زراعة منزلية في إدلب

01 نوفمبر 2019
الاعتماد على الاكتفاء الذاتي ضروري (محمد النجار/Getty)
+ الخط -
يوماً بعد يوم، تضيق سبل العيش في مدينة إدلب (شمال سورية)، الخاضعة لسيطرة الفصائل الإسلامية والمعارضة المدعومة من تركيا، ما دفع الكثير من العائلات للاعتماد على حدائق منازلها لإنتاج بعض أنواع الخضار والحشائش المستخدمة في وجباتها اليومية، على الرغم من أن الزراعة تتطلّب دعماً. وتقول أم علاء جلول، وهي في ريف إدلب الجنوبي، لـ"العربي الجديد": "قبل الحرب، كانت حدائق المنزل لدينا تحتوي على بضعة أشجار ونباتات للزينة، لكن تغير الوضع اليوم".

تضيف: "نتيجة القصف، لم نعد نستطيع العمل في الأرض، وبالتالي حرمنا من محاصيلنا التي تشكل مصدر رزق لنا من جراء القصف والأعمال العسكرية. ومع قلة فرص العمل، صارت تمر علينا أيام لا نملك فيها ثمن طعامنا، فقررت أن أزرع حديقة المنزل على الرغم من صغر مساحتها، لكنها كانت كافية لزراعة بعض الخضار، مثل الخيار والطماطم والباذنجان والكوسا والقرع والبامياء والفاصولياء، إلى جانب الخس والبصل والبقدونس والنعناع والجرجير وغيرها".

تتابع: "أحاول تحضير الوجبات اليومية ممّا توفره لنا الحديقة، إذ إن الأسعار في السوق مرتفعة جداً. وبالفعل، استطعنا تخفيض مصروفنا اليومي بشكل مقبول". وتوضح أن أحد أكبر التحديات التي تواجهها لزراعة الحديقة يرتبط بتوفر المياه اللازمة. تقول: "نحن نشتري المياه عبر صهاريج خاصة تجلب من الآبار في المنطقة، ما يشكل عبئاً مادياً كبيراً، عدا عن الحاجة إلى بعض الأسمدة والبذور وغيرها. وفي حال كان هناك خزان مياه وشبكة ري وبعض الأسمدة والبذور والشتول، سيصبح إنتاجي أفضل".

من جهتها، تقول أم سعيد عثمان، من ريف إدلب، لـ"العربي الجديد": "زراعة حديقة المنزل باتت منتشرة جداً بين الأهالي، وتؤمّن لنا كعائلة جزءاً مهماً من وجباتنا الغذائية اليومية، في حين ما زلنا مجبرين على شراء بعض المواد الأخرى مثل الأرز والزيت". تضيف: "مع انتشار الزراعة المنزلية في البلدة، بتنا نعتمد على التبادل مع أقربائنا وجيراننا. أُعطي جارتي القليل من الطماطم وتعطيني الباذنجان. أحياناً أحتاج إلى القليل من البصل فيما تحتاج جارتي إلى الخس. وأصبحنا ننوّع في الأصناف التي نزرعها لتلبية احتياجاتنا بشكل أفضل". وتلفت إلى زيادة إنتاجها في حديقتها المنزلية، خصوصاً أن مساحتها مقبولة، إضافة إلى توفر المياه، موضحة أنها تعمد إلى مبادلة الخضار مع بعض بائعي المواد الغذائية، فتحصل على السكر والأرز والبرغل والمنظفات وغيرها من المواد لكن بالحد الأدنى، "فما يزيد من إنتاج الحديقة يؤمن شيئاً يسيراً من احتياجاتنا اليومية، لكنني أشعر بأنني أساهم مع زوجي وابني في تأمين جزء من معيشتنا".



بدوره، يقول المهندس الزراعي عبد الحميد أشقر لـ"العربي الجديد": "الحديقة المنزلية تعدّ ثقافة قديمة جديدة في المنطقة، وتحوّلت لتكون مصدراً من مصادر الاكتفاء الذاتي من خضار صيفية وشتوية". ويلفت إلى أن "احتياجات زراعة الحدائق المنزلية متوفرة إلى حد ما في المنطقة، وإن كان هناك غلاء في المستلزمات وأدوات الإنتاج، ما يعيق الانتشار الواسع لها".

يضيف: "على سبيل المثال، إذا كانت مساحة الأرض 500 متر مربع، وأُريد زراعتها بأنواع مختلفة من النباتات، وتم شراء منظومة شبكة ري بالتنقيط بنحو مائة دولار أميركي، عدا كلفة الري التي تختلف من منطقة أخرى، فإن استخدام التنقيط يحتاج ما بين 15 و20 دولاراً أميركياً. في المقابل، يعد المردود جيداً ويحقق أرباحاً لا بأس بها في المنطقة، وهذا يتعلق بنشاط المزارع وحنكته في خدمة الحديقة، إضافة إلى موقعها ونوع التربة فيها والإدارة الجيدة". ويلفت أشقر إلى أنه "يمكن التوفير من تكاليف الزراعة من خلال إدارة موارد المنزل ونفاياته". يضيف: "على الرغم من عمل الجنسين في الحدائق المنزلية بشكل عام، إلا أن تجاربنا العملية في هذا المجال أثبتت أنها مشاريع نسوية بامتياز عندما تكون في مساحات صغيرة. أما في حال تجاوزت المساحة 2500 متر مربع، فتتطلب مشاركة الرجال والنساء في العمل". وينصح أشقر "كل من يرغب بزراعة حديقة منزلية بالمبادرة العاجلة لذلك، وضرورة اعتماد هذه الزراعة النظيفة الخالية من الملوثات".

إلى ذلك، يقول رئيس المجلس المحلي في سراقب في ريف إدلب، محمود جروت، لـ"العربي الجديد": "انتشرت بشكل كبير زراعة حدائق المنازل من جراء الغلاء وارتفاع الأسعار (خصوصاً المواد الغذائية)، وبعد الأسواق عن المنازل". يضيف: "بعض العائلات تبيع ممّا تنتجه في حديقتها، لكن بالحد الأدنى. إذ إن هذا ليس مشروعاً يدرّ دخلاً على الأسرة، لكن يساندها". ويذكر أن "هذه الزراعة لا تنال الدعم من قبل المنظمات، وإن وجد فيبقى محدوداً. كما أن المجلس لا يملك الإمكانيات اللازمة لدعم هذه المشاريع، ونحن نحتاج أن تستجيب المنظمات لمطالبتنا بتأمين الدعم اللازم".



من جهته، يقول رئيس المجلس المحلي في بلدة معترم في ريف إدلب باسل عطار، لـ"العربي الجديد": "تعمد الكثير من العائلات في القرية إلى زراعة حدائق منازلها، ويساعد في ذلك طبيعة المنازل الريفية. خارج كل بيت أرض مساحتها 500 متر مربع على الأقل". يضيف: "بالفعل، استطاعت هذه المساحات الصغيرة تأمين جزء من احتياجات الأسرة اليومية من خضار وبعض الحشائش المستخدمة في الطبخ. وبعض العائلات التي تنتج فائضاً تبادله في المتاجر بمواد غذائية أخرى".

ويلفت عطار إلى أن "البطالة والفقر المدقع دفعا الأهالي إلى هذا الخيار". ويقول إنه "في إطار ضمن الشراكة مع منظمة إحسان، عمد المجلس إلى دعم مشاريع زراعة الحدائق المنزلية".