وجبة طعام واحدة لفقراء غزة

15 يوليو 2018
تأكل المتوفّر (محمد الحجار)
+ الخط -

المشاكل الاقتصادية، وأزمة رواتب موظّفي السلطة الفلسطينية وحكومة غزة السابقة، وتقليص دعم العائلات الفقيرة والمحتاجين في غزة، كلّها عوامل فاقمت من صعوبة الأوضاع المعيشية في القطاع. حتى أنّ مهناً مؤقتة لم يعد لها وجود في غالبية المنشآت التجارية والصناعية. وبات الهمّ اليومي لأولياء الأمور تأمين لقمة العيش، لكنّها أصبحت صعبة بالنسبة إليهم.

الظروف الصعبة دفعت نسبة كبيرة من العائلات إلى الاستغناء عن وجبات الطعام الأساسية اليومية، وصار عادياً أن تكتفي الأسر بتناول الوجبات الأساسية بعد الحرمان من المأكولات التي اعتادوا تناولها. حتى الأطفال حرموا من وجبات الطعام الثلاث الأساسية، وملّوا من البقوليات كالعدس والفول.

في منطقة الباطنية شرق حي النصر في مدينة غزة، تقيم عشرات الأسر الغزية في منازل بنيت من أحجار وأسطح من صفائح حديدية على أراضٍ حكومية بشكل غير قانوني. وتعاني المنطقة من تهميش كبير وأزمة بيئية في ظل غياب قنوات تصريف المياه، كما يعاني الأطفال من سوء تغذية. نادية وائل (42 عاماً) تقيم في المنطقة منذ عام 2002. ومنذ شهر إبريل/ نيسان هذا العام وحتى اللحظة، تتولى إعداد وجبة طعام واحدة عند الظهيرة، وتتكون غالبيتها من البقوليات أو الأرز أو البرغل، بعدما توقّف زوجها عن العمل على بسطة في سوق الزاوية بسبب قلة الزبائن، وبالتالي لم يعد يحصل على عائد مادي.



نادية أمّ لستة أبناء، منهم ثلاثة أطفال، كانت تتلقى مساعدات ومواد غذائية من إحدى الجمعيات الخيرية. وعلى مدى 6 أشهر، لم تحصل على أي مساعدات، فأصبحت أسرتها تعتمد على وجبة غذائية واحدة طول اليوم. تقول لـ "العربي الجديد": "في أحيان كثيرة، أجوع حتى أتمكن من تأمين الطعام للأطفال. لا أريد لأطفالي الشعور بذلك. وإذا ما طلب مني أطفالي الجبن وبعض اللحوم، أطلب منهم الصبر حتى آخر الشهر. أردّد الأمر نفسه منذ نحو أربعة أشهر".

حال عائلة وائل لا تختلف كثيراً عن حال عائلات في منطقة الباطنية، تشير إلى أن معظم العائلات يعدّون وجبة طعام واحدة في اليوم، وقد أقاموا في المنطقة بعدما فقد عدد من أولياء الأمور أعمالهم في المناطق الصناعية الشرقية لقطاع غزة نتيجة الاحتلال الإسرائيلي لغزة ما بين عامي 2000 و2005. ولم تهتمّ السلطة الفلسطينية في النظر في ملفاتهم، واستمرّت الحال على ما هي عليه بعد الانقسام الفلسطيني وحتى اللحظة.



في المنطقة نفسها، تقيم عائلة ماهر النتشة (45 عاماً). كان ماهر يعمل حداداً، إلّا أنه توقف عن العمل منذ العدوان الأخير على قطاع غزة في عام 2014. كان يعمل في المنطقة الصناعية على حدود معبر ايرز الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي، وتوقف عن العمل مطلع عام 2001، وعاش في المنطقة منذ عام 2002. اليوم، لا يستطيع تأمين الطعام لأبنائه الخمسة. يقول النتشة لـ "العربي الجديد": "لم أتخيل أن يأتي يوم أكون فيه عاجزاً أمام أطفالي، بسبب عدم استطاعتي تأمين طعام لهم. عملت حارساً في إحدى المدارس وعامل نظافة بنظام عقود البطالة. اليوم، حتّى البطالة أصبحت مستحيلة. في أحيان كثيرة، ينام أطفالي جائعين. كثيراً ما طلبت من أقاربي تأمين الأرز أو الفول أو بعض الخضار لإطعامهم".



في مخيّم الشاطئ غرب مدينة غزة، تجلس سعاد حمد (40 عاماً) مع جارتها نبيلة الهسي (42 عاماً)، وتتحدثان عن همومهما، بعدما فقد زوج سعاد عمله كخياط منذ بداية العام الحالي، فيما يعاني زوج نبيلة من مشكلة صحية في قدميه، وقد قطعت عنه المساعدات نتيجة تقليص الدعم الخارجي للجمعية التي تتكفل في تأمين بعض مستلزمات بيته وأدويته. لدى حمد 3 أطفال. وتقول لـ "العربي الجديد": "عندما يلعب أطفالي مع أطفال المخيم، يسألون بعضهم بعضاً عن طعام اليوم. يخجل أطفالي من القول إنهم تناولوا العدس. المرة الأخيرة التي تناولوا فيها العشاء كانت في أواخر شهر إبريل/ نيسان هذا العام".

إلى ذلك، تقول مديرة برامج مكافحة الفقر في وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة، ثناء الخزندار، إن الوزارة تستقبل طلبات إغاثية في البرنامج لإغاثة العائلات الفقيرة. وتلاحظ أن عدداً كبيراً منهم يطلب الإغاثة بشكل عاجل، وقد عمدوا إلى توزيع عدد من الطرود الغذائية خلال شهر رمضان، عبارة عن دعم من الحكومة المصرية والقطرية ومساعدات أخرى. لكنها توضح أن المساعدات لا تكفي العائلات على أرض الواقع.




وتشير الخزندار إلى أن الوزارة في بداية العام أضافت نحو 5 آلاف أسرة فقيرة ضمن برامجها، وأصبحت أكثر من 75 ألف أسرة تتلقى مساعدات إغاثية ومالية بشكل دوري من الوزارة. وتشمل المساعدات أكثر من 800 ألف غزي، وهي أعلى نسبة منذ إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية. وتقول إن الوزارة لا تستطيع استيعاب كل حالات الفقر في غزة، في ظل تزايد الأزمات.