تعداد سكاني... المهاجرون قلقون في الولايات المتحدة

06 ابريل 2018
مجموع سكان البلاد يصل إلى 323 مليون نسمة(ماريو تاما/Getty)
+ الخط -

يشعر كثيرون بالقلق من القرار الصادر عن إدارة ترامب والقاضي بإضافة سؤال عن أصول الأميركيين الذين سوف يشملهم التعداد السكاني المقبل.

أثار إعلان الإدارة الأميركية  نيّتها إضافة سؤال جديد إلى استمارة التعداد السكاني، حفيظة عدد كبير من الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان وكذلك السياسيين في ولايات عدّة، خصوصاً من الحزب الديمقراطي. والسؤال الجديد هو إذا كان الشخص الذي يخضع للاستفتاء مواطناً أميركياً أم لا.

ورفعت أكثر من 13 ولاية دعاوى قضائية مرتبطة بالموضوع، إذ إنّ لطرح مثل هذا السؤال تبعات وعواقب خطيرة على مستويات عدّة، مثلما يحذّر خبراء ومختصون. فهؤلاء يخشون من أن تؤدّي إضافة هذا السؤال إلى عدول مهاجرين كثيرين عن الإجابة والمشاركة في التعداد. وتصل نسبة المهاجرين في الولايات المتحدة الأميركية، غير المواطنين، إلى نحو 13 في المائة، أي أكثر من 43 مليون شخص من مجموع سكان البلاد الذي يصل إلى 323 مليون نسمة، بحسب بيانات مكتب سياسات الهجرة الفدرالي. بالإضافة إلى 43 مليون مهاجر، ثمّة مهاجرون يعيشون في الولايات المتحدة من دون وثائق رسمية، ويصل عددهم بحسب تقديرات عدّة إلى نحو 11 مليون شخص.

منذ عام 1790، تجري الولايات المتحدة التعداد السكاني الشامل مرّة كل عشرة أعوام. فالدستور الأميركي ينصّ على ضرورة إجراء ذلك التعداد الذي يُعَدّ مهماً لأسباب عدّة، من بينها تقديم الخدمات اللازمة والكافية لكل المناطق وتوزيع وتخصيص الميزانيات للصحة والتعليم والتنمية بنسب ملائمة بحسب عدد السكان وأوضاعهم المادية والموارد البشرية والموارد الطبيعية وغيرها من الأمور الضرورية والأساسية لتنظيم العلاقة بين الدولة ومؤسساتها وبين السكان. ويجري ذلك في العادة مع الأخذ بعين الاعتبار جميع المقيمين وليس المواطنين فحسب، إذ إنّ الجميع يدفع الضرائب، وهذا يشمل نسبة من المهاجرين من دون وثائق رسمية. فالجميع يستخدمون الطرقات والمدارس والمواصلات العامة والجسور والحدائق، ويجب أن تجري صيانتها وتجهيزها، مع الأخذ في عين الاعتبار عدد السكان الذين تُقدَّم لهم هذه الخدمات. وهذا ممكن من خلال التعداد السكاني الذي يتيح للحكومة الفدرالية إعادة توزيع الميزانيات بحسب التحوّلات والحاجات.






وتتّضح أهمية الأمر إذ إنّنا نتحدث عن ميزانية عامة تصل إلى 675 مليار دولار أميركي سنوياً، وإعادة توزيعها تعتمد بشكل رئيسي على التعداد السكاني. لكنّ الأمر لا يقتصر على الميزانية فحسب بل يشمل التمثيل الانتخابي، إذ إنّ توزيع أعضاء مجلس النواب الأميركي يأتي بحسب نتائج التعداد ليؤمّن تمثيلاً أكثر ديمقراطية، فهو لا يعتمد على المواطنين فقط بل على عدد السكان عموماً. فالتعداد يحدد عدد سكان الولاية وليس عدد المواطنين، وكذلك عدد المقاعد لكل ولاية في مجلس النواب حتى ولو أنّ الناخبين من المواطنين فقط. بالتالي، فإنّه من الضروري أن يكون التعداد السكاني لكل المقيمين في البلاد من دون الالتفات إلى وثائقهم الرسمية. وفي حالة الولايات المتحدة مع تاريخها وصراعاتها وتعاملها مع الأقليات، يصير الأمر أكثر تعقيداً وحساسية.

وتزداد الأمور تعقيداً عندما تكون الإدارة التي تقترح إضافة سؤال المواطنة هي إدارة دونالد ترامب المعروفة بسياساتها وممارساتها العنصرية الرامية إلى ترحيل المهاجرين الذين لا يملكون وثائق رسمية وإلى قمع وتخويف هؤلاء المقيمين بشكل قانوني. في السياق، يشرح جوزف سلفو من مكتب الإحصاءات والتنمية السكانية في مدينة نيويورك أنّ "إضافة هذا السؤال سوف تزيد من رعب كثيرين من هؤلاء الذين لا يثقون بإدارة ترامب، ولن يهدّئ من روعهم القول إنّه سوف يمنع استخدام أيّ من المعلومات الشخصية في الاستمارة مهما كان نوعها من قبل أيّ من المحاكم أو المكاتب الحكومية الأخرى". وهنا تجدر الإشارة إلى سوء استغلال إدارة ترامب للمعلومات الشخصية والسرية ضدّ المهاجرين الذين لا يملكون وثائق رسمية في الولايات المتحدة والذين وثقوا بوعود الحكومة الأميركية وعمدوا إلى تسجيل أنفسهم رسمياً لدى السلطات من أجل تسوية أوضاعهم القانونية. وهؤلاء اكتشفوا أنّ المعلومات التي تخصهم استخدمت من قبل مؤسسة حكومية أخرى لترحيلهم وملاحقتهم.

من جهتها، تشير المديرة التنفيذية للمعهد العربي الأميركي في واشنطن، مايا بيري، إلى أنّ "قرار إدارة ترامب المضي قدماً وإدراج قضية المواطنة في التعداد يعني أنّ ترامب وإدارته اختارا تسييس التعداد الذي ينصّ عليه الدستور. ومن شأن هذا القرار أن يردع كثيرين، خصوصاً المهاجرين أو المتحدرين من أصول مهاجرة الذين يخشون من أهداف استخدام معلوماتهم ولا يثقون في الحكومة. وهي مخاوف مشروعة في ظل ما نشهده حالياً". وتصف بيري خطوات عدّة كانت قد اتخذتها إدارة ترامب بأنّها "عائق جدي وإضافي أمام تعداد نزيه وشامل. ومن بين تلك الخطوات أنّ تلك الإدارة لم تملأ حتى الآن الشغور في عدد كبير من المراكز القيادية في مكتب الإحصاءات بمرشحين أو مرشحين مؤهلين. كذلك، عمدت إلى تخفيض ميزانية المكتب وتسريح موظفين منه، في الوقت الذي يستعدّ فيه المكتب لإجراء تعداد عام 2020".





وتعتمد مؤسسات حكومية واقتصادية عدّة وكذلك مؤسسات غير حكومية على نتائج التعداد السكاني، خصوصاً ما يتعلّق بالتفاصيل والأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالدخل ومستوى التعليم والخلفية العرقية أو الإثنية. ويُعتمد على نتائج التعداد في دراسات أكاديمية وبحوث لتقييم نتائج سياسات أو وضع سياسات جديدة لتلك المؤسسات من أجل تقديم خدمات أفضل أو تقييم السياسات ونتائجها على النموّ الاقتصادي والأوضاع الاجتماعية، بالإضافة إلى إجراء مقارنة لأوضاع فئات معيّنة ومدى إحراز تقدّم أو عدمه.

ويرى سلفو أنّ "الحل لا يمكن أن يكون في عدم المشاركة في التعداد، لأنّ ذلك يعني في حال قام به عدد كبير من السكان، انخفاضاً في التمثيل للكونغرس وتخفيضاً للميزانيات المخصصة للولايات والمدن والضرورية من أجل تنمية أفضل". ويثير المعهد العربي الأميركي في هذا الإطار نقطة مهمة تتعلق بـ"العرق" و"الإثنية" في التعداد. وكان المعهد قد قاد منذ أكثر من عقدَين حملة يطالب من خلالها بإضافة فئة "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" إلى الإثنية والعرق، فيصار بشكل أفضل تعداد العرب الأميركيين أو المتحدرين من دول عربية.




وكان المعهد قد قدّم طلباً في هذا الشأن، لكنّ مكتب الإحصاءات رفض الطلب إذ عدّ أهل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من "البيض"، على الرغم من أنّهم ليسوا من القارة الأوروبية. ويعود إدراج أهل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من ضمن فئة "البيض" لأسباب تاريخية ولقوانين عدّة متعلقة بالتجنيس والهجرة في الولايات المتحدة تعود إلى عام 1790 وقد استمر العمل بها حتى عام 1965. يُذكر أنّ الحصول على الجنسية الأميركية حتى بداية القرن الماضي مقتصر في الغالب، مع استثناءات، على "البيض الأحرار".

فئة خاصة بالعرب الأميركيين
ترغب مؤسسات عدّة، إلى جانب كثيرين من العرب الأميركيين، في أن تشمل استمارة التعداد السكاني فئة خاصة بهم، ليس فقط لأنّ ذلك يتيح لهم إمكانيات تمثيل أفضل، بل لأنّه يساعد على أخذ قوتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعين الاعتبار، بالإضافة إلى تقديم خدمات أوسع لهم تراعي احتياجاتهم الخاصة.
المساهمون