يزداد عدد المصابين بأمراض نفسية في مصر، على خلفية الضغوط الاقتصادية وتفاقم الأعباء المالية على الأسر. ويأتي ذلك بعدما تجاوزت نسبة الفقر في البلاد حاجز 45 في المائة، نتيجة انخفاض قيمة العملة والرقعة الزراعية، الأمر الذي أدى بالتالي إلى انخفاض معدل الصناعات وارتفاع معدل البطالة بين المصريين وتزايد التردد على العيادات والمراكز النفسية الخاصة في محافظات مصر.
تفيد نتائج المسح القومي للصحة النفسية ومعدّل انتشار الاضطرابات النفسية لعام 2018 بأنّ "سبعة في المائة من المصريين مصابون بأمراض نفسية"، في حين أنّ "24.7 في المائة من المصريين لديهم مشاكل وأعراض نفسية". وهذا ما يشير إلى أنّ ربع المصريين تقريباً في حاجة إلى مساعدة ودعم في مجال الصحة النفسية. وتحذّر رئيسة أمانة مستشفيات الصحة النفسية في وزارة الصحة المصرية الدكتورة منى عبد المقصود، من أنّ ذلك "مؤشر خطير إلى زيادة هذا النوع من الأمراض، الأعلى بين الأمراض الأخرى، لأنّ كثيرين مصابون بالإحباط".
من جهته، يقول مسؤول في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا توجد إحصائية محددة حول عدد الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية"، مشيراً إلى أنّ "العدد يتراوح ما بين 18 و20 مليون شخص، خصوصاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي تضاعف فيها هذا النوع من الأمراض". يضيف المسؤول أنّ "70 في المائة من الشباب مصابون بأمراض نفسية مختلفة، وأنّ 17 في المائة هم على وشك أن تُدرج حالاتهم على قائمة المصابين بتلك الأمراض، نتيجة ضغوط نفسية وعصبية خطيرة". ويرى أنّ "عائلات كثيرة، خصوصاً المقيمة في الأرياف والقرى، لا تعمد إلى التبليغ عن حالة ما ولا تقصد طبيباً خوفاً من الفضيحة، وتكتفي بالدجل والشعوذة في العلاج. وهذه الطريقة منتشرة بكثرة في صعيد مصر".
ويتابع المسؤول نفسه أنّ "في البلاد نحو 20 ألف عيادة نفسية، 50 في المائة منها موجودة في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية، بالإضافة إلى مصحات نفسية، فضلاً عن مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعصبية. وهو ما يؤكد زيادة هذا النوع من الأمراض". ويشير إلى أنّ "عدم توفّر الأندية ووسائل الترفيه من رياضة وغيرها بالإضافة إلى مساحات لممارسة الهوايات في المدارس، يساهم في زيادة عدد المرضى بين الشباب وتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والخريجين في القرى والأرياف".
وترتبط زيادة عدد المرضى النفسيين في مصر بزيادة حالات الانتحار، خصوصاً في أوساط الشباب. وقد سجّلت في محافظة القاهرة أعلى نسبة وقائع انتحار أو الشروع فيه (محاولات انتحار)، تلتها محافظة الإسكندرية ثمّ محافظة الجيزة ومحافظة الغربية ومحافظة أسيوط في صعيد مصر. ويعيد خبراء في علم النفس والاجتماع الأمر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشباب، وارتفاع معدلات البطالة. بالنسبة إليهم، فإنّ هذه من أبرز العوامل التي تساعد على الانتحار.
وتقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتورة سامية خضر صالح، لـ"العربي الجديد": "نحن أمام ظاهرة اجتماعية تهدد أركان المجتمع المصري. فازدياد هذا النوع من الأمراض يهدد كيان المجتمع، إذ إنّه يمسّ بعدد كبير من الشباب بسبب الظروف الاقتصادية الخطيرة الموجودة حولهم وقلة العمل وعدم قدرتهم على الزواج وتوفير المسكن". تضيف صالح أنّ "تعاطي المواد المخدّرة وبيعها يأتيان نتيجة اتجاه الشباب إلى النسيان أو الاتجار بسبب قلة المال".
في السياق، يرى أستاذ علم النفس في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتور أحمد نصر، أنّ "المصابين بأمراض نفسية هم قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع"، موضحاً أنّ "ارتفاع أسعار الأدوية الخاصة بعلاج هؤلاء وارتفاع تكاليف المصحات النفسية الخاصة والعيادات وقلة المنشآت الحكومية، كل ذلك فاقم حدة تلك الأمراض". يضيف نصر لـ"العربي الجديد"، أنّه "في ظل عدم توفّر العلاج المناسب، راحت الأسر المصرية تلجأ إلى الدجل والشعوذة لدى المشايخ بهدف إخراج الجان. وهي أفكار خاطئة لا أساس لها". ويؤكد أنّ "العلاج النفسي أمر لا يتحمل تكاليفه من يعيش تحت خط الفقر". إلى ذلك، يشير نصر إلى أنّ "أسباب الانتحار مرتبطة بالجانب النفسي والهلوسات التي تجعل المريض يائساً وتدفعه في لحظة إلى الانتحار هرباً من الحياة وهمومها".