شيخوخة بلجيكا... حاجة إلى المهاجرين رغم الحملات المناهضة

11 ابريل 2018
هل هم ضمانة مستقبل بلجيكا؟ (جوناثان را/ Getty)
+ الخط -


وسط قلق من الشيخوخة التي تتهدد أوروبا، يطلق رئيس برلمان منطقة والونيا البلجيكية اقتراحات قد يعدّها كثيرون "مثيرة للجدال" ليس في بلجيكا فحسب، إنّما في الدول الأوروبيّة عموماً. بالنسبة إليه، فإنّ الهجرة سوف تساهم في استعادة المجتمع الوالوني شبابه.

في تصريحات تُعَدّ لافتة، قال رئيس برلمان منطقة والونيا في شمال بلجيكا، أندريه أنطوان، في أواخر مارس/ آذار المنصرم، إنّ البلد في حاجة ملحة إلى استعادة شبابه من خلال رفع معدّلات المواليد وكذلك من خلال الهجرة. أتى ذلك في حين ترتفع في بلجيكا الأصوات المناهضة للمهاجرين واللاجئين.

وتحاول منطقة والونيا تقبّل شيخوخة سكانها التي لا مفرّ منها، الأمر الذي دفع حكومتها في الآونة الأخيرة إلى اعتماد نظام "التأمين الذاتي" لمساعدة كبار السنّ الذين يعانون من فقدان الإدارة الذاتية لحياتهم، والعمل على توفير آلاف من الأماكن في دور رعاية المسنّين. يُذكر أنّ الدول الأوروبية تشهد بمعظمها زيادة في متوسّط الأعمار، منذ سنوات.

وإذا كان رئيس برلمان والونيا أندريه أنطوان، وهو من الحزب المسيحي الديمقراطي، يدعم تلك السياسة، فإنّ ذلك غير كاف بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد". يضيف أنّه "عندما تحلّ الشيخوخة في قمّة هرم الأعمار، فإنّه لا مفرّ من اتخاذ ما يلزم من إجراءات، مع الإشارة إلى أنّ القلق لا يكون كبيراً عندما تكون الشيخوخة في أسفل الهرم". تجدر الإشارة إلى أنّ هرم الأعمار لم يعد "طبيعياً" في بلجيكا بسبب تزايد عدد المسنّين بصورة كبيرة، بينما لم يعد معدّل المواليد قادراً على ضمان التوزيع المتجانس للأجيال.




ويشير أنطوان إلى أنّه "في عام 1991، كان خمسة أشخاص يشتغلون في مقابل متقاعد واحد في منطقة والونيا، أمّا في عام 2070، فسوف يتراوح معدّل العاملين ما بين واحد و2.5". يضيف أنّ "التوازن بين الوفيات والولادات صار سلبياً في السنوات الأخيرة"، شارحاً أنّه "حتى عام 2014 كان المجموع لا يزال إيجابياً، لكنّه صار سلبياً في عام 2016". ولا يكتفي أنطوان بعرض المشكلة، بل يقترح حلّين، أحدهما يقوم على عكس المناخ السياسي والمجتمعي الحالي بطريقة جذرية. ويقول: "أنا أدافع عن السياسات المؤاتية لرفع معدّلات المواليد، لكنّ الهجرة هي كذلك فرصة لتجديد شباب السكان. وأنا أعلم بأنّه عبر التعبير عن هذا الموقف لا أستخدم لغة مربحة سياسياً، لكنّني أغتنم هذه الفرصة للتأكيد أنّه حان الوقت لاتخاذ خيارات ديموغرافية جيدة".

تفيد إحصاءات رسمية بأنّ الخصوبة في منطقة والونيا انخفضت لتستقرّ على نسبة 1.69 طفلاً للمرأة الواحدة، وهي نسبة خصوبة أقلّ من العتبة الضرورية لتجدد الأجيال والتي تقدر بـ 2.05 طفلاً للمرأة الواحدة. وهذا الأمر يجعل بلجيكا تصنف بين فرنسا ونسبة 1.94 طفلاً للمرأة الواحدة واليونان مع 1.28 طفلاً للمرأة الواحدة.

في السياق، تقول الخبيرة في الشؤون البلجيكية، لورين كيهل، لـ"العربي الجديد" إنّ "الاستخدام الواسع لوسائل منع الحمل أو الحياة المهنية أو عدم وجود أماكن لاستقبال الأطفال يمكن أن يفسّر ما هو حاصل. وتلك الظاهرة لها عواقب لا تُحصر على مجتمعنا". تضيف أنّ "منها مثلاً إعادة النظر في سياسة الإسكان، وانخفاض عائدات الضرائب بسبب نقص الأصول، ومنح الأولوية لاقتصاد الخدمات بدلاً من التكنولوجيا، ناهيك عن التأثير على المعاشات التقاعدية. لذا، يتوجّب على السياسيين الذين يهتمون بسنّ الانتقال إلى التقاعد التركيز على التدابير المتعلقة بسياسات تعزيز معدلات المواليد التي من شأنها أن تعيد التوازن بين المتقاعدين والعاملين".

وهنا، يقترح أنطوان بهدف مواجهة المشكلة، "تطبيق سياسة ضريبية أكثر ملاءمة تتضمن تخفيض ضريبة الأملاك عند ولادة الطفل الأول، وكذلك تمديد إجازة الأمومة إلى 20 أسبوعاً، ورفع مبلغ إعانة إجازة الأمومة ليصل إلى 800 يورو، وزيادة عدد أماكن استقبال الأطفال".

هذه بلجيكا (Getty)


ذلك، يصرّ أنطوان قبل كل شيء على ما يسمّيه "فرصة الهجرة"، ويقول إنّه "يجب ضمان إدارة مسؤولة وشاملة وإنسانية لظاهرة الهجرة. الأشخاص من الأصول الأجنبية يشاركون بصورة أقلّ في العائدات الضريبية والاجتماعية بالمقارنة مع المواطنين البلجيكيين، لذلك علينا تدريبهم أكثر ودمجهم". ويؤكد أنّ "مسار الاندماج ضروري ويحتاج إلى تعزيز. لذا يجب إزالة العقبات التقنية والقانونية أمام توظيف الوافدين الجدد مثل الاعتراف بالشهادات وتسهيل عملية اكتساب الجنسية البلجيكية. والهدف الرئيسي من ذلك تجديد شباب السكان". ويشدد على أنّ "مشاركة الأجانب والمهاجرين في سوق العمل سوف تكون دعامة للاندماج الناجح، وهي وسيلة لتعزيز النمو والحفاظ على أمننا الاجتماعي". بالنسبة إلى أنطوان، "يمكن التمعّن في مثال كندا التي اعتمدت على الهجرة من أجل تجديد شباب سكانها". يضيف أنّه "في غضون 15 عاماً، فتحت البلاد أبوابها أمام ستة ملايين شخص، وقد منحتهم دورة تدريبية مهمة وملزمة حول الاندماج".

من جهته، يرى الأستاذ المحاضر في الديموغرافيا في الجامعة الكاثوليكية في مدينة لوفان، برونو شومكر، لـ"العربي الجديد"، أنّه "من غير المجدي مكافحة ظاهرة هيكلية مثل شيخوخة السكان، إذ إنّه لا يمكننا تحويل البنية الديموغرافية لمنطقة ما. كلّ ما يمكننا فعله هو تطبيق سياسات لمرافقة الظاهرة. فالعمال المهاجرون، حتى ولو ساهموا بالفعل في تخفيف المشكلة في البداية، غير أنّهم سوف يتكيّفون كذلك ويستقرون ويشيخون. وهو ما يتطلب تعويضهم، وبالتالي الدعوة إلى ضرورة استقبال موجات جديدة من الهجرة، وهكذا دواليك".




أما زميله في الجامعة والأستاذ المحاضر في الاقتصاد، فريدريك دوكوييه، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّه في "إمكان الهجرة أن تكون مصدراً حقيقياً لمواجهة ظاهرة الشيخوخة، شريطة العمل من أجل الاندماج الصحيح للوافدين". يضيف أنّ "المهاجرين يساهمون بمعدّل أقل اقتصادياً من المواطنين الأصليين، لكنّ شبابهم له التأثير الإيجابي. وهم إلى ذلك يدفعون ضرائب أكثر ممّا يستفيدون من النظام الاجتماعي، وثمّة تأثير على الأسعار. فالهجرة لها تأثيرها على حجم السوق والطلب، وهو مرادف لمزيد من السلع ورجال الأعمال، الأمر الذي يعزز القدرة التنافسية ويؤثّر على الأسعار. بالتالي، فإنّ الهجرة هي مولّد للثروة، لكن كذلك لعدم المساواة". ويشدد على "ضرورة تخصيص دورات تدريبية للوافدين الجدد ومرافقتهم في عملية الاندماج لمواجهة الأفكار النمطية، ولكي يصبحوا فاعلين في المجتمع الذي يستقبلهم".