حيل "الشحّاتين" في شوارع القاهرة

18 مايو 2018
يستريح ويحسب ما بقي معه من مناديل (Getty)
+ الخط -


المتجوّل في القاهرة، لا بدّ من أنّه سوف يلاحظ كلّ هؤلاء "الشحّاتين" الذين يحتلّون المساحة العامة. قبل أيام من شهر رمضان، بدأ هؤلاء يتكاثرون، ولم يعد شارع يخلو من عشرات النساء والأطفال والرجال الذين يتسوّلون. ولعلّ اللافت هو انخراط الرجال في هذا النشاط، بعدما كان في وقت سابق مقتصراً على النساء والأطفال. وهؤلاء الرجال يغتنمون شهر الصوم لجمع المال، إذ يعدّونه مصدراً أساسياً لرزقهم، مستغلين الروحانيات الرمضانية وإقبال المواطنين على العبادات بأنواعها، بما فيها الصدقة.

ويتمركز المتسوّلون أمام أبواب المساجد التي راحت تكتظ بالمصلين مع بداية رمضان، في حين أنّ عدداً من مساجد القاهرة علّق على جدرانه لافتات "ممنوع التسوّل داخل المسجد"، إذ إنّ كثيرين يعبّرون عن انزعاجهم من التسوّل في أوقات الصلاة. كذلك، يتوزّع المتسوّلون في الشوارع العامة ومحطات المترو وعرباته ومحطة سكة الحديد وفي وسائل المواصلات العامة الأخرى وفي مواقف السيارات وعند شارات المرور وأمام المستشفيات والعيادات الطبية وفي الأسواق العامة.

والمتسوّل مجهّز دائماً بعبارات الاستعطاف التي تهزّ القلوب، وقد يصل الأمر أحياناً إلى حدّ البكاء. وما يرويه هؤلاء المتسوّلون حول ظروفهم المعيشية الصعبة التي دفعتهم إلى التسوّل على حدّ قولهم، قد يصلح أحياناً لكتابة قصة عمل درامي. أحياناً، قد يظهر المتسوّل إصابة يعاني منها أو تشوّهاً أو عاهة، في محاولة لإجبار الناس على التبرّع له بالنقود، قبل أن يمطرهم بوابل من الأدعية. وقد يلجأ المتسوّلون كذلك إلى حمل أطفال رضّع، أو إلى وضع ضمادات طبية على مناطق مختلفة من أجسامهم وادّعاء المرض، أو إلى دفع طفل أو عجوز معوّق على كرسي متحرك. كذلك قد يسرعون لتنظيف زجاج السيارات بخرق من القماش، أو يبيعون المناديل و"الأذكار". وثمّة أشخاص يحملون إفادات أو وصفات طبية، تكون بمعظمهما مزوّرة ومختومة بختم غير واضح، ويدّعون إصابتهم أو إصابة أحد أفراد عائلتهم بالمرض. وهؤلاء تجدهم في وسائل المواصلات، ويرددون عبارات حفظوها عن ظهر قلب، قبل أن يجمعوا المال من الركاب.




ولا تنتهي الخدع التي يعمد إليها المتسوّلون، فثمّة من يدّعي عدم قدرته على زواج ابنته، أو طرده من شقته لأنّه لم يتمكّن من دفع الإيجار، أو يزعم فقدان نقوده وبالتالي هو في حاجة إلى المال ليتمكّن من العودة إلى بيته في محافظة بعيدة. يُذكر أنّ المصريين صاروا يدركون عدداً كبيراً من الحيل ويرفضون دفع أيّ نقود للمتسوّل ويفضّلون مساعدة من يعرفونه فقط، خصوصاً في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّون بها.

تفيد دراسة جديدة، أعدّها المركز القومي للبحوث الاجتماعية حول التسوّل، بأنّ الظاهرة في تفاقم مستمر وزيادة سنوية، وأنّ محدودي الدخل انضموا إلى ظاهرة التسوّل في البلاد. وأعاد المركز زيادة عدد المتسوّلين إلى ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة وضيق الحال، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد حالياً، متوقعاً أن تزداد حالات السرقة والإجرام خلال الأيام المقبلة، نتيجة تدنّي النمو الاقتصادي وانتشار الفساد والاستيلاء على المال العام وغيرها من العوامل التي أدّت إلى ارتفاع نسبة الفقراء، وبالتالي زادت ظاهرة التسوّل في مختلف المحافظات المصرية حتى أصبحت من الظواهر البارزة في الشارع. وطالب المركز بضرورة إيجاد حلول جذرية وحاسمة لمكافحة هذه الظاهرة، وأوضح استناداً إلى إحصائية أنّ القاهرة تحتل المرتبة الأولى في التسوّل تليها الإسكندرية. وحذّر المركز من خطورة الخلل في البناء الاجتماعي، إذ إنّ تعدّد أساليب التسوّل وتطويرها دليلان على استمراره ونجاحه، وحثّ الحكومة على الضرب بيد من حديد لمواجهة تلك الظاهرة التي تفاقمت ومعالجة أسبابها.



من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتور إبراهيم عز الدين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "انتشار ظاهرة التسوّل في مصر بهذه الطريقة الخطيرة يكشف عن تردّي الأوضاع الاقتصادية وضعف المرتبات‏ لدى الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل. ‏فالموظف يلجأ خلال الأيام الحالية إلى الرشوة وإلى التسوّل كوظيفة مع غياب القانون". يضيف عز الدين أنّ "ظاهرة التسوّل تتحمّل مسؤوليتها الدولة، إذ إنّها ظهرت نتيجة تردي الظروف المحيطة‏ وهي تعدّ‏ تهديداً وإخلالاً بالاستقرار والأمن العام. وقد تسبّب التسوّل في ظهور ظواهر تابعة له، من قبيل التسرّب المدرسي والسرقات والقتل. كذلك، ثمّة من جعل التسوّل مهنة أملاً في الدخل المرتفع، في حين ورثها آخرون من أحد أبوَيهم".