سجال الإفطار... جدل تونسي حول المجاهرة بالامتناع عن الصوم
تونس
مريم الناصري
مريم الناصري
يستمر الجدل في تونس حول الحق في الامتناع عن صوم رمضان، ويتخذ صفة التحدي من جانب كثير من الشباب الذين يصرون على هذا الحق، في مقابل آخرين يرفضون ذلك ويهددون بتنظيم وقفات احتجاجية مضادة
"تلاهاو بلي كلاو البلاد وما تتلهاوش بلي كلاو في رمضان" (اهتموا بمن أكل البلاد ولا تهتموا بمن أفطر في رمضان)، و"العلمانية ضرورة حضارية"، و"الحريات الفردية حق مش مزية"، و"حرية حرية في دولة مدنية"... تلك هي بعض الشعارات التي رفعها عدد من الشباب التونسي منذ يومين خلال وقفة احتجاجية للمطالبة بالحق في عدم الصوم. اجتمعوا حاملين معهم بعض قوارير المياه والأكل، ومدخنين السجائر علناً للتأكيد على حقهم في المجاهرة بالإفطار من دون خوف.
هذا المطلب ليس بالجديد، والجدل الذي طرحه أيضاً لم يطرح للمرّة الأولى، لكنّه طرح هذه المرّة بشكل أكثر حدّة، خصوصاً أنّ هؤلاء الشباب نظموا حملة بعنوان "مش بالسيف" للمطالبة بحقهم بالإفطار علناً وبفتح المقاهي والمطاعم طوال شهر رمضان. وقد نظمت الوقفة الاحتجاجية من قبل ناشطي جمعية "المفكرون الأحرار" من أجل تكريس الحريات الفردية ومناهضة إجراءات إغلاق المقاهي والمطاعم في نهار رمضان، وذلك للسنة الثانية على التوالي. يؤكد منظمو الحملة على حقهم في فتح كلّ المقاهي والمطاعم، والأكل والشرب في الطريق العام كحرية شخصية، وعلى أنّ العلمانية هي الحلّ للتعايش مع الجميع.
وقّع أكثر من 2500 مواطن على عريضة أكدوا فيها على حرية التونسيين في الصوم أو الإفطار في رمضان. عبر هؤلاء عن "رفضهم المطلق لكلّ أشكال الضغط أو الاعتداء أو الحد من ممارسة تلك الحرية الأساسية، باعتبار احترام حرية المعتقد هو الضمان الأساسي الذي يمكّن التونسيين والتونسيات من العيش المشترك على اختلاف معتقداتهم وقناعاتهم وممارساتهم الدينية وغيرها". كذلك، أكدوا على "ضرورة إزالة كلّ العوائق من إجراءات وضغوط وترتيبات إدارية وممارسات تخص فتح وعمل المقاهي والمطاعم، وتجنب كلّ ما من شأنه المس بحرية المواطن في تعاطيه مع شهر رمضان بحسب قناعاته، ومن دون إكراهات مباشرة وغير مباشرة، ومن دون تمييز بين التونسيين والأجانب".
هذه النقاط يشير إليها رئيس جمعية "المفكرون الأحرار" حاتم الإمام، في حديثه إلى "العربي الجديد". ويضيف أنّ وزارة الداخلية بعدما منحت ترخيصاً للوقفة الاحتجاجية "مش بالسيف" بتاريخ 18 مايو/ أيار الجاري، طالبتهم بإلغاء الوقفة لدواعٍ أمنية كما قالت "لكننا تمسكنا بحقنا الذي نطالب به منذ أكثر من 3 سنوات، وهو إلغاء منشور سنة 1981 الذي يجبر أصحاب المقاهي على إغلاق محلاتهم طوال هذا الشهر، لأنّ المنشور متعارض مع جوهر دستور ما بعد الثورة".
مقاهٍ سرية
جرت العادة في تونس خلال شهر رمضان من كلّ عام، أن تتجاوز بعض المقاهي ذلك المنشور لتفتح أبوابها لغير الصائمين بصفة سرية. تكون الواجهة الزجاجية لأغلبها مغطاة بالجرائد لحجب الأنظار عما يحصل داخلها. ولتسهيل وصول المفطرين إليها، أنشأ العديد من الشباب عشرات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسميات عدّة لتسهيل عملية إيجاد المقاهي المفتوحة. يتعمّد هؤلاء نشر صورهم في بعض تلك المقاهي خلال شهر رمضان، بالرغم مما يتعرضون له من شتائم يومياً من معارضي ذلك.
اقــرأ أيضاً
تكررت حالات الاعتداء على بعضهم سواء من قبل مواطنين عاديين رافضين لإفطار البعض، أو من قبل بعض دعاة الدين مثل، عادل العلمي، الذي دأب كلّ شهر رمضان على التجول في العاصمة واقتحام بعض تلك المقاهي لمحاولة منعهم من الإفطار، الأمر الذي تسبب في مشاحنات. كذلك، أصدرت محكمة بنزرت العام الماضي حكماً قضائياً بالسجن لمدة شهر في حق أربعة أشخاص بدعوى المجاهرة بالإفطار في شهر رمضان.
يساند عدد كبير من الشباب الحملة لقناعة منهم بأنّ الأمر يندرج ضمن الحريات الفردية، ويسهّل عليهم ممارسة حرّيتهم في الإفطار من دون تضييقات أو اعتداءات. تقول أسرار بن جويرة، إحدى مساندات الحملة لـ"العربي الجديد" إنّ "الحملة هي بادرة طيبة لإثارة النقاش حول حرية الضمير والمعتقد وكذلك حول منشور 1981، خصوصاً أنّ الدستور التونسي الذي جرى إقراره عام 2014 ينصّ في فصله السادس على أنّ الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة ونأيها عن التوظيف الحزبي". لكنّ واقع الممارسات وتطبيق منشور 1981 يثبت أنّ ما جاء في الدستور ما زال حبراً على ورق، إذ تتعدد الأمثلة على الانتهاكات كإغلاق بعض المقاهي في العاصمة أو توقيف بعض المفطرين كما في العام الماضي. لذلك، تقول بن جويرة، إنّ من الواجب إلغاء المنشور لتتوافق القوانين مع ما جاء به الدستور. تضيف: "بالرغم من رشد التونسي إلا أنّ الدولة ما زالت تعتبره قاصراً، وتلزمه بالصوم أو بممارسة عقيدة معينة تختارها الدولة. حتى حق اعتناق أي دين أو التخلي عن الأديان هو حق شخصي وحرية فردية، ولا يمكن للدولة أن تفرض ممارسات معينة على الشعب بذريعة أنّ المفطرين أقلية، خصوصاً أنّ الدول التي تحترم شعوبها وتحترم الحقوق الكونية للإنسان، هي دول تحترم أقلياتها قبل الأغلبية".
من جهته، يطالب حمزة (30 عاماً) اللاديني، هو الآخر بحقه في احتساء القهوة صباحاً في أحد المقاهي في أيام رمضان من دون الاضطرار إلى التخفي عن أعين الناس. يضيف لـ"العربي الجديد": "قد نكون في مجتمع أغلبيته مسلمة لكنّ ذلك لا يعني طمس حقيقة وجود آلاف من التونسيين اللادينيين والمسيحيين واليهود والبهائيين وغيرهم، وإجبارهم على تغيير نمط حياتهم خلال شهر رمضان، بحجة احترام شعائر الأغلبية المسلمة وعدم استفزازهم. فأنا أطالب فقط بحقي ولست أستفز أيّ أحد كان". يواصل: "صحيح أننا نقول إنّ الإسلام هو دين الدولة لكنّه ليس دين كلّ التونسيين، ونحن في الأساس نعيش في دولة مدنية دستورها يضمن الحقوق والحريات وأنا حرّ في الإفطار جهراً من دون البحث عن المقاهي السرية كاللصوص".
استفزاز
لقيت الحملة مساندة كبيرة من ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، مارسوا خلال مطالبتهم بحقهم في الإفطار علناً، أنواعاً مختلفة من الشتم والاستهزاء بالدين. وهو ما أثار استفزاز الطرف الآخر الذي يرى أنّ المجاهرة بالإفطار والمطالبة بفتح المقاهي والمطاعم في رمضان هي "مجرّد أفعال صادرة عن أقلية طائشة، تستفز الأغلبية المؤمنة المسلمة" بحسب محمد الشرفي (29 عاماً). يضيف أنّ "لكلّ شخص طبعاً حريته في أن يصوم أو يفطر، لكن لا يجب أن يستفز إفطاره الصائمين، وأن يستهزأ بديننا وقرآننا، ويطالب بحقه في الإفطار علناً، فله أن يفعل ذلك في بيته أو في بعض المقاهي السرية".
الشيخ البدري بن منور المدني (خطيب وإمام جامع) يبيّن لـ"العربي الجديد" من جهته، أنّه يحلل المسألة من الجانب الأخلاقي أكثر من الجانب الديني "أنا أدعوا إلى عدم المجاهرة من منطلق أخلاقي، لأنّ فيه احتراماً لأغلبية معيّنة. لذا من يريد أن يفطر فلسنا آلهة لنحاسب من أفطر ومن لم يفطر. لنترك الناس أحراراً لأننا في الأصل حتى على المستوى الديني ليست لدينا الصيغة الإلزامية. والدين لم يلزم الناس بالإيمان لذا فهو لن يلزم الناس بالصوم ولا ببقية العبادات. الشباب المطالبون بالحرية في الإفطار لا يطالبون بالمسألة من منطلق ديني، بل من منطلق قانوني، وإذا جرى الاتفاق على تعديل القانون وفتح المقاهي فلنغير القانون لا الشرع، فالشرع كفل للناس الحرية. لكن يمكن الحديث مع هؤلاء الشباب بشكل توعوي باللين والكلمة الطيبة، والتحدّث عن فوائد الصوم، وعن أضرار المجاهرة بالإفطار للناس. وهنا لا نتحدث عن الدين بقدر ما نتحدّث عن أخلاقيات، أي نوع من اللياقة لاحترام الأغلبية. ومن أراد أن يفطر فله ذلك ونحن لا نحاسب الناس فالله هو من يحاسب".
من جهته، يشير محمد الهمامي (29 عاماً) إلى أنّه ليس ضد الحريات الفردية ومن أراد الإفطار له ذلك، لأنّه قد يكون غير مسلم أو لادينيا في الأساس. لكنّ على هؤلاء كما يقول "ألا يجاهروا علناً بإفطارهم أو يطالبوا بفتح المقاهي فهذا أمر مرفوض ونحن نساند قرار وزارة الداخلية بتطبيق منشور 1981. لكن ما جرت ملاحظته خلال السنوات الأخيرة أنّ وتيرة الاحتجاجات في ارتفاع متزايد عن كلّ سنة وهو ما قد يدفع فعلاً إلى النظر في المنشور وإلغائه، الأمر الذي يرفضه طبعاً أغلب التونسيين". يضيف: "أنا وعدد من الشباب ممن تناقشنا في المسألة نرى ضرورة التعبير علناً عن موقفنا أيضاً الرافض للمجاهرة بالإفطار، وتنظيم وقفة احتجاجية أيضاً أمام البرلمان نطالب فيها باحترام ديننا وشعائرنا وعدم فرض نمط الأقلية في دولة مسلمة. ما دفعنا إلى التفكير في تنظيم وقفة احتجاجية هو مساندة عدد كبير من النواب لمسألة الإفطار في رمضان".
مخالف للدستور
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أصدرت من جهتها بياناً عبّرت فيه عن قلقها من عودة الجدل حول حرية المعتقد بانتظام بالتزامن مع المناسبات الدينية الكبرى، بالرغم من الخطوات الجادّة التي قطعتها البلاد نحو إرساء نظام ديمقراطي. وأكدت في نص البيان أنّ "مبدأ الحرية هو الأساس في دولة القانون، والمحافظة عليها ضمان للمساواة بين جميع المواطنين، مع التذكير بالمعاناة التي لحقت العشرات من التونسيين في زمن الاستبداد بسبب نزعة النظام السابق في فرض تصوّر محدّد لممارسة الشعائر الدينية".
كذلك، نددت الرابطة بتصريحات وزير الداخلية "التي تشرّع للانتهاك المادي لحرية الضمير وتقسم التونسيين على أساس المعتقد، وتعتبر ذلك مناقضاً لروح دستور 2014 لا سيما الفصول 06 و21 و49". وذكّرت بأنّ "دور وزارة الداخلية الأساس هو حماية جميع المواطنين من دون استثناء، والمشرفين عليها ليسوا مؤهلين لتأويل الحقوق والحريات انطلاقاً من قناعاتهم الشخصية أو السياسية. والمنشور المتعلق بفتح الفضاءات العمومية لسنة 1981 لا يرتقي إلى مستوى القانون فضلاً عن الدستور الذي يتمتع بالارتقاء فوق كلّ القوانين والاتفاقيات الدولية" وفق نص البيان.
يذكر أنّ المسألة أثيرت كذلك من قبل النائب، هاجر بالشيخ أحمد، بعدما وجهت سؤالاً كتابياً إلى وزير الداخلية، لطفي براهم، حول عدم إلغاء المنشور الصادر منذ 1981 المتعلق بإغلاق المقاهي في شهر رمضان. وفي رده الذي نشر على موقع مجلس النواب، ذكر براهم أنّ "الصوم شعيرة هامة عند أغلب المواطنين، ويمكن أن تسبب المجاهرة بفتح المقاهي وعدم ضبط شروط لفتحها، استفزازاً لمشاعر العديد منهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل عنيفة تؤثر على الأمن العام".
"تلاهاو بلي كلاو البلاد وما تتلهاوش بلي كلاو في رمضان" (اهتموا بمن أكل البلاد ولا تهتموا بمن أفطر في رمضان)، و"العلمانية ضرورة حضارية"، و"الحريات الفردية حق مش مزية"، و"حرية حرية في دولة مدنية"... تلك هي بعض الشعارات التي رفعها عدد من الشباب التونسي منذ يومين خلال وقفة احتجاجية للمطالبة بالحق في عدم الصوم. اجتمعوا حاملين معهم بعض قوارير المياه والأكل، ومدخنين السجائر علناً للتأكيد على حقهم في المجاهرة بالإفطار من دون خوف.
هذا المطلب ليس بالجديد، والجدل الذي طرحه أيضاً لم يطرح للمرّة الأولى، لكنّه طرح هذه المرّة بشكل أكثر حدّة، خصوصاً أنّ هؤلاء الشباب نظموا حملة بعنوان "مش بالسيف" للمطالبة بحقهم بالإفطار علناً وبفتح المقاهي والمطاعم طوال شهر رمضان. وقد نظمت الوقفة الاحتجاجية من قبل ناشطي جمعية "المفكرون الأحرار" من أجل تكريس الحريات الفردية ومناهضة إجراءات إغلاق المقاهي والمطاعم في نهار رمضان، وذلك للسنة الثانية على التوالي. يؤكد منظمو الحملة على حقهم في فتح كلّ المقاهي والمطاعم، والأكل والشرب في الطريق العام كحرية شخصية، وعلى أنّ العلمانية هي الحلّ للتعايش مع الجميع.
وقّع أكثر من 2500 مواطن على عريضة أكدوا فيها على حرية التونسيين في الصوم أو الإفطار في رمضان. عبر هؤلاء عن "رفضهم المطلق لكلّ أشكال الضغط أو الاعتداء أو الحد من ممارسة تلك الحرية الأساسية، باعتبار احترام حرية المعتقد هو الضمان الأساسي الذي يمكّن التونسيين والتونسيات من العيش المشترك على اختلاف معتقداتهم وقناعاتهم وممارساتهم الدينية وغيرها". كذلك، أكدوا على "ضرورة إزالة كلّ العوائق من إجراءات وضغوط وترتيبات إدارية وممارسات تخص فتح وعمل المقاهي والمطاعم، وتجنب كلّ ما من شأنه المس بحرية المواطن في تعاطيه مع شهر رمضان بحسب قناعاته، ومن دون إكراهات مباشرة وغير مباشرة، ومن دون تمييز بين التونسيين والأجانب".
هذه النقاط يشير إليها رئيس جمعية "المفكرون الأحرار" حاتم الإمام، في حديثه إلى "العربي الجديد". ويضيف أنّ وزارة الداخلية بعدما منحت ترخيصاً للوقفة الاحتجاجية "مش بالسيف" بتاريخ 18 مايو/ أيار الجاري، طالبتهم بإلغاء الوقفة لدواعٍ أمنية كما قالت "لكننا تمسكنا بحقنا الذي نطالب به منذ أكثر من 3 سنوات، وهو إلغاء منشور سنة 1981 الذي يجبر أصحاب المقاهي على إغلاق محلاتهم طوال هذا الشهر، لأنّ المنشور متعارض مع جوهر دستور ما بعد الثورة".
مقاهٍ سرية
جرت العادة في تونس خلال شهر رمضان من كلّ عام، أن تتجاوز بعض المقاهي ذلك المنشور لتفتح أبوابها لغير الصائمين بصفة سرية. تكون الواجهة الزجاجية لأغلبها مغطاة بالجرائد لحجب الأنظار عما يحصل داخلها. ولتسهيل وصول المفطرين إليها، أنشأ العديد من الشباب عشرات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسميات عدّة لتسهيل عملية إيجاد المقاهي المفتوحة. يتعمّد هؤلاء نشر صورهم في بعض تلك المقاهي خلال شهر رمضان، بالرغم مما يتعرضون له من شتائم يومياً من معارضي ذلك.
تكررت حالات الاعتداء على بعضهم سواء من قبل مواطنين عاديين رافضين لإفطار البعض، أو من قبل بعض دعاة الدين مثل، عادل العلمي، الذي دأب كلّ شهر رمضان على التجول في العاصمة واقتحام بعض تلك المقاهي لمحاولة منعهم من الإفطار، الأمر الذي تسبب في مشاحنات. كذلك، أصدرت محكمة بنزرت العام الماضي حكماً قضائياً بالسجن لمدة شهر في حق أربعة أشخاص بدعوى المجاهرة بالإفطار في شهر رمضان.
يساند عدد كبير من الشباب الحملة لقناعة منهم بأنّ الأمر يندرج ضمن الحريات الفردية، ويسهّل عليهم ممارسة حرّيتهم في الإفطار من دون تضييقات أو اعتداءات. تقول أسرار بن جويرة، إحدى مساندات الحملة لـ"العربي الجديد" إنّ "الحملة هي بادرة طيبة لإثارة النقاش حول حرية الضمير والمعتقد وكذلك حول منشور 1981، خصوصاً أنّ الدستور التونسي الذي جرى إقراره عام 2014 ينصّ في فصله السادس على أنّ الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة ونأيها عن التوظيف الحزبي". لكنّ واقع الممارسات وتطبيق منشور 1981 يثبت أنّ ما جاء في الدستور ما زال حبراً على ورق، إذ تتعدد الأمثلة على الانتهاكات كإغلاق بعض المقاهي في العاصمة أو توقيف بعض المفطرين كما في العام الماضي. لذلك، تقول بن جويرة، إنّ من الواجب إلغاء المنشور لتتوافق القوانين مع ما جاء به الدستور. تضيف: "بالرغم من رشد التونسي إلا أنّ الدولة ما زالت تعتبره قاصراً، وتلزمه بالصوم أو بممارسة عقيدة معينة تختارها الدولة. حتى حق اعتناق أي دين أو التخلي عن الأديان هو حق شخصي وحرية فردية، ولا يمكن للدولة أن تفرض ممارسات معينة على الشعب بذريعة أنّ المفطرين أقلية، خصوصاً أنّ الدول التي تحترم شعوبها وتحترم الحقوق الكونية للإنسان، هي دول تحترم أقلياتها قبل الأغلبية".
من جهته، يطالب حمزة (30 عاماً) اللاديني، هو الآخر بحقه في احتساء القهوة صباحاً في أحد المقاهي في أيام رمضان من دون الاضطرار إلى التخفي عن أعين الناس. يضيف لـ"العربي الجديد": "قد نكون في مجتمع أغلبيته مسلمة لكنّ ذلك لا يعني طمس حقيقة وجود آلاف من التونسيين اللادينيين والمسيحيين واليهود والبهائيين وغيرهم، وإجبارهم على تغيير نمط حياتهم خلال شهر رمضان، بحجة احترام شعائر الأغلبية المسلمة وعدم استفزازهم. فأنا أطالب فقط بحقي ولست أستفز أيّ أحد كان". يواصل: "صحيح أننا نقول إنّ الإسلام هو دين الدولة لكنّه ليس دين كلّ التونسيين، ونحن في الأساس نعيش في دولة مدنية دستورها يضمن الحقوق والحريات وأنا حرّ في الإفطار جهراً من دون البحث عن المقاهي السرية كاللصوص".
استفزاز
لقيت الحملة مساندة كبيرة من ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، مارسوا خلال مطالبتهم بحقهم في الإفطار علناً، أنواعاً مختلفة من الشتم والاستهزاء بالدين. وهو ما أثار استفزاز الطرف الآخر الذي يرى أنّ المجاهرة بالإفطار والمطالبة بفتح المقاهي والمطاعم في رمضان هي "مجرّد أفعال صادرة عن أقلية طائشة، تستفز الأغلبية المؤمنة المسلمة" بحسب محمد الشرفي (29 عاماً). يضيف أنّ "لكلّ شخص طبعاً حريته في أن يصوم أو يفطر، لكن لا يجب أن يستفز إفطاره الصائمين، وأن يستهزأ بديننا وقرآننا، ويطالب بحقه في الإفطار علناً، فله أن يفعل ذلك في بيته أو في بعض المقاهي السرية".
الشيخ البدري بن منور المدني (خطيب وإمام جامع) يبيّن لـ"العربي الجديد" من جهته، أنّه يحلل المسألة من الجانب الأخلاقي أكثر من الجانب الديني "أنا أدعوا إلى عدم المجاهرة من منطلق أخلاقي، لأنّ فيه احتراماً لأغلبية معيّنة. لذا من يريد أن يفطر فلسنا آلهة لنحاسب من أفطر ومن لم يفطر. لنترك الناس أحراراً لأننا في الأصل حتى على المستوى الديني ليست لدينا الصيغة الإلزامية. والدين لم يلزم الناس بالإيمان لذا فهو لن يلزم الناس بالصوم ولا ببقية العبادات. الشباب المطالبون بالحرية في الإفطار لا يطالبون بالمسألة من منطلق ديني، بل من منطلق قانوني، وإذا جرى الاتفاق على تعديل القانون وفتح المقاهي فلنغير القانون لا الشرع، فالشرع كفل للناس الحرية. لكن يمكن الحديث مع هؤلاء الشباب بشكل توعوي باللين والكلمة الطيبة، والتحدّث عن فوائد الصوم، وعن أضرار المجاهرة بالإفطار للناس. وهنا لا نتحدث عن الدين بقدر ما نتحدّث عن أخلاقيات، أي نوع من اللياقة لاحترام الأغلبية. ومن أراد أن يفطر فله ذلك ونحن لا نحاسب الناس فالله هو من يحاسب".
من جهته، يشير محمد الهمامي (29 عاماً) إلى أنّه ليس ضد الحريات الفردية ومن أراد الإفطار له ذلك، لأنّه قد يكون غير مسلم أو لادينيا في الأساس. لكنّ على هؤلاء كما يقول "ألا يجاهروا علناً بإفطارهم أو يطالبوا بفتح المقاهي فهذا أمر مرفوض ونحن نساند قرار وزارة الداخلية بتطبيق منشور 1981. لكن ما جرت ملاحظته خلال السنوات الأخيرة أنّ وتيرة الاحتجاجات في ارتفاع متزايد عن كلّ سنة وهو ما قد يدفع فعلاً إلى النظر في المنشور وإلغائه، الأمر الذي يرفضه طبعاً أغلب التونسيين". يضيف: "أنا وعدد من الشباب ممن تناقشنا في المسألة نرى ضرورة التعبير علناً عن موقفنا أيضاً الرافض للمجاهرة بالإفطار، وتنظيم وقفة احتجاجية أيضاً أمام البرلمان نطالب فيها باحترام ديننا وشعائرنا وعدم فرض نمط الأقلية في دولة مسلمة. ما دفعنا إلى التفكير في تنظيم وقفة احتجاجية هو مساندة عدد كبير من النواب لمسألة الإفطار في رمضان".
مخالف للدستور
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أصدرت من جهتها بياناً عبّرت فيه عن قلقها من عودة الجدل حول حرية المعتقد بانتظام بالتزامن مع المناسبات الدينية الكبرى، بالرغم من الخطوات الجادّة التي قطعتها البلاد نحو إرساء نظام ديمقراطي. وأكدت في نص البيان أنّ "مبدأ الحرية هو الأساس في دولة القانون، والمحافظة عليها ضمان للمساواة بين جميع المواطنين، مع التذكير بالمعاناة التي لحقت العشرات من التونسيين في زمن الاستبداد بسبب نزعة النظام السابق في فرض تصوّر محدّد لممارسة الشعائر الدينية".
كذلك، نددت الرابطة بتصريحات وزير الداخلية "التي تشرّع للانتهاك المادي لحرية الضمير وتقسم التونسيين على أساس المعتقد، وتعتبر ذلك مناقضاً لروح دستور 2014 لا سيما الفصول 06 و21 و49". وذكّرت بأنّ "دور وزارة الداخلية الأساس هو حماية جميع المواطنين من دون استثناء، والمشرفين عليها ليسوا مؤهلين لتأويل الحقوق والحريات انطلاقاً من قناعاتهم الشخصية أو السياسية. والمنشور المتعلق بفتح الفضاءات العمومية لسنة 1981 لا يرتقي إلى مستوى القانون فضلاً عن الدستور الذي يتمتع بالارتقاء فوق كلّ القوانين والاتفاقيات الدولية" وفق نص البيان.
يذكر أنّ المسألة أثيرت كذلك من قبل النائب، هاجر بالشيخ أحمد، بعدما وجهت سؤالاً كتابياً إلى وزير الداخلية، لطفي براهم، حول عدم إلغاء المنشور الصادر منذ 1981 المتعلق بإغلاق المقاهي في شهر رمضان. وفي رده الذي نشر على موقع مجلس النواب، ذكر براهم أنّ "الصوم شعيرة هامة عند أغلب المواطنين، ويمكن أن تسبب المجاهرة بفتح المقاهي وعدم ضبط شروط لفتحها، استفزازاً لمشاعر العديد منهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل عنيفة تؤثر على الأمن العام".