فوضى في المجتمع المغربي

01 مايو 2018
يلعبون على أحد الأرصفة (فاليري شاريفولين/ Getty)
+ الخط -

ينتشر الكثير من مظاهر الفوضى في شوارع المغرب، كالأزقة والحافلات والملاعب والمدارس والمساجد، وتنعكس على تصرفات وممارسات المواطنين. في الشوارع، تتجلى الفوضى حين يغيب شرطي المرور، وأحياناً بوجوده، وتتحوّل الطرقات إلى حلبة سباق، ويطلق السائقون أبواق سياراتهم بشكل عصبي ومتعمد، فضلاً عن توجيه الشتائم والسباب، في مشهد "سوريالي" يكاد يتكرر كل يوم.

يقول محمد بارودي، وهو سائق سيارة أجرة، لـ "العربي الجديد": "الفوضى التي أعيشها يومياً على الطريق لا يمكن تخيلها"، مضيفاً أنه "لولا وجود شرطة المرور في هذه الشوارع، لهاجم السائقون بعضهم بعضاً. المواطنون لا يحترمون قانون السير، والعصبية زائدة عن اللزوم". يتابع أن الفوضى تظهر في ما بين أصحاب السيارات على الطرقات أكثر من أي مكان آخر، بدليل كثرة الاصطدامات والمشاحنات بين السائقين، خصوصاً سيارات الأجرة". ويوضح أنّ "إطلاق أبواق السيارات نموذج مصغر عن هذه الفوضى في الطرقات".

في حافلات النقل العام، يتجلى مظهر آخر من الفوضى داخل المجتمع المغربي، خصوصاً بين الركاب عند الصعود والنزول من الحافلة، ما يؤدي إلى مشاحنات بين الركاب، عدا عن حوادث السرقة والتحرش الجنسي وغيرها من السلوكيات السلبية. في هذا السياق، يقول مجيد ألماعي، وهو مراقب تذاكر في إحدى الحافلات العامة في الرباط، لـ "العربي الجديد"، إن لحظة صعود الركاب إلى الحافلة عبارة عن فوضى عارمة، ما يؤدي إلى تدافع وتحرشات وشكاوى. يضيف أنه لا يمكن سائق الحافلة أو جابي التذاكر تنظيم الركاب الذين ينتظرون مجيء الحافلة، إذ من المفترض أن ينظّم المواطنون أنفسهم، عوضاً عن التدافع في محاولة للوصول نحو باب الحافلة. يضيف ألماعي: "في كل يوم، تحصل حوادث مؤسفة. أحياناً، عندما لا تتوقف الحافلة في المحطة بسبب امتلاء مقاعدها، يرشقها بعض الركاب، خصوصاً المراهقين، بالحجارة، في مشهد فوضوي غير مقبول".




وتمتد الفوضى إلى المساجد ومحيطها، وقد تحولت بعض بيوت الله إلى أماكن للتسول. كذلك خارج المساجد، يكثر المتسولون والباعة المتجولون الذي يعرضون بضاعتهم على عربات. ويخلق الباعة المتجولون فوضى عارمة في الشوارع والأماكن العامة، بسبب عرباتهم التي تعرقل أحياناً السير في الطرقات، علاوة على الفوضى التي تتسبب فيها المقاهي والمحلات والمطاعم بسبب احتلالها الأرصفة التي هي ملك عام. هؤلاء لا يترددون في وضع طاولات وكراسٍ في أماكن تؤدي إلى عرقلة سير المواطنين. وتشن السلطات العامة في أكثر من مدينة حملات مكثفة من أجل محاربة الفوضى الناتجة من المطاعم والمقاهي والمحال التجارية بسبب احتلالها الأرصفة، خصوصاً في الأحياء التي تشهد ازدحاماً وكثافة سكانية كبيرة. ومن حين إلى آخر، تفرض عقوبات بحق المسؤولين عن الفوضى واحتلال الملك العام.

في هذا السياق، تقول أستاذة علم الاجتماع والأنثربولوجيا في جامعة مراكش، نعيمة المدني، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن علم الاجتماع اهتم كثيراً بقضية النظام الاجتماعي، الذي يعد وسيلة يحقق من خلالها الفرد الاندماج في المجتمع، لينتقل بذلك من حالة الفوضى إلى حالة النظام.




وتتابع المدني: "عندما نتحدث عن الفوضى في بعض الفضاءات، مثل الشوارع، والملاعب، ووسائل النقل، والإدارات، فإنّ ذلك يدل على تفكك الروابط الاجتماعية بين الأفراد والجماعات، لافتة إلى أن "الروابط تضعف لأن العلاقة بين الأفراد في هذه الأماكن ليست تفاعلية بالمستوى الذي تكون به عادة داخل المؤسسات الاجتماعية التقليدية، كالأسرة". وتوضح أن هذا يؤدي إلى "عدم الانضباط، وبالتالي الفوضى. كما أن الأفراد يعتبرون الفضاء العام ومكوناته عنصراً خارجياً لا يمت إليهم بصلة. لذلك، لا يتعاملون معه كمساحة اجتماعية مشتركة ينبغي التوافق حول استعماله والحفاظ عليه".

وتلفت المدني إلى أن الفوضى تعكس وجود مشكلة ثقافية في المجتمع، كما هي الحال بالنسبة إلى التزاحم والتدافع واستخدام العنف بشتى أنواعه. تضيف أن المجتمع في إطار سعيه إلى التوازن، يلجأ إلى الاندماج الاجتماعي من خلال تعديل السلوك الفوضوي. وترى أن الحل لظاهرة الفوضى يكون من خلال إرساء عادات اجتماعية تلتزم بالنظام، نظراً إلى أن العادات الاجتماعية تستمد سلطتها من خلال التكرار والتعود.
دلالات