تواصل "العربي الجديد" مع أهل الطفل، الذين كانوا قد حاولوا البحث عن فقيدهم في المخافر والمستشفيات. بعدها، ذهبوا إلى المكان الذي يعمل به، ولجأوا إلى جامع السلام المقابل لتفقد كاميراته التي أظهرت كيف هرب من عناصر البلدية واختفى بعدها.
وأوضح عم الفقيد فتحي الزعبي، الملقّب بأبو مصطفى لـ "العربي الجديد"، أنّهم وجدوا جثته في منور على يمين المبنى الذي دخل إليه، لافتاً إلى اتخاذ والد الضحية صفة الادعاء الشخصي ضد عناصر البلدية، كونه غير قادر مادياً على توكيل محامٍ، وأن النائب العام طلب استدعاءه للاستماع إلى إفادته وإفادة مؤيد، ابن عم الضحية (14 عاماً)، نظراً لوجوده داخل آلية البلدية (رقم 719)، وسمع ورأى كل شيء.
وتساءل الزعبي، خلال حديثه لـ "العربي الجديد": "هل علم عناصر البلدية بسقوط أحمد أثناء المطاردة وتركوه؟ فبحسب أقوال ابن عمه القاصر مؤيد، الذي كان موقوفاً في السيارة، فقد رأى بأم عينيه أن العناصر الذين لاحقوا أحمد توقفوا عند المنور، المكان الذي يطل على الجثة. لكن، بحسب مؤيد، عادوا أدراجهم قائلين إنه هرب. لماذا لا نستطيع الحصول على فيديوهات المبنى المقابل لمسرح الوفاة، إذ يمكن أن توضح أكثر ما حدث، وتبرّئ أو تدين عناصر البلدية؟". واستغرب العم رفض مسجد السلام تسليمهم الفيديو كاملاً، والذي بحسب إفادته وشهادة أقربائه، "يعود فيه عناصر البلدية إلى الزاروب بالسيارة بعد نصف ساعة".
وأطلع فتحي الزعبي "العربي الجديد" على تحقيق قوى الأمن الذي يذكر أنه سقط في حفرة عمقها 6 طبقات، وتوفي على الفور نتيجة كدمات بليغة في الرأس ونزيف. وقال إنه "عُثر عليه ليلاً بعد البحث في المكان"، مضيفاً أنه "يتأسف لبيان بلدية بيروت حول وفاة طفلهم، إذ اتهموه بالسرقة لتبرير ملاحقته. لا أحد يتهم العناصر بقتله. نريد معرفة الحقيقة وتوضيح إن كانوا شاهدوه يسقط وتركوه".
إلى ذلك، أعرب محافظ بيروت زياد شبيب "عن حزنه وأسفه لما حصل للفقيد متوجهاً لذويه بالتعزية". ورداً على أسئلة "العربي الجديد" بشأن عدم إصداره بياناً توضيحياً حول مقتل الضحية أحمد الزعبي، أجاب: "أنا حالياً في القمة الاقتصادية، ولا علاقة لعناصر الدورية بما حصل للشاب المرحوم"، مستدركاً إبداء استعداده لإصدار بيان فوري إذ تضمن الفيديو المنتشر مساءلة لعناصر الحرس بما آل إليه مصير ماسح الأحذية القاصر.
Facebook Post |
بعدها، صدر بيان عن دائرة العلاقات العامة في بلدية بيروت جاء فيه: "بتاريخ 15/01/2019، وأثناء قيام دورية من فوج حرس مدينة بيروت بمهمة منع المتسولين والباعة المتجولين وماسحي الأحذية من التجول في شوارع مدينة بيروت، أوقف أحد ماسحي الأحذية. وأثناء نقله في سيارة الدورية، أفاد عناصر الدورية عن قيام زملاء له بسرقة صناديق الزكاة والصدقات الموضوعة في مواقف السيارات قرب البريستول، فتوجهت الدورية إلى مكان وجود الأشخاص المذكورين، وحاول أحد عناصر الدورية توقيف ماسح الأحذية الذي أفيد عن قيامه بالسرقة، لكنه لاذ بالفرار من خلال توجهه إلى زاروب يقع بين بناءين وصولاً إلى الشارع الآخر. فغادرت الدورية المكان مصطحبة الشاب الموقوف الذي ترك بعد أخذ إفادته وتنبيهه إلى وجوب عدم التجول في شوارع المدينة. ولم يعلم العناصر شيئاً عن مصير الشاب الآخر بعد فراره من الدورية، وتبين لاحقاً أنه توفي إثر سقوطه في منور أحد الأبنية من دون أن تكون للعناصر أية علاقة بما حصل، وبعدما غادروا المكان".
وفي السياق، قال فادي بغدادي ممثلاً دائرة العلاقات العامة في بلدية بيروت لـ "العربي الجديد": "من غير المنطقي أن يترك فوج الحرس القاصر المرحوم جثة هامدة ويعود أدراجه. نحن لسنا في غابة، على الأقل الاتصال بالصليب الأحمر والتبليغ".
أضاف: "مهمتنا تقتضي محاولة منع المتسولين والباعة المتجولين وماسحي الأحذية من التجول في شوارع المدينة، خصوصاً عند التبليغ عن سرقة ما أو انزعاج المحال التجارية. أما في قصة المرحوم أحمد، فإنّه لدى توقيف ابن عمه مؤيد، وأثناء نقله في سيارة الدورية، أفاد لعناصر البلدية بأن أحمد سرق أحد صناديق تبرعات الزكاة والصدقات الموضوعة في موقف سيارات قرب البريستول، وبعد الاستقصاء قال صاحب الموقف السيد صالح، إن السرقة حصلت، فتوجهت الدورية إلى مكان وجود أحمد المعتاد، وحاول أحد عناصر الدورية توقيفه لكن لم يجده".
وردّاً على سؤال عمّا إذا كان عناصر البلدية قد رأوه، أجاب: "كلّا لم يروه، وذكرنا في بياننا أنه لاذ بالفرار من خلال عبوره زاروباً يقع بين بناءين وصولاً إلى الشارع الآخر، والبناية مقفلة بباب حديدي".
أضاف: "هرب الطفل قبل وصول عناصر الأمن إليه. وبالتالي دخلوا زاروباً ظنوا أنه دخل منه، ولا منور فيه، ويؤدي إلى الشارع المقابل. أما الجثة بحسب التقارير، فقد وجدت في مكان مجاور آخر مرمية في منور على يمين زاروب. عملنا يقتضي مؤازرة قوى الأمن الداخلي، وهناك تحقيق مفتوح لأننا لا نقبل أن نوضع في خانة الاتهام، خصوصاً في قضية إنسانية. تأكدنا من أقوال كل العناصر. ولو كان هناك أدنى شك في تورطهم، نحن أول من سنسلمهم إلى القضاء اللبناني".
وعن الطريقة التي لاحق فيها عناصر البلدية القاصر، وعما إذا كان يتم تعذيب أو ترهيب الموقوفين، نفى فادي الادعاءات، وقال إن "حرس البلدية يقومون بعملهم من دون أي أذية، بل إنهم يواجهون معضلة مهمة لا حل لها، وهي أن معظم المتسولين وماسحي الأحذية من مكتومي القيد، ولا يتعاون أهلهم معنا. ويشعر جميع العناصر بالتعاطف معهم لأنهم غير مدرجين في مؤسسات تعليمية ولا يقوون على العيش من دون عملهم غير القانوني".
وعمّا تمّ تداوله من تكسير لصناديق تنظيف الأحذية، وحجز الموقوفين لمدة 24 ساعة، نفى فادي لـ"العربي الجديد" ادعاءات الأهل، وأفاد بأن "الموقوفين يحجزون لمدة خمس ساعات كحد أقصى، ويتركون بعد تنبيههم إلى وجوب عدم التجول في شوارع المدينة، كما يتم حجز الصناديق وليس تكسيرها. وهناك أكثر من 350 صندوقاً في مستودع المضبوطات في مقر البلدية محلة شارل الحلو". وختم قائلاً: "نحن مؤسسة عامة وبياننا برسم القضاء، ونرجو توضيح الالتباسات للرأي العام".