مدارس مصر... التعليم الخاص يحاصر الأهل بالرسوم

13 سبتمبر 2018
في إحدى المدارس الخاصة (محمد الراعي/ الأناضول)
+ الخط -

يحاول أولياء الأمور في مصر أن يهربوا بأولادهم من الاكتظاظ والتدهور التعليمي في المدارس الحكومية، لكنّهم يواجهون في المدارس الخاصة زيادات سنوية في الرسوم تصل إلى مستويات خيالية، وتجبر بعضهم على العودة إلى التعليم العام.

يبدأ العام الدراسي الجديد في مصر في 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، وتبدأ معه أزمة رسوم المدارس الخاصة والتجريبية التي لا تنتهي حيث قامت تلك المدارس برفع النفقات خلال العام الجديد 2018/ 2019 بنسب مبالغ فيها، بعدما رفعت شعار "إما الدفع أو الطرد" مخالفة قوانين وزارة التربية والتعليم.

طلبت تلك المدارس من أولياء الأمور تسديد المطلوب بسرعة، قبل بداية العام الدراسي بوقت كافٍ على الأقل، وبنسبة تتراوح ما بين 50 و75 في المائة من الرسم السنوي المطلوب. وشددت على عدم استقبال تلاميذ "كي جي 1" و"كي جى 2" والصف الأول الابتدائي، إلا بعد تسديد كامل المبلغ، وهو ما تسبب بصدمة لكثيرين، بسبب عدم قدرتهم على التسديد في ظل ارتفاع الأسعار، وتحولت المدارس الخاصة في مصر إلى "إمبراطوريات" و"مراكز قوى" لا تستطيع الحكومة المصرية ممثلة في وزارة التربية والتعليم الاقتراب منها. وتستوعب هذه المدارس التي يزيد عددها على 7 آلاف، نحو 20 في المائة من التلاميذ في مختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي.

تعتبر زيادة أسعار اشتراكات باصات نقل التلاميذ، وبيع الكتب بأسعار مضاعفة، وعدم توقيعها عقود عمل مع المعلمين لديها هرباً من دفع تأميناتهم، من مشاكل هذه المدارس التي يملكها وزراء سابقون وأعضاء بالبرلمان ورجال أعمال من العيار الثقيل، وهو ما يفسر عجز وزارة التربية والتعليم المصرية عن مواجهتهم.




يكشف مصدر مسؤول أنّ هناك تعاوناً وثيقاً بين أصحاب تلك المدارس ومسؤولين في وزارة التربية والتعليم، إذ يتقاضى عدد من المسؤولين في الوزارة أموالاً كبيرة، في مقابل التقاعس عن تجاوزات تلك المدارس الخاصة، فضلاً عن التجاوزات في تراخيص تشغيل تلك المدارس، وعدم الالتزام بالحد الأدنى للمساحات المخصصة لكلّ تلميذ، مشيراً إلى أنّ تلك المدارس تزيد الرسوم الدراسية سنوياً بحجة ارتفاع تكاليف الدراسة، فيكون ولي الأمر كبش الفداء الذي لا يفلت من قبضة الزيادة، كما أنّ تصريحات المسؤولين في وزارة التربية والتعليم بعدم الزيادة ليست أكثر من "عرض إعلامي" لتخفيف غضب الرأي العام، مشيراً إلى أنّ إيرادات تلك المدارس السنوية تتجاوز المليارات من الجنيهات.

يوضح المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أنّه أمام ارتفاع أسعار المدارس الخاصة سنوياً يلجأ عدد من أولياء الأمور إلى نقل أبنائهم من الخاص إلى الحكومي، فعدد تلاميذ الابتدائي والإعدادي الذين نقلوا قبل بداية العام الدراسي الجديد تجاوز 40 ألفاً، علماً أنّ المدارس الحكومية تعاني بدورها من أزمة كبيرة خصوصاً لجهة الاكتظاظ داخل الفصول وصولاً إلى 60 تلميذاً في الفصل الواحد، بالإضافة إلى عمل مئات المدارس على ثلاث فترات يومية بسبب زيادة أعداد التلاميذ فيها. يتابع المصدر أنّ بعض الأسر قررت البحث عن مدارس أقل تكلفة، ولم يعد المعيار جودة الخدمة التي تقدمها المدرسة لكن أسعارها الأدنى.

وكان وزير التربية والتعليم في مصر الدكتور طارق شوقي، قرر رفع زيادة أسعار رسوم الدراسة في المدارس الخاصة والتجريبية، وزيادة أسعار الباصات بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، إذ أكدت الوزارة في بيان سابق أنّ الزيادة هي ما بين 20 و25 في المائة لجميع التلاميذ المستجدين وغير المستجدين، إلا أنّ الزيادة أكبر بكثير على أرض الواقع، وتصل إلى 50 في المائة، وهو ما دفع بعض أولياء الأمور إلى مقاضاة المدارس ووزارة التربية والتعليم، بسبب الأسعار المبالغ فيها.



ونشرت عبير أحمد، مديرة مجموعة "اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم" منشوراً خاطبت فيه الوزارة معلقة على هذا القرار: "الزيادة التي قررتها الوزارة في المصروفات وباصات المدارس الخاصة مبالغ فيها. هل الوزارة معنا أم ضدنا؟ لا نعلم ما الذي نقوله. هل أنتم مع أولياء الأمور أم مع المدارس الخاصة"؟ كما انهالت على المنشور تعليقات غاضبة من الزيادات المبالغ فيها. وأطلق أولياء أمور تلاميذ المدارس الخاصة وسم "خليك إيجابي وما تتنازلش عن حقك" فسردوا من خلاله معاناة الرسوم الدراسية.

في هذا الإطار، استطلعت "العربي الجديد" آراء بعض الأهالي، فعبّرت، إيمان عبد الحميد، عن أسفها لما وصل إليه حال التعليم في مصر، واصفة أسعار المدارس الخاصة بـ"المجزرة"، مشيرة إلى أنّ لديها طفلين في إحدى المدارس الخاصة بحي شبرا، وأنّها قدمت استغاثة إلى وزارة التربية والتعليم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكن من دون رد. وعلّق، عبد الحكيم أحمد، وهو موظف: "للأسف الشديد أصبح معيار الانتساب إلى أيّ مدرسة الآن في مصر، في ظلّ غلاء الأسعار هو البحث عن تلك التي تقدم خدمة التعليم بأقل رسوم". وأشار إلى أنّ رسوم المدرسة تجاوزت 25 ألف جنيه (1400 دولار أميركي) عن الطفل الواحد، من دون الزيّ المدرسي، ومن دون رسوم الباص بعد الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين.

من جهته، عبّر أحمد عبد السلام، وهو موظف، عن حزنه الشديد بسبب أسعار "أباطرة المدارس الخاصة" مشيراً إلى أنّ حال المدارس الحكومية والتكدس الموجود داخل أسوارها دفع الأهالي للبحث عن البديل، لكن أمام الأسعار المبالغ فيها بالمدارس الخاصة، يفضل كثيرون المدارس الحكومية مع الاعتماد على الدروس الخصوصية. بدوره، قال، عمر طه، وهو موظف: "حرام ما يحدث داخل المدارس الخاصة. لا نعلم من أين تأتينا اللطمة فنحن محاصرون". أما منى أمين فقالت: "كيف بإمكاننا أن نجاري الزيادات؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، هل انعدم الإحساس؟ ما الذي تريده الحكومة منا؟ هل المطلوب أن يبيع ولي الأمر نفسه كي يعلّم أبناءه؟ وصلت الرسوم إلى مبالغ خيالية عدا عن النقل والزي المدرسي والكتب والدروس الخصوصية".




مي محمد، موظفة، لديها ثلاثة أبناء في المدارس التجريبية، ما اضطرها إلى الحصول على سلفة كي تدفع رسوم العام الدراسي الجديد التي تتعدى 4 آلاف جنيه، كما أنّ الزي المدرسي مرتفع الثمن، ويجري إلزام أولياء الأمور بشرائه من محلات معينة كنوع من الـ"بيزنس"، مشيرة إلى أنّ ما يحدث في مصر مؤخراً يؤكد أنّ الشعب في وادٍ والنظام في وادٍ آخر.
دلالات