الفخار التونسي يعود مجدداً بنماذج عصرية ولدواعٍ صحية

23 يونيو 2018
الفخار مورد رزق العديد من العائلات البسيطة(العربي الجديد)
+ الخط -

بأنامل أنهكتها السنون، وتحت أشعة الشمس الساطعة، كانت الخمسينية فتحية من طبربة (35 كلم) عن العاصمة تونس، تصنع منتجات من الطين، فتشكله أواني ومعدّات طبخ مختلفة كما يحلو لها، ثم تتركه يجف لعدة أيام قبل طلائه.

تعرض فتحية منتجاتها على قارعة الطريق بالقرب من منزلها المتواضع، وتقول لـ"العربي الجديد" "إنّها تعلمت هذه الحرفة من والدتها التي ورثتها بدورها عن جدتها، وإنها تجهز بعض المنتجات بطلب من الزبائن، خاصة إذا تعلق الأمر بإناء يعرف باسم "الطاجين" لطبخ الخبز.

ويشكل الفخار الطيني مورد رزق العديد من العائلات البسيطة في تونس وحرفة تراثية ورثها البعض أبا عن جد وحذقها آخرون بمفردهم فسعوا إلى تطويرها، وأصبحوا يتفننون في ابتكار المنتجات التي لم تعد تقتصر على أواني الطبخ لتشمل تُحفا فنية تتم زخرفتها بإحكام لكي تستجيب إلى متطلبات العصر.

وقد عادت صناعة الفخار الطيني في تونس إلى الواجهة مجددا، وأصبحت هذه المنتجات تحظى بمكانة كبيرة، وتشتهر مدينة نابل، شمال شرق تونس، بالفخار حتى أنها تلقب بعاصمة الفخار، إلى جانب جزيرة جربة ومدن الساحل التونسي كقصر هلال والمكنين، وتعود هذه الصناعة إلى العصور القديمة حيث كانت تصنع العديد من المنتجات كالجرار المخصصة لخزن الزيت، والقلال، والآواني مختلفة الأحجام والاستعمالات، وعثر المؤرخون أثناء حفرياتهم على بقايا منتجات عديدة من الفخار.

في معرض بوسط شارع الحبيب بورقيبة، أقيم مؤخرا وسط العاصمة تونس، خصصت وزارة المرأة أحد الأجنحة لعرض منتجات من الفخار، كانت أسئلة الحرفيين للعارضين لا تتوقف والإقبال كثيفا.

تقول ريم بن عامر التي تشتغل في صناعة منتجات من الفخار من محافظة نابل، إنّ لديها نحو 6 سنوات في هذا المجال، وإن زوجها هو الذي كان سببا في أن تغرم بهذه الصناعة التقليدية، فقد حاولت في البداية مساعدته في ورشته ثم طورت المنتجات التي كان يصنعها بإبداع نماذج جديدة.

تضيف قائلة:" لقد أصبحنا نكمل بعضنا البعض في هذه الصناعة، وقررت عرضها في العديد من المعارض والانتقال من محافظة إلى أخرى للتعريف بها وتسويقها".

وترى ريم أنّ صناعة الفخار تتطلب موهبة لكي يتمكن صاحبها من النجاح فيها، إذ إن أهم شرط هو أن يكون المرء محبا للفخار، مشيرة إلى أنها زرعت حب صناعة الفخار في ابنتها الصغيرة من خلال صناعة تحف صغيرة وحصالات وتزيينها بألوان زاهية لكي يحبها الأطفال فيقتنونها بشغف.

وتوضح أنه منذ حوالي 4 أعوام تضاعف الإقبال على الفخار المخصص للطبخ لدواع صحية وتجنبا للسرطانات التي قد تسببها المعادن، إذ إن العديد من التونسيين أصبحوا يفضلون الطبخ في أواني الفخار التي تتحمل درجات عالية من الحرارة وتعرف بمحافظتها على صحة الإنسان، وتشير إلى أن الطلب جعلهم ينوعون المنتجات الفخارية لتشمل تقريبا العديد من المعدات ومنها تلك المخصصة لإعداد القهوة وقوارير لتسخين الماء، أو الحليب للرضع، مشيرة إلى أنّ الأمهات يفضلنها على الآواني العادية.

عرض منتجات والإقبال عليها (العربي الجديد)

وتؤكد أن من أبرز الصعوبات التي تواجههم كحرفيين هي العثور على المواد الأولية، فبعضها محلي ولكن توجد نوعية من الطين الأحمر يخصص للطبخ غير متوفرة في تونس ويتم توريدها وعادة يجدون صعوبات كثيرة في الحصول عليها.

يفضل الناس الفخار لأسباب صحية (العربي الجديد) 

ويقول رشاد بالعروسي، إنه يقوم بعرض منتجات فخارية بالاشتراك مع عائلة من محافظة نابل اختصت في ابتكار منتجات فخارية وطورتها بطلائها بمادة خاصة لتكسبها ألوانا جذابة وعصرية، مبينا أنّه تمت إعادة الروح للصناعات التقليدية ومنها الفخار بإكسابها لمسة عصرية إذ إنهم تمكنوا من ابتكار قرابة الـ3 آلاف نموذج.



ويؤكد رشاد أنّ هذه النوعية من النماذج لاقت إقبالا كبيرا، بل تعدى الطلب الجانب المحلي إلى التصدير لبلدان مجاورة كالجزائر، مبينا أنه توجد العديد من الصعوبات في التصدير خاصة في ظل غياب التسهيلات والحوافز التشجيعية من الدولة.

الدولة لا تشجع الحرفيين (العربي الجديد) 

ويوضح المتحدث أن الدولة لا تقوم بتشجيع صانعي الفخار، فباستثناء بعض المعارض التي تقام من حين إلى آخر والتي تكون فيها أسعار الأجنحة باهظة، فإنه لا تتم العناية بمثل هذه  المنتجات وتشجيع أصحابها على مزيد من الابتكار وتسويق معروضاتهم.
تشتهر تونس بالفخار (العربي الجديد)
دلالات