لا تأتي كلمة غجر إلا ويصاحبها تلك الصورة التقليدية عن غجريات يرقصن بينما يعزف الرجال الموسيقى بكل فرح. لكن هذه الصورة هي أبعد ما يكون عن الواقع الذي يعانون منه. ورغم التحسن الذي شهدته بعض جوانب حياة الغجر الأتراك في العقد الأخير لناحية التعامل معهم على المستوى الرسمي، إلا أن هذه الأقلية ما زالت تعاني من الكثير من المشاكل في البلاد، بدءا من التمييز العنصري ضدها على المستوى الحكومي ووصولا إلى الفقر وانخفاض مستوى التعليم.
ويعتبر الغجر شعوبا مهاجرة تعود أصولها إلى شمال الهند، وتتواجد في المنطقة الممتدة من وسط آسيا مرورًا بتركيا ووصولاً إلى البلقان. أما عن أعدادهم في تركيا، فكباقي الأقليات الإثنية لا يوجد أي إحصائيات رسمية، وتختلف التقديرات بين من يقول إن تعدادهم يصل إلى نصف مليون، وبين من يرى بأن تعداد الغجر والمجمعات التي تعيش بأسلوب الغجر يتراوح بين مليونين إلى خمسة ملايين.
كما حال الغجر في كل بلد يسكنونه، يدين الغجر الأتراك بالإسلام من دون أن تشهد حياتهم أي علامات تديّن واضحة، أما أسماؤهم فإنها لا تختلف عن باقي الأسماء الشائعة في تركيا، وينتشرون في عموم الجغرافيا التركية مفضلين العيش في المدن أو في ضواحيها.
يعمل الغجر الأتراك عموماً في المهن الموسمية الزراعية أو في جمع النفايات القابلة للتدوير وحمالين أو فرق موسيقية متجولة في الشوارع وبين المطاعم والبارات. بينما تعمل النساء في تنظيف المنازل أو بائعات جوالات أو في بيع الورود في الشوارع التي تعتبر ربما المهنة الثابتة الوحيدة للغجر.
على المستوى القانوني والرسمي، شهدت أوضاع الغجر الأتراك تحسناً ملحوظاً خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، رغم عدم وجود أي اعتراف دستوري بهم كباقي الأقليات التركية. لكن على المستوى السياسي، يعود الغجر موضوعا للأحزاب السياسية قبيل كل انتخابات، حتى بات لهم مرشحون لعضوية البرلمان عن مختلف الأحزاب التركية، كما تم تصحيح أوضاع الغجر الأتراك الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية تركية، بينما تستمر العنصرية ضدهم فيما يخص الوظائف الحكومية.
كما تم إلغاء المادة الرابعة من قانون الإسكان التركي الصادر عام 1934، والتي كانت تضع الغجر مع كل من لاعلاقة له بالثقافة التركية والفوضويين والجواسيس بين من لن تقوم تركيا باستقبالهم كمهاجرين. وكذلك التعميم الذي كان يستند إلى القانون السابق، والذي كان يمنع منح الجنسية التركية للغجر والمتسولين.
وقامت وزارة التعليم التركية منذ بداية الألفية بإزالة جميع الأوصاف الدونية التي كان يوصف الغجر بها مثل الخسة والبخل وقلة الحياء والسرقة من المناهج التركية، وكذلك من الموسوعة التركية والموسوعة الإسلامية التابعة للوزارة، وأيضا قام مجمع اللغة التركية في عام 2003 بإزالة كل الأوصاف السيئة ضد الغجر من قاموس اللغة التركية، و تم إزالة كلمة "جنغنة" التركية التي تحمل الكثير من معاني التمييز العنصري المستخدمة لوصف الغجر من التعاملات الرسمية والاستعاضة عنها باسم "الرومان".
وتم في عام 2013 تشكيل الاتحاد العام للجمعيات الغجرية والمكون من 6 اتحادات و95 جمعية غجرية، يعمل على تمثيل قضايا الغجر والدفاع عنها. ويعاني الغجر كباقي الأقليات في تركيا من سياسات الدولة القومية المركزية التي تم اتباعها منذ نشأة الجمهورية التركية، والتي سعت إلى دمج جميع الأقليات والقوميات من مخلفات الإمبراطورية العثمانية في هوية تركية واحدة، مما أدى إلى استبعاد وتهميش جميع أفراد الأقليات الذين لم يتمكنوا من اللحاق بهذه الهوية، ورغم أنه للغجر لغة خاصة بهم، ولكن لا يتحدث بهذه اللغة سوى أقلية منهم، بينما تتحدث الغالبية اللغة التركية ممزوجة ببعض الكلمات الغجرية.
ويعاني الغجر في تركيا كما في جميع الدول التي يسكنون فيها من فقر مدقع وانتشار عال للجريمة وكذلك عنصرية كبيرة ضدهم، بسبب أسلوب حياتهم المختلف، تعززها الأساطير الشعبية، فأي غجري هو إما سارق أو مجرم أو مشروع مجرم أو سكير بلا عمل ويشغل أبناءه في التسول وزوجته في الدعارة.
وتمتلئ العامية التركية بالكثير من الأمثال العنصرية ضد الغجر، وعن ذلك يقول حسين كاراجا، غجري يعزف مع فرقة موسيقية في مطاعم السمك المنتشرة على ساحل منطقة سماتيا في إسطنبول: "الناس ينظرون إلينا ويروننا نضحك ونرقص ونغني، هذه طبيعتنا وثقافتنا، لكن لا أحد يعلم معاناتنا، ولا أحد يقترب منا أو يريد التعامل معنا، نحن أيضا نود أن يكون لنا منازل طبيعية وحياة طبيعة وبيوت فيها حمامات وغرف نوم، وأن نتمكن من الحصول على العمل من دون أن نعاني من العنصرية والاتهامات الموجهة ضدنا".
ويضيف: "يتعامل معنا باقي المواطنين الأتراك على أننا مجرمون، نحن أيضا نبحث عن العمل، ولكن لا أحد يرضى أن يشغلنا، ولولا أني تعلمت العزف من والدي لما كان أمامي أي طريق آخر سوى الجريمة، قد نكون بلا تعليم ولكن ذلك ليس لأننا نكره التعليم ولكن لأننا لا نمتلك المال للتعلم".
ويؤكد التقرير الصادر عن المجموعة الدولية لحقوق الأقليات، في يونيو/ حزيران من العام الماضي، بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني التركي، بأن الغجر الأتراك لا يمتلكون حقوقاً متساوية مع باقي المواطنين الأتراك في الحصول على الحق في التعليم والسكن.
ويشير التقرير إلى مدى التأثر الكبير للغجر من سياسات التحول الحضري التي تقيمها الحكومة التركية بهدم العشوائيات وإعادة بناء مساكن أخرى مكانها، حيث أن أغلب المتضررين هم من الغجر الذين يتم مصادرة منازلهم وبناء مساكن فاخرة مع إعادة إسكانهم في مناطق أخرى خارج المدينة، كما حدث في حي سولوكولة في منطقة الفاتح في مدينة إسطنبول، حيث تم إسكان الغجر المصادرة منازلهم على بعد أربعين كيلومترا من حيهم.
ويؤكد التقرير بأن نسبة المنتسبين للمدارس بين الغجر هي الأقل في المجتمع التركي، بسبب الفقر. ويقول نجاتي أوزبك، غجري من أدرنة ويعمل مع كاراجا في الفرقة: "يظن الناس بأننا نحب العيش في الخرابات، ولكن لا أحد يعلم بأننا لا نمتلك المال كي نستأجر بيوتاً، أعرف بأنه يخطر ببال الجميع بأن الغجر لا يتوقفون عن الرقص والغناء والضحك، لا يعرف هؤلاء بأننا إن لم نضحك ونرقص لن نستطيع مواجهة كل ما نتعرض له، ولن يبقى أمامنا سوى حل واحد وهو الانتحار".