زواج الفتيات القاصرات في السودان... واقع مؤلم

09 يونيو 2018
هما مهددتان بالزواج في أيّ وقت(أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
تكثر قصص زواج القاصرات في السودان، وقد ضجّت البلاد أخيراً بقضية نورا حسين التي حُكم عليها بالإعدام لقتلها زوجها الذي اغتصبها خلال شهر العسل بمساعدة من أقربائه. وكانت عائلة نورا قد أجبرتها على الزواج وهي في الخامسة عشرة من عمرها

كانت ريان في الحادية عشرة من عمرها عندما زوّجتها أسرتها برجل تخطى السادسة والثلاثين من عمره. وبعد مضي أشهر على الزواج، ظلت ريان تتعرّض بحسب إفادة أسرتها لعنف جسدي فظيع نتيجة رفضها المتكرر إقامة علاقة جنسية مع زوجها، وأدخلت إلى المستشفى لأكثر من مرّة. أسرة ريان، سلّمت أخيراً بعدم جدوى زواج طفلتها من ذلك الرجل، فرفعت دعوى قضائية لإبطال الزواج تنظر فيها محكمة مختصة في الخرطوم.

قصة ريان واحدة من قصص زواج الفتيات القاصرات في السودان الذي ضجّ أخيراً بقضية الشابة نورا حسين التي حُكم عليها بالإعدام لقتلها زوجها الذي اغتصبها خلال شهر العسل بمساعدة من أقربائه. وكانت عائلة نورا قد أجبرتها على الزواج وهي في الخامسة عشرة بشاب لم ترغب فيه.




وكانت دراسة رسمية أعدّت في عام 2010، قد بيّنت أنّ نسبة زواج القاصرات في المناطق الريفية بلغت 40 في المائة في مقابل 28 في المائة في مناطق الحضر. من جهتها، سجّلت دراسة أخرى أعدّت في عام 2013، ارتفاعاً كبيراً جداً في نسبة زواج القاصرات في بعض الولايات مثل النيل الأزرق ودارفور. فبلغت النسب في ولاية غرب دارفور 58 في المائة، وشرق دارفور 45 في المائة، والقضارف 48 في المائة، وجنوب دارفور 53.8 في المائة، والخرطوم 27 في المائة. وكشفت الدراسة نفسها أنّ 15 في المائة من العرائس القاصرات تتراوح أعمارهنّ بين 10 و14 عاماً، وأنّ الزواج المبكر هو ممارسة شائعة في عدد من القبائل السودانية.

ويحذّر أستاذ علم النفس الدكتور علي بلدو من الآثار النفسية والاجتماعية السيئة التي يُخلّفها إجبار طفلة على الزواج، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "مصطلح زواج الفتيات القاصرات هو بحدّ ذاته مصطلح مضلل من الناحية النفسية، إذ إنّ ما يحصل ما هو في الحقيقة سوى اعتداء جنسي كامل على الطفولة". ويؤكد أنّ ذلك "يجعل الطفلة في حالة صدمة مع الشعور بالخوف والهلع، بالإضافة إلى معاناتها من التشنج ومن نوبات ذعر وأحلام ليلية مفزعة"، مضيفاً أنّ "الصغيرات المتزوجات يشعرنَ بالاكتئاب المؤدّي إلى الانتحار". ويتابع أنّ "الفتاة التي تتعرّض لذلك، تشعر برغبة في الانطواء بعد فصلها عن مسار حياتها الطبيعي والزج بها في حياة اجتماعية معقّدة بالنسبة إليها، وهو ما يؤدّي إلى صعوبات في التواصل وفقدان الثقة بالمجتمع والشعور بالدونية ولوم الآخرين". ويوضح أنّ "كل ذلك يولد قوة نفسية سالبة ورغبة في الهروب من المنزل أو اللجوء إلى عالم المخدرات. وفي أحيان كثيرة، تلجأ الطفلة إلى إلحاق الضرر الجسدي بالزوج وصولاً إلى قتله كنوع من التشفي ووقف الشعور الدائم بالعذاب النفسي والجسدي".

من جهتها، تحدد الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم "أربعة أسباب رئيسة وراء انتشار زواج الفتيات القاصرات، أوّلها عدم توفّر قانون سوداني يُجرّم هذا الفعل حتى اليوم. فثمّة فجوة بين قانون الطفل لسنة 2010 وقانون الأحوال الشخصية، إذ إنّ قانون الطفل يعرف الطفل بأنّه أيّ شخص لم يبلغ من العمر 18 عاماً بينما يجيز قانون الأحوال الشخصية زواج الطفلة ابتداءً من عمر 10 أعوام. بالتالي، لن تجد الطفلة في حال إجبارها على الزواج أيّ حماية قانونية. ولعلّ التناقض الأكبر يكمن في مصادقة السودان على الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل الذي يحتوي على بنود تمنع زواج الفتيات القاصرات. بالنسبة إلى السبب الثاني، فإنّ ثمّة أبعاداً إجتماعية واقتصادية لزواج الفتيات القاصرات في السودان، إذ إنّ أسراً فقيرة كثيرة تزوّج بناتها لأغنياء بحثاً عن مهور غالية تدرّ لهم عوائد مادية لا بأس بها، إنّما على حساب سعادة بناتهم". بخصوص السبب الثالث، تقول إبراهيم إنّ "دراسات أثبتت أنّ زواج الفتيات القاصرات يحدث نتيجة خوف الأسر على بناتها من عدم الزواج في المستقبل، فتنتهي إلى العنوسة". أمّا السبب الرابع، فهو "خوف الأسر من العار والظنّ بأنّ عدم زواج بناتها سوف يؤدّي الى تورّط الواحدة منهنّ في علاقة جنسية خارج إطار الزواج، الأمر الذي يجلب للأسرة العار، خصوصاً إذا انتهى الأمر إلى حمل غير شرعي. والأسر، بدلاً من غرس قيم التنشئة السليمة في بناتها، تلجأ إلى تزويجهنّ في سنّ مبكرة". وتشدد إبراهيم على "علاج الظاهرة المجتمعية من خلال سنّ قوانين تحرّم زواج الفتيات دون الثامنة عشرة، وزيادة الوعي في المجتمع وتطبيق استراتيجيات فعالة من قبل الدولة لإنهاء الظاهرة كلياً".




في السياق، يعيد كثيرون المشكلة إلى المجتمع، إذ إنّ القضية بالنسبة إليهم ليست مرتبطة بقانون تحديداً. ويؤكدون أنّ القانون لن يكون فاعلاً في ظاهرة يتواطأ فيها المجتمع ككل، ويشيرون إلى فشل منظمات المجتمع المدني بأداء دورها التوعوي والتثقيفي. لكنّ تهاني عباس، من مبادرة "لا لقهر النساء"، تنفي ما يُقال عن فشل منظمات المجتمع المدني، وتؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "جهد منظمات المجتمع المدني مستمر، وهي تتابع حالات كثيرة وتسلّط الضوء على الموضوع، فضلاً عن التحالف العريض بين عشرات المنظمات الذي تأسّست لغرض الحدّ من الزواج المبكر". وحمّلت عباس مسؤولية ما يجري إلى "غياب قانون يحرّم ذلك الزواج. فبمجرد سنّ تشريع في هذا الخصوص، فإنّ ذلك يفتح الطريق أمام المجتمع المدني لأداء دوره في التوعية وكذلك في التدخل لتقديم الدعم القانوني والحماية للضحايا".