يتحدى أربعة شبان من غزة إرادة الاحتلال في تعطيل حياتهم بعد تسببه في بتر سيقانهم خلال مسيرات العودة، وها هم يبثون الأمل يومياً بعضهم في بعض
الأصدقاء الغزيون الأربعة؛ محمد الأخرس، ومحمد حسين، وهيثم نصر، وعلاء الدالي، كانت الاعتداءات الإسرائيلية سبباً في صداقتهم، إذ بُترت ساقٌ لدى كلّ منهم، خلال مسيرات العودة، واعتادوا ملاقاة بعضهم البعض في رحلة العلاج وتركيب الأطراف الاصطناعية في مستشفيات القطاع المحاصر، حتى باتوا لا يفترقون.
يمضي الشبان معاً أكثر من ست ساعات يومياً. على عكازاتهم، يتنقلون بين أزقة مخيم رفح وبعض شوارع مدينة رفح، جنوبي القطاع، وما بين شاطئ البحر. أمضى كلٌّ منهم رحلة علاج صعبة، خصوصاً بعد رفض طلباتهم جميعاً للعلاج في الخارج، كنتيجة للقيود الأمنية التي يفرضها الاحتلال.
محمد الأخرس (33 عاماً) تعود أصول عائلته إلى قرية وادي حنين، قضاء مدينة الرملة الفلسطينية المحتلة عام 1948. معاناته بسبب الاحتلال بدأت مع اعتقاله عام 2007، إذ كان يصطاد العصافير عند الحدود الشرقية، فلفقت له تهمة الاشتراك مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وحكم عليه بالسجن 6 سنوات. يقول لـ"العربي الجديد": "عانيت سنوات صعبة في الأسر، وكنت صغيراً، لكنّي تعرضت للتعذيب. اشتركت مع الأسرى في الإضراب عن الطعام طوال 29 يوماً عام 2008، وتضامنت مع الأسير خضر عدنان في إضرابه عن الطعام بداية عام 2012". أفرج عن الأخرس في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، لكن بقي ألم الاعتقال والاحتلال في داخله: "وهو السبب الذي دفعني إلى أن أكون من المشاركين الأساسيين في مسيرات العودة".
عقد الأخرس خطوبته، قبل شهرين من انطلاق مسيرات العودة في نهاية مارس/ آذار الماضي، لكنّه أصيب بطلقين متفجرين في 18 مايو/ أيار الماضي بترا ساقه. مع ذلك، استمرت خطيبته، حنين القططي، في رفع معنوياته، حتى تزوجا في أغسطس/ آب الماضي.
في بداية الإصابة، كان الأخرس يحتاج إلى عملية سريعة فتقدم بطلب تحويلة سريعة للعلاج في المستشفيات الأردنية، لكنّ الاحتلال رفض طلبه، إذ يمنع الأسرى المحررين من السفر عبر معبر إيرز الذي يتحكم فيه. لكنّه تمكن من السفر إلى مصر، بعد محاولات عدة، وبعدما زاد الورم في ساقه ووصلت إلى حدّ الاهتراء. يقول: "حياتي اليوم بين بيتي الزوجي، وأصدقائي هيثم وعلاء ومحمد، وكذلك باسل الصوفي الذي كان صديقي في المعتقل. نحاول أن نبث الأمل في أنفسنا في ظلّ كلّ المعاناة التي نشهد عليها في غزة يومياً".
من جهته، تعود أصول عائلة، هيثم حسام نصر (19 عاماً) إلى قرية عاقر، قضاء مدينة الرملة، ويقيم في حي الشابورة بمدينة رفح. أصيب في 31 مارس/ آذار الماضي بطلق ناري متفجر في الساق اليمنى، ولم يستطع الخروج للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية والداخل الفلسطيني بعدما رفض الاحتلال تصريحه أربع مرات. يقول لـ"العربي الجديد": "كانت بيني وبين أصدقائي الثلاثة مجرد معرفة عادية، لكن خلال تنقلنا للعلاج في المستشفى الأوروبي في مدينة خان يونس زادت العلاقة بيننا، وبدأنا نزور بعضنا البعض يومياً. همومنا واحدة وقضيتنا واحدة، حتى أنّ أشخاصاً كثيرين يجلسون معنا عندما نلتقي، ويستأنسون لجو المرح بيننا".
بدوره، أصيب محمد يحيى حسين (20 عاماً) في 11 مايو الماضي، بطلق ناري متفجر في ساقه اليمنى، وتمكن من الحصول على تحويلة علاجية طارئة للعلاج في مستشفى المقاصد في مدينة القدس، لكنّ الاحتلال وضعه ضمن لائحة الرفض الأمني، وسدّ كلّ المحاولات أمامه بالرغم من استعداد مؤسسات عدة للتكفل بعلاجه. تعود أصول عائلته إلى قرية ياصور الغزية، التي ضمها الاحتلال وهجّر أهلها عام 1948. عانى من أزمة نفسية طوال شهرين، حاول خلالها التهرب من رؤية أقاربه، لكنّه وجد في أصدقائه الثلاثة خير معين.
الصديق الرابع، علاء الدالي (22 عاماً) كان يحلم بتمثيل بلاده كأول دراج فلسطيني، في دورة الألعاب الآسيوية، التي أقيمت نسختها الأخيرة في جاكرتا، في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين. لكنّ الاحتلال حرمه من ذلك بعد إصابته بطلق متفجر في ساقه اليمنى، عندما كان يرافق أصدقاءه الرياضيين في أول أيام مسيرات العودة في 30 مارس الماضي. يقول الدالي لـ"العربي الجديد": "وسائل إعلام عربية ودولية تحدثت في قضيتي، لكنّي للأسف لم أشهد على أيّ تحرك للعلاج في الخارج أو تركيب طرف اصطناعي. في المقابل، صادفت أصدقاء أجد كلّ شيء أجمل معهم".
ينتظر الأصدقاء الأربعة افتتاح مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية، وهو المشروع الذي تديره اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة. وقد تلقوا وعوداً من المستشفيات الغزية أنّه بعد انطلاق المستشفى واكتمال الطاقم الطبي فيه سيجري النظر في ملفاتهم.