، بعد تردد طويل، تقبل بضخ بعض الأموال وزيادة رواتب الممرضات. وحتى لا تظل الأمور مخيفة، خصوصاً ما يتعلق بما يتوجب على المريض دفعه، بالإضافة إلى التأمين الصحي وصناديق التعاضد، لا بدّ من التذكير بأنّ هذه الأعباء المالية الإضافية تظل الأدنى في أوروبا، مقارنة مع جيران كثر لفرنسا.
وسيتعين على قانون "صحتي 2022"، الذي جرى التصويت عليه في يوليو/ تموز الماضي، أن يجترح أجوبة حول انتظارات الفرنسيين، وعلى رأسها التنسيق الفعّال بين القطاع العام والخاص والمحلي (التابع للمدينة) حتى لا تكتظ أقسام الطوارئ بالمرضى، كما يتطلب الأمر حثّ الأطباء الشباب، على الأقل في سنوات تخرجهم الأولى، على قضاء سنوات عمل في الأرياف والبلدات الصغيرة، التي تعاني من ضعف في الإمكانات الطبية، أسوة بكثير من الأطباء العرب، خصوصاً المغاربة والجزائريين والسوريين، الذين تستقبلهم فرنسا وتدفع بهم إلى المناطق النائية.