حملت عائلات أطفال القمر شكواها إلى البرلمان التونسي، اليوم الاثنين، ملجئها الأخير، بعد أن أوصدت جميع الأبواب أمامها، ناقلة لنواب الشعب معاناة أبنائها بسبب جور المجتمع وتهميش الدولة.
باللوعة الشديدة والدموع التي لا يملك غيرها، طلب الحبيب جمعة، من منطقة البقالطة (محافظة المنستير)، والد أحد الأطفال البالغ من العمر 11 عاما، وهو من أطفال القمر (مرض جفاف الجلد المصطبغ) بتمكين ابنه من اللجوء الصحي لأي بلد أوروبي يعترف بحقوق الإنسان، بعد أن أصابه الإحباط واليأس من السلطات التونسية التي أغلقت جميع الأبواب بوجهه.
وقال جمعة إن حال ابنه تتراجع يوماً بعد يوم، وتحول مرضه الجلدي إلى سرطان خطير دفعه إلى استئصال جزء من وجهه ورأسه، بسبب رفض وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية التكفل بحالته الاستثنائية.
وأوضح لأعضاء اللجنة الخاصة بذوي الإعاقة والفئات الهشة بمجلس الشعب أن من مظاهر إقصاء وتهميش الدولة لمواطنيها أن ابني يحمل بطاقة "صاحب إعاقة" على اعتبار أن المرض الجلدي هو إعاقة جسدية، غير أن مصالح الصحة والشؤون الاجتماعية والتأمين على المرض ترفض حالته رغم البطاقة، وتمنع عنه تعويض مصاريف العلاج وأدوات الوقاية الباهظة الثمن.
واعتبر الدكتور إبراهيم ناصف، رئيس لجنة ذوي الإعاقة والفئات الهشة بالبرلمان التونسي، أن من غير المقبول عدم أداء الدولة لواجبها تجاه المواطنين، مشيرا إلى أن البرلمان سيتبنى هذه المطالب، ويبحث مع السلطة التنفيذية كيفية تجاوز الصعوبات والعراقيل، بالإضافة إلى متابعة علاج عدد من الحالات المستعصية والاستثنائية مع منظمات المجتمع المدني المتخصصة.
وروت خلود (مصابة بمرض أطفال القمر) معاناتها مع المجتمع الذي يرفض التعاطي معها كإنسان طبيعي، مشيرة إلى أن هناك من يتفادى الاقتراب منها أو مصافحتها.
وتحدثت خلود عن معاناتها اليومية في أبسط معاملاتها، وتفاديها للإصابة بأشعة الشمس أو أضواء الفوانيس ما يمثل عبئا نفسيا كبيرا ومعاناة مستمرة.
وقال كاتب عام جمعية أطفال القمر في تونس، خالد القربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن عدد أطفال القمر في تونس يتجاوز الألف حالة، وينتشر خصوصاً في المناطق الداخلية في الشمال والوسط الغربي للبلاد.
وبيّن أنه خلافا لما يظنه أكثر التونسيين بأن هذا المرض معد، فالحقيقة أنه مرض وراثي يظهر أساسا من زواج الأقارب ويتسبب للمريض بحساسية مفرطة في بشرته وجلده عند التعرض للأشعة ما فوق البنفسجية، سواء كان مصدرها الشمس أو أنواع معينة من مصابيح الإنارة.
وذكر القربي أن غالبية المصابين في تونس ينتمون لعائلات فقيرة وفئات هشة غير قادرة على تأمين مصاريف العلاج الباهظة التي تصل إلى 5000 دينار (نحو 2000 دولار أميركي)، ما يتسبب في مضاعفات ربما تتطور إلى إصابات بسرطان الجلد، وتتعمق التشوهات في ملامح الوجه وفي الأنف والأذن والفم. وقال: "تعجز العائلات عن توفير مستلزمات الوقاية وبالخصوص القناع والنظارات الخاصة التي يجب تغييرها كل سنتين على الأقل".
وأضاف أن السلطات التونسية ترفض التكفل بعلاج هذه الحالات، كما يمتنع صندوق التأمين والتعويض على المرض التكفل بمصاريف هؤلاء الأطفال بحجة أن حالتهم لا تندرج في تصنيف الأمراض المزمنة التي يتكفل الصندوق بتغطيتها.