نور محمد... طالبة وناشطة متميزة في تركيا

18 يوليو 2018
نشاطاتها كثيرة مع الأطفال (العربي الجديد)
+ الخط -
لم تكن نور تتوقع أن يكون هذا مستقبلها بين دراسة ونشاطات في تركيا، لكنّ الثورة والهجرة من سورية حكمتاها بذلك

من خلال عرض الحالة على برنامج "واتساب" تعبر نور عن فرحها بأول مقال تخطه يداها في مجلة تركية. كانت تدعو الأحباب والأصحاب ممن هم على قائمة أصدقائها التلفونية، لمشاركتها لحظة الشعور بالإنجاز الذي لم يكن الأول ولا يبدو أنّه سيكون الأخير بالنسبة لفتاة مثل نور.

شابة حمصية قطفت من بستان عمرها حتى اليوم أربعاً وعشرين زهرة، ومع كلّ زهرة كانت تملأ محيطها عطراً فواحاً يدب في القلب نشاطا يقارب نشاطها وحيويتها.

نور وليد محمد، ابنة مدينة حمص، فتاة سورية من ملايين الشابات اللواتي كتب القدر لهن أن يكن موجودات في عصر الثورة. كانت مع انطلاق الثورة عام 2011 في صفها الثاني الثانوي. تقول: "كان بيتنا في حي البياضة أحد أبرز أحياء حمص المنتفضة في وجه النظام حيث صدى الهتافات الثورية الذي صدح في الحي، كان كافياً للنظام كي يوجه إليه قذائفه وصواريخه. وفي بحث والدي عن أمان أكبر لنا، غادرنا إلى ريف حماه حيث لم يطل بنا المقام فتوجهنا الى الرقة في أواخر عام 2012".

بيت جديد ومجتمع جديد وحياة لا تشبه كثيراً الحياة في حمص. لكنّ نور قررت أن تكمل تعليمها وألا ترضخ للظروف فسجلت في أقرب مدرسة لبيتها كانت تبعد مسافة 2 كم وكان عليها كلّ يوم أن تقطع المسافة على قدميها صباحاً ومساء.

تشارك في توزيع الطعام (العربي الجديد) 


عندما أوشكت على أن تنهي الدراسة، وتنال الثانوية العامة، وجدت نفسها من جديد مضطرة هي وعائلتها للبدء برحلة نزوح جديدة هرباً من "داعش" هذه المرة، إلى تركيا. تقول عن ذلك: "في شهر رمضان عام 2014 قبلنا تراب الوطن مغادرين بطريقة غير نظامية إلى تركيا". عبر طرقات التهريب التي يعرف مرارتها كلّ سوري بوعرها وخطرها، استطاعوا الوصول إلى مدينة الريحانية الحدودية التابعة لإقليم هاتاي الذي تقطنه اليوم أغلبية سورية.

وعن الأيام الأولى والبداية الجديدة في أرض أخرى ومحيط اجتماعي وثقافي مختلف تقول نور لـ"العربي الجديد": "سكنّا في مدينة الريحانية لنستطيع العودة سريعاً عندما تنتصر الثورة، كما أخبرنا والدي. استطعت خلال أسبوعين العودة من جديد إلى مقاعد الدراسة. الخاطر الوحيد الذي أتذكره في تلك الأثناء حديثي مع نفسي: "لن أنسى الثورة، لن أنسى أهلنا في الداخل.



بدأت دراسة الثالث الثانوي (البكالوريا/ الثانوية العامة) باللغتين الإنكليزية والتركية فلم يكن المصير الجامعي محدداً بعد. استطعت أن أنهي الثانوية عام 2015 بتفوق والحمد لله، ثم أتممت دراسة اللغة التركية وتمكنت من الحصول على مقعد هندسة غذائية في جامعة كرمان".
بدأت نور حضور الدروس في جامعتها، ومنذ الشهر الأول، شعرت أنّها اختارت التخصص الخطأ، الذي لا يشبهها ولا تنتمي إليه ولا ينتمي إليها، لتقوم بعمل جنوني كما وصفه أصدقاؤها فتترك الجامعة وتلملم أشياءها عائدة من جديد إلى الريحانية.

تحب عملها (العربي الجديد)


هناك بدأت العمل كمدرّسة للغة التركية في مدارس التعليم المؤقت الخاصة بالسوريين، ثم انتسبت إلى مجموعة من الفرق التطوعية التي كان قد شكلها السوريون هناك وبعضها ساهمت هي في تأسيسه، لتمضي معظم وقتها مع المنقطعين عن المدارس من الأطفال لمحاولة إعادتهم وتعليمهم قدر المستطاع بهمة ونشاط. عمّا قدمه لها التطوع تقول: "أتاح لي التطوع أن أرى الواقع بصورة مختلفة أكثر عمقاً وقرباً من الحقيقة بعيداً عن العالم المثالي. وهو عالم قريب من ويلات الحرب حيث الأطفال الضحية الأولى إذ باتوا فريسة للعمالة والفقر في بلاد اللجوء. لذلك، انصب اهتمامي بالجانب النفسي لهم وبكيفية مساعدتهم لتخطي الأزمات التي مروا فيها".

بعد عامين، دخلت أحداث جديدة حياة نور وغيرت مستقبلها الذي تسعى أن تكون هي من تساهم في صنعه لا الظروف التي بات كثير من اللاجئين يعلقون عليها فشلهم في كثير من الأحيان. وعن هذه الأحداث تقول نور: "كسورية في بلاد اللجوء كان يجب أن أكون مرنة، سريعة الاندماج ومتأقلمة مع الظروف خصوصاً تلك التي تأتي على شكل سيستم يوك -وهي جملة تركية تعني انعدام النظام - إذ عانيت من خلل في رقم هوية اللاجئ. أجل فأنت هناك، بعيداً عن بلادك عبارة عن رقم فقط.



كما كان في سورية أيضاً، لم يكن الاستسلام ضمن قاموسي. استطعت بدعم الأهل والأصدقاء التغلب على جميع الظروف والمضي قدماً من جديد للمفاضلة بين الجامعات وإكمال دراستي. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، جرى قبولي في فرع الإرشاد النفسي بجامعة غازي عينتاب. استطعت في مدينة عينتاب بناء العديد من العلاقات التي وطدها الرابط الثوري، واستطعت مع أصدقائي الانضمام لركب الطلاب الأحرار لإعادة روح الثورة ولنكون عوناً وسنداً لأهلنا في داخل سورية. نظمنا العديد من التظاهرات والأنشطة الثورية واستطعنا بالتعاون مع منظمة تركية إقامة بازار خيري ضمن الجامعة يعود ريعه لأهلنا في الغوطة.
وكان نشاطي الأخير المشاركة في العدد الأول من مجلة همهال، التي تصدر بثلاث لغات، وذلك من خلال مقال بعنوان إطلالة على أفق آخر، تحدثت فيه عن علاقة اللغة بالثقافة وكيف سنتمكن من اكتشاف حضارات وثقافات جديدة من خلال تعلم لغات أخرى".

تختم نور: "ما زلت طالبة سنة أولى في الجامعة. الأشياء التي أريد أن أفعلها كثيرة. طموحي صديق الشمس إلا أنه يأبى أن يغرب. أحمل وطني في قلبي حيثما حللت، ولن أتوقف حتى أبلغ هدفي وأجعل من العالم مكاناً أفضل".
المساهمون