"المسخّن" الفلسطيني... لا غنى عنه بعد انتهاء موسم الزيتون

17 نوفمبر 2019
طبق كبير من المسخن (عباس موماني/ فرانس برس)
+ الخط -
على غير عادتها، تأخّرت الحاجة ذكرى عبد الجليل (أم أحمد)، وهي من إحدى قرى جنوب نابلس، شمال الضفة الغربية، عن اللحاق بعائلتها التي خرجت في الصباح الباكر، يوم السبت الماضي، في آخر يوم لها في قطف ثمار الزيتون في أرضها التي ورثتها أباً عن جد. وما كاد ينتصف النهار حتى ظهرت أم أحمد قادمة من بعيد، وهي تحمل طبقاً كبيراً من "المسخّن"، فانفرجت أسارير أفراد العائلة كباراً وصغاراً، وبدت الفرحة على وجوههم.
اعتادت العائلات الفلسطينية في نهاية موسم الزيتون أن تعدّ أكلة "المسخن" بعدما تكون قد انتهت من قطاف ثمار الزيتون، إذ إن بعضهم يعدّه من الزيت الجديد، في وقت يعدّه آخرون مما تبقى من زيت الموسم السابق.
"نقطف الزيتون منذ عشرة أيام، والحمد لله الموسم ممتاز، والزيت كان وفيراً. ومن عاداتنا الجميلة أن نختم هذا الموسم بأكلة المسخن، الطبق الرئيسي على موائد المزارعين الفلسطينيين في موسم الزيتون، وتحديداً في الأيام الأخيرة منه، بعد عصره واستخراج الزيت منه، الذي يعد مكوناً رئيسياً في هذه الوجبة الدسمة".
تقول أم أحمد لـ"العربي الجديد": "إعداد المسخن، خصوصاً إن كان لعائلة كبيرة كعائلتي، أمر متعب". تضيف: "أبدأ العمل مع بزوغ الفجر لتنظيف وتقطيع ست دجاجات، وتقطيع وفرم أكثر من خمسين رأساً من البصل إلى قطع صغيرة جداً وقليها مع الزيت، مع عجن كمية كبيرة من الطحين لإنتاج الخبز البلدي (الطابون)، وغيرها". تتابع وهي تطلق ضحكة خفيفة: "بسرعة خلصوه، اللي عملته بنص نهار أكلوه بربع ساعة، صحتين على قلبهم".

أكلة تراثية

يعدّ طبق المسخن أساسياً لدى الفلسطينيين الذين يفتخرون بأنه من الأكلات التراثية التاريخية، التي ما زالت موجودة. ويتألف من مكونات طبيعية تنتجها البيئة الفلسطينية وأراضيها، بدءاً من زيت الزيتون والسماق البري، وصولاً إلى البصل واللوز وخبز الطابون الفلسطيني، إضافة إلى الدجاج.
ويحتاج دمج المكونات مع بعضها بعضاً إلى مهارة لتحضير "المسخن". ولا يجب نسيان اللمسات الفنية لتجهيز تلك الأكلة اللذيذة. ترتب أرغفة الخبز على شكل طبقات، وتضاف حشوة البصل في ما بينها، مع كمية من السماق والصنوبر. أما الزيت، فهناك من يُغرق الأرغفة فيه إلى درجة البلل، ومن يكتفي بوضع طبقة بسيطة منه على الخبز، ثم يوضع الدجاج فوق الخبز والبصل، وفوقها الصنوبر واللوز. والخطوة الأخيرة هي إدخال الصينية الممتلئة بالمسخن إلى الفرن وتُقدم ساخنة.
تجارب
هذا الإتقان لم يعد يقتصر على الكبيرات في السن ومن يقطنّ الريف، بل إن الكثيرات من نساء المدن يتقنّه. المحامية ضحى أبو زنط، من نابلس، خاضت التجربة ونجحت فيها، كما تقول لـ"العربي الجديد". تضيف: "المسخن لا يقل أهمية عن المقلوبة، فهو يجمع التراث، كونه من الأكلات الشعبية القديمة جداً، والمرتبطة بموسم الزيت، وقدرته على لمّ العائلة حوله. لا أحد يأكل المسخن وحيداً".
أبو زنط تسكن في شقة ضمن عمارة سكنية، ولا تملك الطابون لإعداد الخبز وهو المكون الرئيسي لوجبة المسخن، فتحضره جاهزاً، ثم تتابع بقية المراحل. ولا غنى عن الزيت الطازج الذي يضفي على الطعام نكهة مميزة. وتوضح: "عندما نشتري الزيت، فنحن لا شك نعزز مكانة المزارع الفلسطيني، وندعمه ليبقى حارساً للأرض. أقول وبكل ثقة إن المسخن جندي في معركة الصمود".

فوائد ومحاذير

لزيت الزيتون فوائد جمة للجسم شرط ألا يتعرض للحرارة الشديدة. وهنا، تقول أخصائية التغذية رشا الشواورة لـ"العربي الجديد": "القيمة الغذائية لزيت الزيتون عالية، لكن في المقابل يحتوي على كمية كبيرة من الدهون والسعرات الحرارية العالية. والإكثار من تناوله قد يكون مضراً، خصوصاً لمن لديهم مشاكل في القلب أو يعانون من السمنة".
وبحسب الشواورة، فإن تسخين زيت الزيتون على درجات حرارة عالية كالتي في الأفران يفقده الخواص المفيدة للجسم، والأخطر أن الحرارة العالية تكسبه الأكسدة الذاتية، التي تزيد في حموضة المعدة. من أجل ذلك، ننصح بعدم تسخينه في المسخن".
ما بين "غينيس" وإسرائيل
في إبريل/ نيسان عام 2010، دخل المسخن موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بعد إعداد أكبر طبق من المسخن في العالم، على يد 47 طاهياً، واستغرق العمل فيه عشرين ساعة متواصلة. كما تم تقطيع 500 كيلوغرام من البصل و500 دجاجة، واستخدام 170 لتراً من زيت الزيتون، و70 كيلوغراماً من اللوز البلدي، و50 كيلوغراماً من السماق، وكيلوغرام من "حب الهال"، وكيلوغرام من عيدان القرفة، وثمانية كيلوغرامات من الملح، و250 كيلوغراماً من الطحين، ليبلغ وزن الطبق 1350 كيلوغراماً.
ويؤكد الباحث في التراث الفلسطيني حمزة ديرية، من بلدة عقربا، جنوب نابلس، لـ"العربي الجديد"، أن الصراع على التراث والتاريخ لا يقل أهمية عن الصراع السياسي مع الاحتلال الإسرائيلي. "إسرائيل تهدد كل ما هو فلسطيني، أرض وشجر ومقدسات، وصولاً إلى المطبخ الفلسطيني والأكلات الشعبية، التي تحاول سرقتها وضمها كجزء من الأكلات الإسرائيلية".
دلالات
المساهمون