شواطئ غزة متنفس الصائمين في رمضان

05 يونيو 2018
المتنفس الوحيد للغزيين (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -


اتفق شادي الكتري مع عائلته على الخروج إلى شاطئ بحر مدينة غزة لتناول طعام الإفطار، كما اعتاد على هذا العمل في كل رمضان. وحشة العتمة والرطوبة العالية التي تغلف البيوت، دفعتا الفلسطيني نحو متنفسٍ هو الوحيد في قطاع غزة، وهناك استمتع بكسر صيامه رفقة زوجته وطفليه.

هذه اللمّة العائلية أصبحت روتيناً لدى الكتري وعائلته، وبعيداً عن كونها طقساً يحاولون من خلالها تغيير الأجواء، فإن مشكلة الكهرباء خاصة، والأزمات التي تعصف بالقطاع عامة، والتي تستقبل رمضان غزة عادة من دون حلول، تدفع شادي، كما الكثير من العائلات الفلسطينية كل عام، إلى كسر الصيام وسط نسمات البحر العليلة.

نُزهة الكتري وعائلته عندما خرجوا للإفطار على كورنيش بحر مدينة غزة لم تكلفهم الكثير، فهي وجبة خفيفة من الطعام حضّرتها الزوجة في بيتها مع بعض المسليات. ويقول الكتري لـ"العربي الجديد": "الإفطار على البحر يأخذ طابع البساطة في كل شيء، وهو جوهر الجلسة، نحن نخرج هنا لنغير حياتنا المزدحمة بالتعقيدات".

واستقبل الفلسطينيون شهر رمضان مثقلين بالهموم والأزمات، ووسط أوضاع معيشية واقتصادية ازدادت سوءاً منذ أكثر من عام، بعدما اشتدت وطأة الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، ومعه فرضت السلطة الفلسطينية إجراءات عقابية ضد القطاع نالت من قطاعي الصحة والخدمات، ناهيك عن أزمة رواتب أفلست جيوب الغزّيين.

واعتاد الفلسطينيون، خلال سنوات الحصار، على الإفطار وحتى السحور وسط ظلام يغلّف موائد الغزيين داخل البيوت المترهلة من الأزمات. وفي رمضان الجاري، لا يرى أكثر من مليوني مواطن في غزة، الكهرباء سوى أربع ساعات يومياً، وقد لا تتزامن مع ساعات الإفطار، وهو الأمر الذي يجعل من مذاق الإفطار مراً.

لمّة أخرى من أربعة شبان تجمّعوا على مائدة إفطار تطل على بحر غزة. فقبل ساعات قليلة من كسر الصيام، شعر محمود العمصي بالضجر من الجلوس داخل منزله وانتظار لحظة الإفطار على كهرباء مقطوعة، فسارع إلى الاتصال بأصدقائه وتشجيعهم على الخروج والإفطار عند الكورنيش.
إفطار رمضاني قرب البحر(فيسبوك) 




يقول العمصي بعد أن أنهى وأصدقاؤه إفطارهم، لـ"العربي الجديد": "شعور حلو إنك تعمل لمة شبابية وحتى عائلية وتفطر على بحر غزة، هو المكان الذي نتنفس فيه قليلا. بيوتنا متأزمة من انقطاع الكهرباء هذا غير الأزمات الكثيرة التي بنعاني منها كشعب فلسطيني عايش في قطاع محاصر، الإفطار على البحر نفس إلنا من ضيق الحال".

وفي الوقت الذي يعاني بحر غزة من تلوث مياهه وشاطئه، بسبب ضخ كميات كبيرة من المياه العادمة فيه، لا ينفك الفلسطينيون عن الخروج خلال رمضان نحو هذا المتنفس الوحيد لهم، حاملين طعامهم إلى هناك، وكل همهم هو الابتعاد مؤقتا عن البيوت المظلمة وتجاهل الأحوال الضائقة.
البحر يبعدهم عن عتمة المنازل بغياب الكهرباء(فيسبوك) 


نسرين سلامة جاءت مع صديقتها إلى الكورنيش، ولم تجلس على طاولة من تلك التي تنتشر على طول المنطقة المطلة على بحر غزة، واختارت الجلوس على رمال الشاطئ، والاستمتاع بجلسة بسيطة كسرت خلالها وصديقتها صيامهما، وتجاهلتا سوء الحال الذي تعاني منه كل البيوت الفلسطينية.

وتوضح سلامة لـ"العربي الجديد": "زهقت من القعدة في البيت طول اليوم وحتى تناول الإفطار، هذا الروتين الممل سببه إني تخرجت من الجامعة ولم أجد فرصة عمل في مجال الهندسة التي درستها، إذا ما طلعت من البيت وكسرت هذا الروتين بحس بالضجر، لهيك بجي مرة كل أسبوع أفطر أنا وصديقتي على البحر".
شواطئ غزة تكسر الرتابة في رمضان (فيسبوك) 


فكرة إفطار الفلسطينيين على شاطئ بحر غزة، شجّعت العديد من أصحاب بسطات بيع المشروبات الساخنة أو الذرة والمنتشرة هناك، إلى نشر طاولات وكراسي بهدف استقطاب الغزّيين المقبلين على هذه الفكرة، وبمقابل مادي لا يتجاوز 10 شواكل (الدولار يعادل 3.59 شيكلات)، ومن خلالها يوفرون لهم مصدر رزق يساهم في توفير قوت يومهم. ويقول صاحب بسطة بيع المشروبات نادر بدوي لـ"العربي الجديد": "إفطار الناس على البحر خلاني أجيب عدد من الطاولات وركنها أمامي وتأجيرها للناس بمقابل مادي ومنها بساعد في توفير مصروفي اليومي في رمضان".
دلالات