على "معدية الفردان" المخصصة لعبور قناة السويس في اتجاه سيناء، يقضي مئات الفلسطينيين لياليهم في طريقهم إلى اجتياز معبر رفح البري الذي يتنقّلون خلاله من مصر إلى قطاع غزة. يأتي ذلك بعدما قررت قوات تأمين المجرى الملاحي لقناة السويس إدخال 40 سيارة يومياً فقط، بينما تصطف مئات أخرى في انتظار موعد للعبور.
محمد أحد من السائقين العاملين على طريق القاهرة - معبر رفح، يخبر "العربي الجديد" عن "صدور قرار جديد يقضي بتخصيص معدية الفردان للمسافرين الفلسطينيين، على الرغم من توفّر أكثر من معدية يُمكن من خلالها العبور. إلى ذلك، فإنّ المعدية التي تتنقل بين ضفتَي القناة تتحرك وهي فارغة من دون حمولة، في استفزاز واضح للمسافرين، الأمر الذي فاقم معاناة آلاف من هؤلاء على مدى الأسابيع الماضية. يُذكر أنّ الطريق تحتاج إلى أربعة أيام من القاهرة إلى معبر رفح، على الرغم من أنّها كانت لا تتجاوز ثماني ساعات قبل الانقلاب العسكري في صيف 2013".
ويتابع محمد أنّ "معاناة معدية الفردان تضاف إلى معاناة الحواجز العسكرية على الطريق، إذ إنّ المسافرين يضطرون إلى الانتظار ساعات طويلة خلال اجتيازهم حواجز بالوظة والميدان والريسة - سيئ السمعة - والمستشفى وجرادة والمطافئ، إلى جانب الحواجز الطيارة التي يصادفها المسافرون خلال مرورهم على الطريق الدولي من بئر العبد إلى رفح. وهو ما يجبر المسافرين على النوم في الطرقات والانتظار عشرات الساعات، خصوصاً عند دخول حظر التجوّل حيّز التنفيذ مساء كل يوم".
ويشير محمد إلى أنّ "قوات الجيش لا تراعي وجود نساء أو أطفال أو مرضى أو شيوخ، فلا تسهّل مرورهم إلى قطاع غزة عبر سيناء"، موضحاً أنّها "لا توفّر لهم دورات مياه ولا متطلبات المعيشة ولا أدوية عند الحاجة، عدا عن التفتيش المهين للمسافرين وأمتعتهم. ويتكرر الأمر نفسه عند كل حاجز من دون الاكتفاء بالتفتيش السابق، على الرغم من أنّ ثمّة مسافات بين الحاجز والحاجز لا تزيد على 500 متر، مثلما هي الحال بين حاجزَي جرادة والريسة في العريش. فالسيارة وفور خروجها من نقطة حاجز الريسة تصير تحت مرمى جنود حاجز جرادة". ويكمل محمد أنّ "السائقين يضطرون إلى زيادة الأجرة التي يتقاضونها من الركاب الفلسطينيين، نظراً إلى طول مدّة مكوثهم في السيارة، بالإضافة إلى اضطرار هؤلاء السائقين إلى دفع مبالغ مالية في مقابل حجز موعد قريب على معدية الفردان وأخرى للمجندين لتسهيل عبور الحواجز. وكلّ ذلك من شأنه أن يضاعف معاناة المسافرين الفلسطينيين".
تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات المصرية بما فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كانت قد كرّرت في محافل عدّة أنّها فتحت معبر رفح منذ مايو/ أيار الماضي بهدف التخفيف من المعاناة الإنسانية للمسافرين الفلسطينيين، في ظل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 12 عاماً على التوالي، خصوصاً أنّ معبر رفح يمثل البوابة الوحيدة لقطاع غزة في اتجاه العالم. من خلالها، يسافر فلسطينيو غزة إلى مصر وإلى دول العالم الباقية، في ظل تشديد على سفرهم عند حاجز بيت حانون (إيرز) المرتبط بالاحتلال الإسرائيلي.
في إحدى استراحات بحر مدينة العريش، التقت "العربي الجديد" عدداً من المسافرين الفلسطينيين خلال انتظارهم تشغيل حاجز الريسة في صباح اليوم التالي، للتوجّه إلى معبر رفح. وقد أكّد هؤلاء تفاقم أزمة التنقل خلال رحلة العودة من القاهرة إلى معبر رفح خلال الأسابيع القليلة الماضية. يقول أبو محمد ماهر الذي كان يخضع لعلاج في أحد مستشفيات القاهرة: "سافرت من غزة إلى مصر أكثر من 15 مرة خلال الأعوام العشرين الماضية، غير أنّني لم أجد بهدلة وتعمّداً للإذلال كما في هذه المرة. نمنا ليلتين على معدية الفردان وليلة ثالثة عند حاجز الريسة، ويبدو أنّنا سوف ننام ليلة إضافية عند بوابة المعبر. لو أردنا أن نلفّ العالم، لما استلزم الأمر كل ذلك الوقت". ويشير ماهر لـ"العربي الجديد" إلى أنّه كاد أن يتعرّض للاعتقال حين عبّر عن غضبه أمام أحد ضباط الجيش عند معدية الفردان، من جرّاء التعامل السيئ مع المسافرين الفلسطينيين.
يضيف ماهر أنّ "الشعور السائد لدى المسافرين الفلسطينيين الذين انتظروا شهوراً طويلة من أجل دخول مصر في ظل تكدّس قوائم طالبي السفر لدى وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة، هو أنّ السلطات المصرية تريدهم أن يعودوا إلى غزة من دون التفكير بمغادرتها مجدداً، ما دامت الحال على ما هي عليه اليوم، عبر تأكيد حديث: السفر قطعة من العذاب". ويتابع أنّ "ما يجري في حق المسافرين الفلسطينيين يتناقض مع تصريحات المسؤولين المصريين التي تقول إنّ فتح المعبر جاء للتخفيف من المعاناة. في الواقع، ما يحصل هو زيادة في المعاناة". وطالب ماهر قادة الفصائل الفلسطينية التي تزور القاهرة في هذه الأيام للتباحث مع المسؤولين المصريين في ملفات المصالحة الفلسطينية والتهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، بضرورة "العمل على إنهاء المعاناة على حواجز سيناء وتسهيل سفر الفلسطينيين مثلما كانت الحال في الأعوام الماضية".
في السياق، كانت حركة حماس قد دعت يوم الجمعة الماضي، إلى ضرورة إنهاء عذابات المسافرين من غزة الموجودين في الجانب المصري. وفي منشور له على حسابه الخاص على موقع "فيسبوك"، كتب المتحدث الرسمي باسم الحركة فوزي برهوم: "كان من المتوقع في ظل هذا الحضور الفصائلي الكبير في القاهرة أن تنتهي على الأقل المآسي والعذابات التي يتعرض لها العالقون في الجانب المصري من أبناء غزة، حيث لا يزال أكثر من ألف منهم في العراء منذ أكثر من خمسة أيام بلا طعام ولا ماء، جلّهم من الأطفال والنساء والمرضى والمصابين". أضاف أنّ ذلك "يستدعي تدخلاً عاجلاً من كل المتواجدين في القاهرة ومن السفارة الفلسطينية، والاستجابة الفورية لصرخات ونداءات هؤلاء وإنهاء مأساتهم فوراً وضمان تنقل وسفر آمن حرّ وكريم لأهلنا في القطاع".