عيد أطفال غزة بلا ألعاب

17 يونيو 2018
صغار بلا عيد (محمد الحجار)
+ الخط -

اعتاد بائعو ألعاب الأطفال في غزة الجلوس لساعات طويلة، قبل أن يقترب منهم طفل وأحد والدَيه ليشتريا لعبة من الألعاب التي يعرضونها على بسطاتهم أو في محالهم. ومن بين آلاف الأمهات وأولياء الأمور الذين يمرون في أسواق غزة، عشرات منهم فقط يشترون ألعاباً لأطفالهم، في حين يتوقّف صغار كثيرون أمام الألعاب ويتأملونها وفي قلوبهم حسرة، إذ إنّهم لن يحصلوا عليها نتيجة الضائقة المالية.

في تلك الأسواق، ألعاب صينية ومقلدة بأسعار رخيصة، غير أنّ أسراً كثيرة لا تستطيع توفير ثمنها. بالتالي، صارت تلك الألعاب حلماً لدى أطفال غزة الذين صاروا يكرهون العيد. فالألعاب في العيد تطالعهم في كل مكان يقصدونه من دون أن يكونوا قادرين على امتلاكها. يُذكر أنّ أمهات كثيرات يحاولنَ عند اصطحاب أولادهنّ للتنزّه، الابتعاد قدر المستطاع عن بسطات الألعاب ومحلاتها.

أحمد مشتهى، صاحب محل ألعاب في منطقة الساحة، وسط مدينة غزة، يخبر بأنّ "ثمّة انخفاضاً شديداً في بيع الألعاب بالمقارنة مع أعياد السنوات الماضية بنسبة 10 في المائة". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّه لم يستطع استيراد ألعاب جديدة نظراً إلى القدرة الشرائية المتدنية والأزمة المالية الكبرى في القطاع، مشيراً إلى أنّه يبيع خلال موسم العيد الحالي الألعاب التي استوردها في العام الماضي، ويقول إنّ "الموقف الأصعب هو ما رحت أشاهده في عيون الأطفال منذ الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان وحتى اليوم. هؤلاء يتأملون الألعاب عن بعد بحسرة، غير أنّني لا أستطيع منحهم إياها". ويتابع أنّه تعرّض لـ"خسارة كبيرة منذ شهرين، ونحن اليوم نبيع الألعاب بربح أقلّ لعلّنا نؤمّن مالاً، وإن قليلاً، لأسرنا. ونحن بمعظمنا نخسر في هذا الموسم الألعاب القديمة".



وكان مشتهى قد عمد في مواسم أعياد ماضية مع عدد من أصحاب محال الألعاب المشهورة في غزة إلى تنظيم حملة لتوزيع ألعاب على أطفال الأسر الفقيرة، لكنّ المحال في هذا الموسم تعاني وأربعة منها أغلقت أبوابها بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة، ولا سيّما أنّ الأسر الغزية لم تعد تشتري لأطفالها ألعاباً.

لم تصطحب أم بلال سمارة طفليها بلال (سبعة أعوام)، وماهر (خمسة أعوام)، إلى السوق مثلما اعتادت في كل عام خلال موسم الأعياد. وهي عمدت إلى شراء ملابس العيد لهما من البسطات نظراً إلى رخص ثمنها بالمقارنة مع المحلات التجارية. وتؤكد سمارة (33 عاماً)، أنّها استدانت من والدتها لتشتري الملابس حتى لا يشعر طفلاها بفرق بينهما وبين أطفال حيّ الصبرة، جنوبيّ مدينة غزة، حيث يسكنون. إلى ذلك، اشترت لهما ألعاباً صغيرة بقيمة خمسة شواقل (نحو دولار أميركي واحد ونصف الدولار) لكنّهما رفضاها لأنّ حجمها صغير.



تقول سمارة لـ"العربي الجديد"، إنّ "زوجي موظف تابع لحكومة غزة السابقة، ولا يتقاضى إلا 40 في المائة من راتبه كلّ 40 يوماً. لكنّني رأيت أنّه لا ذنب لطفلينا بذلك، ولا بدّ من أن يشعرا بجو العيد ولو قليلاً. لذا حاولت بذل قصارى جهدي". تضيف أنّ "بلال كان قد طلب لعبة ديناصور وماهر سيارة مع جهاز تحكم عن بعد. لكنّني للأسف عاجزة عن تلبية رغباتهما، تماماً كما هي حال كثيرين. أطفالنا محرومون من أبسط حقوقهم".



من جهتها، لم تستطع أم أحمد أبو مرق (35 عاماً)، شراء دمية باربي لابنتها يارا (ستة أعوام)، لأنّ والدها لم يتلقّ راتبه من السلطة الفلسطينية، نظراً للإجراءات العقابية المستمرة بحقّ موظفيها في قطاع غزة وحسم 50 في المائة من قيمة رواتبهم من جهة، والقرض الذي حصل عليه قبل أربعة أعوام لبناء منزلهم والذي تُحسم قيمة أقساطه تلقائياً من الراتب. وتقول أبو مرق لـ"العربي الجديد": "عندما نزلت إلى السوق، كنت أحاول تجنّب محال الألعاب حتى لا تراها يارا ويؤلمني قلبي بسبب رغباتها". تضيف أنّه "في منزلنا، نحاول تأمين الطعام في ظل الأزمة التي نعيشها تماماً كما المجتمع الغزي كله".




أمّا أطفال غزة، فيرون العيد بطريقتهم الخاصة. حسين (تسعة أعوام)، على سبيل المثال، يقول لـ"العربي الجديد": "كنت أحب الاحتفال بالعيد في تركيا. العيد جميل عندهم. هكذا أشاهد في التلفاز. وكنت أخذت معي أمي وأبي، فيتقاضى راتبه من الحكومة التركية بدلاً من راتبه من السلطة الفلسطينية. وأيضاً، كنت اشتريت ألعاباً جميلة لأنّني لم أشترِ في غزة". من جهتها، تقول سوسن (ثمانية أعوام)، لـ"العربي الجديد": "كنت أحلم بألا تقطع الكهرباء، لكنّ في شركة الكهرباء أشرار والاحتلال وحش. وقد طلبت من أمي لعبة ماشا، لكنّها أجابتني بأنّها سوف تحضرها لي في العيد المقبل إن رزقنا الله".