العثماني يرفض إباحة الجنس الرضائي ورفع القيود على الإجهاض

03 نوفمبر 2019
العثماني رفض توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان (Getty)
+ الخط -
في أول ردّ مباشر من الحكومة المغربية، على المذكرة الرسمية التي قدّمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان للبرلمان الثلاثاء الماضي، متضمنة إباحة الجنس الرضائي بين البالغين ورفع القيود المفروضة على ممارسة الإجهاض، رفض رئيس الحكومة سعد الدين العثماني هذه التوصيات، معلناً أن حزبه الذي يقود الحكومة وأكبر كتلة داخل البرلمان، لن يسمح بتطبيقها.

وقال العثماني، الذي تحدّث السبت أمام اجتماع اللجنة الوطنية لحزب العدالة والتنمية بصفته أميناً عاماً له، إن الحزب الذي ينطلق من مرجعية إسلامية "لن يحيد عن ثوابت المغاربة، وسيستمر في الدفاع عنها بفهم تجديدي ومستقبلي ومنفتح ومتفهم لجميع القوى السياسية والفكرية الوطنية الأخرى، لكننا ندافع عمّا نعتبره صواباً".

وأوضح رئيس الحكومة المغربية الذي لم يذكر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالاسم، أنّ "هناك من يحاول مرة أخرى إعادة عقارب الساعة إلى الصفر، وأن يعيد النقاش إلى بدايته، وهذا ليس إيجابياً، علينا أن نتجه للاشتغال على الأمور المفيدة للوطن والمواطنين".

وشدّد العثماني على تمسّك حزبه بالصيغة التي انتهت إليها لجنة شكّلها الملك من أجل التوافق حول إصلاح المقتضيات الخاصة بالإجهاض في القانون المغربي. وكانت اللجنة قد كشفت في مايو/أيار 2016 عن نتائج نقاشها الذي استمرّ أكثر من عام، وقالت بإمكانية إباحة الإجهاض في ثلاث حالات فقط، وهي أولاً في حالة الحمل الناتج من اغتصاب أو زنا المحارم، بشرط ألا يكون قد تجاوز مدة 90 يوماً، ثم حالة حمل المرأة المختلة عقلياً، على أن يكون الإجهاض قبل انقضاء 90 يوماً من حدوث الحمل، وثالثاً حالة إصابة الجنين بأمراض أو تشوهات خلقية غير قابلة للعلاج، على أن يكون الإجهاض قبل مرور 120 يوماً من حدوث الحمل.

واقترحت المذكرة التي قدّمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء إلى مجلس النواب، السماح للحوامل بوضع حد لحملهنّ في الحالة التي يكون فيه تهديد "لصحتها الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية".

وأوضحت المذكرة أن مواصلة حمل غير مرغوب فيه لأسباب تتعلق بالصحة بمفهومها الشامل الجسدي والاجتماعي والنفسي، "فيه تعدٍّ على حرمة كيان السيدة الحامل، ثم خرق لحقوق الإنسان".

وتقول توصية المجلس الذي يعتبر مؤسسة دستورية يعيّن الملك رئيسها، إنه "يجوز للحامل أن تقرر وضع حد لحملها إذا كان في استمراره تهديد لصحتها النفسية أو الاجتماعية، شرط ألا تتعدى مدة الحمل ثلاثة أشهر، ما عدا في الأحوال الاستثنائية التي يحددها الطبيب".

وأشار العثماني في لقائه الحزبي اليوم، إلى أن "هذا أمر غير مفيد ولن نسمح به ولن نكون طرفاً فيه ما دامت الأمور جرت بطريقة إيجابية وفي إطار المرجعية الإسلامية والوطنية".

وشدّد العثماني في ذات السياق على أنه "بالنسبة إلينا أمر واضح لا لبس فيه وسيبقى الحزب مدافعاً عن المرجعية الإسلامية مع الفهم التجديدي والمستقبلي وفي إطار التوفيق بين هذه الثوابت الدينية والتحديث والديمقراطية، وقد نظّرنا لكل ذلك، وبات بالنسبة إلينا واضحاً".

وفي الوقت الذي حاول فيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان التأثير في مسار مشروع القانون المعروض على البرلمان لتعديل بعض مقتضيات القانون الجنائي، الذي جاء مطابقاً لما خلصت إليه اللجنة الملكية حول الإجهاض، قال العثماني: "أريد أن أطمئن أعضاء الحزب من جهة، ومناصريه ثانياً، لكنني أدعو أيضاً أعضاء الحزب إلى أن يكون هذا الأمر واضحاً لديهم ويدافعوا عنه بطريقة واضحة".

وفاجأ المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي تتولى رئاسته الحقوقية اليسارية أمينة بوعياش، المراقبين بما تضمنته مذكرته الرسمية المقدمة إلى رئيس مجلس النواب، من توصيات تهمّ مشروع القانون المطروح على أنظار البرلمان، ويهمّ تعديل مقتضيات خاصة بالحريات الفردية.

وتوصي هذه المذكرة بحذف كل تدخّل للقانون في العلاقات الحميمية الشخصية، "إلا بصفة استثنائية مثلاً عندما يلابسها عنف غير مشروع أو ظروف تفرض حماية خاصة". وأضافت المذكرة توصية تقول "باعتبار الرضى حجر الزاوية في العلاقات الجنسية بين الرشداء، وعدم تدخل القانون في حال عدم إضرار العلاقات المذكورة بالنظام العام ولا بالنظام الخاص ولا بالغير".

وبرّرت المذكرة هذه التوصية بضرورة حماية الحياة الشخصية الحميمية للأشخاص، "تماشياً مع الاتجاه الغالب بشأنها في محال حقوق الإنسان"، وبضرورة "الانسجام مع توصيات اللجنة الأممية لحقوق الإنسان الموجهة إلى المغرب في هذا الصدد".

وقالت المذكرة بشكل صريح وفي نهاية الجزء المتعلق بالعلاقات الحميمية: "إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الرشداء عموماً".

وأثارت هذه التوصيات حفيظة التيارات المحافظة والمتمسكة بالمرجعية الدينية في وضع التشريعات. وعلق الوزير السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، محمد نجيب بوليف، على هذه المذكرة قائلاً: "هل يجوز لمؤسسة دستورية أن تقدم توصيات تخالف رأي غالبية مكونات الأمة المغربية... دون إبداء كل الآراء الممكنة في الموضوع؟".

وأضاف بوليف في تدوينة نشرها عبر حسابه في فيسبوك: "إذا كان الموضوع سيأخذ الوقت الكافي من النقاش، دون أدنى شك، فإننا نتساءل عن رأي العلماء والمؤسسات العلمية التي تمثله، في قضايا تهمّ الأمن الروحي وتدين البلد ومواطنيه، وليست حريات فردية مجردة، كما قد يوهمنا البعض بذلك".


يذكر أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان تضمنت إلى جانب المقتضيات المتعلقة بالحريات الفردية، وضمنها مشروع القانون المعروض حالياً على البرلمان لتعديل القانون الجنائي، في اعتماد مبدأ الرضائية في العلاقات الجنسية بين البالغين، وإباحة الإجهاض، مقتضيات تتعلق بالتعذيب والإخفاء القسري وإلغاء عقوبة الإعدام.