"المفوضية المصرية" تكشف تفاصيل تعذيب إبراهيم عزالدين 167 يوماً

01 ديسمبر 2019
تكثر الاعتقالات في مصر (اسلام صفوت/ فرانس برس)
+ الخط -

طالبت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" بالإفراج الفوري غير المشروط عن المدافع عن حقوق الإنسان، الباحث إبراهيم عز الدين، وإسقاط كل التهم الموجهة إليه من النيابة، والتحقيق في وقائع تعرضه للإخفاء القسري لمدة 167 يوماً، وكذلك للتعذيب وغيره من المعاملة اللاإنسانية من قبل السلطات الأمنية.

وشددت المفوضية على ضرورة عرض عز الدين على مصلحة الطب الشرعي بشكل عاجل، وعرضه على طبيب نفسي لمعالجة آثار ما تعرض له خلال فترة الإخفاء القسري، داعية نيابة أمن الدولة إلى التوقف عن توجيه الاتهامات بشكل نمطي للمدافعين عن حقوق الإنسان، والناشطين السياسيين، والمعارضين، وحبسهم احتياطياً على خلفية اتهامات لا تقوم أدلة كافية على صحتها.

ودانت المفوضية استمرار نهج الحكومة المصرية في استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، ومعاقبتهم بسبب ممارسة عملهم المشروع، والمحمي بموجب القانون الدولي، والدستور المصري، في نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق البشر من دون تمييز.

وظهر عز الدين، وهو مدافع عن حقوق الإنسان، وحاصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة الأزهر (قسم التخطيط العمراني)، ويعمل باحثاً عمرانياً لدى المفوضية، في مقر نيابة أمن الدولة في ضاحية التجمع الخامس مساء الثلاثاء الماضي، عقب تعرضه للإخفاء القسري في مكان غير معلوم إثر اعتقاله في شهر يونيو/حزيران الماضي.

وحُقق مع عز الدين في القضية رقم 488 عام 2019 حصر أمن دولة عليا، إذ وجهت نيابة أمن الدولة اتهامات إليه بـ "مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها"، و"نشر أخبار كاذبة"، و"إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي"، وقررت حبسه على ذمة التحقيق لمدة 15 يوماً احتياطياً في سجن طرة.

كانت أسرة عز الدين، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، قد اتخذتا السبل القانونية كافة من أجل الكشف عن مصيره، ومكان احتجازه، والسبب وراء إلقاء القبض عليه طوال فترة الأشهر الماضية، غير أن تلك المحاولات قوبلت بإنكار من الجهات الأمنية حول مكان احتجازه، أو إلقاء القبض عليه من الأساس.

ووفقاً لأقوال عز الدين أمام النيابة، فقد تعرض للتعذيب البدني والنفسي والترهيب والتهديد بالقتل، وإجباره على كتابة اعترافات، والاحتجاز في ظروف لاإنسانية، وكذا لممارسات الحرمان المطول من النوم، والتجويع، وهو ما ساهم في زيادة معاناته، وآلامه البدنية والذهنية والنفسية.

وبدأت المعاناة بمداهمة قوات الأمن محل سكن الباحث العمراني بضاحية المقطم، في الساعة الواحدة من صباح يوم 12 يونيو/ حزيران 2019، حين استيقظ في غرفته محاطاً بخمسة من رجال الأمن يصوبون أسلحتهم نحو رأسه.

وبحسب شهادته أمام نيابة أمن الدولة، لم يقدم أي من رجال الأمن إذن النيابة لإلقاء القبض عليه أو تفتيش محل سكنه، والتحفظ على ممتلكاته، ثم قاموا بعد ذلك بتعصيب عينيه، وتقييد يديه بالكلابشات، واقتياده إلى سيارة أسفل المنزل، والتي انطلقت إلى مكان غير معلوم.

وعقب وصول عز الدين إلى مقر احتجازه الأول، سُلم إلى عناصر أخرى بخلاف التي ألقت القبض عليه، إذ تعرض للإهانة والضرب على أعضائه التناسلية، ثم حُبس معصوب العينين في زنزانة انفرادية تبلغ مساحتها نحو ثلاثة أمتار، وبقي في داخلها 45 يوماً تقريباً.


وخلال تلك المدة، حُقق معه مرات عدة حول عمله، وأبحاثه في المجال العمراني، بالتزامن مع تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة بالضرب والإهانة والكهرباء، وأجبر على رفع يديه بشكل مستمر، وهُدد بمزيد من التعذيب إذا أنزل يديه، ولم يُسمح له بإنزال يديه خلال الأربعة أيام الأولى من احتجازه، سوى لمدة ساعتين فقط يومياً.

ولم يُسمح لعز الدين إلا بتناول وجبة واحدة يومياً، وفي ظل تدهور حالته البدنية والذهنية والنفسية، انتزع المحققون اعترافات لم يستطع الباحث العمراني تذكر غالبيتها أمام النيابة بسبب حالته الصحية والنفسية.

وعقب ذلك، نقل الباحث العمراني إلى زنزانة أخرى في نفس المبنى، لدى نفس الجهة الأمنية "المجهولة" لقرابة الشهرين، وفي مقر الاحتجاز جرى تهديده بأنه "لن يرى ضوء الشمس مرة أخرى"، لتُنتزع منه اعترافات جديدة مرة أخرى تحت التعذيب والترهيب.

وأشارت المفوضية المصرية إلى أن عز الدين نُقل إلى مبنى آخر يبعد عن الأول نحو 20 دقيقة، ويعتقد أنه مقر جهاز الأمن الوطني في ضاحية العباسية للتحقيق معه مجدداً، وتهديده بالقتل هذه المرة.

ووفقاً لرواية الباحث، يقول الباحث: "ديتك عندي طلقة، وياما عملتها قبل كده، أنت كده مشوفتش تعذيب، وإحنا هانوريك التعذيب اللي على حق لو ماتكلمتش!"، مشيراً إلى تقييد يديه بجنزير مُعلق في الحائط، مع تعصيب عينيه غالبية الوقت، وتعمد الأفراد القائمين على إدارة مقر الاحتجاز على دعوته برقم (2) بدلاً من اسمه، وهو أحد أنماط الترهيب النفسي لضحايا الإخفاء القسري، الذي وثقته المفوضية في العديد من حالات الناجين من الإخفاء.

وفي يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سُمح لعز الدين بحلاقة ذقنه، وشعر رأسه، تمهيداً لعرضه على نيابة أمن الدولة في اليوم التالي، بعد نحو 6 أشهر من إخفائه قسرياً، بزعم أنه ألقي القبض عليه في اليوم السابق، أي قبل عرضه بيوم واحد على النيابة، والتي لم تلتفت لحقيقة تعرضه للإخفاء القسري منذ يونيو/ حزيران الماضي.


وقالت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، إن "ما تعرض له عز الدين من انتهاكات جسيمة هو تصعيد جديد، ورسالة ترهيب موجهة إلى المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، الأمر الذي يمثل تجسيداً حياً لسياسات الحكومة المصرية في سحق المدافعين عن حقوق الإنسان، وتقييد حرية عمل منظمات المجتمع المدني".

وأكدت المفوضية أن ما حدث مع الباحث العمراني هو "حلقة من حلقات استهداف المفوضية بشكل خاص، والتي تعرضت منذ نشأتها للعديد من التضييقات الأمنية، بين منع مديرها التنفيذي من السفر لمدة تجاوزت العامين، وإلقاء القبض على رئيس مجلس أمنائها، والعاملين فيها، وحبسهم لمدة طويلة كعقاب على نشاطهم المشروع في الدفاع عن حقوق الإنسان".

وذكّرت المفوضية الحكومة المصرية بالتزاماتها الدستورية تجاه الحق في الحرية الشخصية والأمان، وفقاً لنص المادة 54 من الدستور المصري، وكذلك الحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية، ولا سيما أن المادتين 55 و56 من الدستور أكدتا عدم جواز تعرض الأشخاص المحرومين من حريتهم للإيذاء البدني أو المعنوي، أو تعرضهم لما هو مناف لكرامة الإنسان أو ما يعرض حياتهم للخطر.