"لما تكون فلوسك في إيدك انت حر ومستقل"، بهذه العبارة تلخص الأردنية سوسن رضوان، التغير الذي طرأ على حياتها خلال السنوات الثماني الماضية، بعد أن شكل التحاقها بدورة أشغال يدوية في "جمعية الأسر التنموية الخيرية" مفترق طريق، حولها من فرد في أسرة تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة، إلى امرأة منتجة تساهم في نفقات الأسرة.
تقول الثلاثينية الأردنية التي تعيش مع زوجها وأولادها الثلاثة في بيت عائلة زوجها، لـ"العربي الجديد": "سجلت ابني قبل 8 سنوات في حضانة مجانية تابعة للجمعية، وكنت أوصله وأنتظره هناك، وعرضت علي مديرة الجمعية أن استغل وقت الانتظار في الالتحاق بدورة أشغال يدوية، فتحمست للفكرة ووافقت".
تدربت رضوان على صناعة الصابون والشموع والمطرزات، وما هي إلا أشهر قليلة، حتى احترفت وأسست مشغلاً في منزلها، بل أصبحت مدربة تعقد ورشات تعليم مقابل أجر. تتذكر أول أجر حصلت عليه قائلة: "طلبت مني المؤسسة عقد دورة مقابل 25 دينارا (38 دولارا أميركيا)، لا تتخيل سعادتي بالمبلغ".
وتضيف "صار عندي طلبيات كثيرة، وعلمت أولادي صناعة الصابون والشمع لمساعدتي، كما أصبحت اوزع جزءا من العمل على جاراتي مقابل أجر، حتى أن زوجي الذي عارض عملي في البداية، أصبح يساعدني في إنجاز العمل".
ودعت الأسرة الفقر
وتوضح "راتب زوجي لم يكن يكفينا، وعندما كنت أطلب منه شراء بعض الأشياء البسيطة كان يؤجلني إلى الراتب، الآن لم أعد أنتظر الراتب". لاحقاً وسعت سوسن عملها ببيع الملابس خلال فترة الأعياد، والقرطاسية في موسم العودة إلى المدارس، كما شكلت مع مجموعة من السيدات فريقاً لتقديم خدمات الضيافة في المناسبات.
تحلم سوسن رضوان اليوم بعمل مشروع نسائي خاص بتنظيف وصيانة المنازل، تقول "العمل ليس عيباً. العيب أن تمد يدك للناس".
وتأسست جمعية "الأسر التنموية الخيرية" عام 1999، بمبادرة شخصية من رئيستها ميسر السعدي، بعد عام على تكريمها من قبل السكرتير العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان، تقديراً لعطائها الطويل في خدمة المجتمع المحلي، وخاصة في مجال مكافحة الفقر.
تقول السعدي: "أخذت على عاتقي مهمة العمل على التمكين الاقتصادي للمرأة، وكانت البداية مع مشروع (ازدهار) لتدريب النساء على مهن غير تقليدية، والذي رفع شعار (كرامة بدل إكرامية)".
وتبين "بحثنا في سوق العمل عن المهن المطلوبة للنساء، ووجدنا أن هناك نقصا كبيرا في الإدارة المنزلية، حيث يوجد أكثر من 75 ألف عاملة وافدة، فيما آلاف الأردنيات عاطلات عن العمل".
تغيرت نظرة المجتمع نسبياً، وبدأت النساء يقبلن على التدريب الذي توفره الجمعية التي وفرت عبر شراكات مع القطاع الخاص فرص عمل للمتدربات، فمنهن من عملن في الفنادق والمستشفيات، فيما أنشأت بعضهن مشاريع خاصة في منازلهن.
تؤكد السعدي "كسرنا حاجز ثقافة العيب، إذ لم يكن مقبولاً في السابق أن تعمل النساء في الفنادق أو المستشفيات، حتى من لم يعملن وفرنا لهن خلال التدريب المهارات الأساسية التي تمكنهن من إدارة شؤون منزلهن وتربية أبنائهن".
قبل 10 سنوات، التحقت منال فلاحة بدورة لتعليم الطهي في مشروع "ازدهار"، تقول الأم لخمسة أبناء: "كانت أول مرة أخرج فيها من البيت عندما التحقت بالتدريب. بعد اجتياز الدورة عملت قرابة السبع سنوات طاهية في فنادق العاصمة، قبل ترك العمل للاهتمام بأبنائي".
وتضيف "العمل غير من شخصيتي، وجعلني أفهم الحياة بشكل أفضل، والتعامل مع الناس منحني خبرات لم أكن لأحصل عليها خلال وجودي في البيت، وإضافة لذلك تحسنت حياتنا بعد أن زاد دخل الأسرة".
مشروعات خاصة
بعد أن تركت العمل في الفنادق، التحقت بالعمل في مطبخ تملكه الجمعية، ويعود دخله لصالح العاملات فيه. لا تتخيل منال حياتها دون عمل، "العمل يمكنني من الإنفاق على دراسة ابنتي في الجامعة، فيما يتكفل زوجي بالإنفاق على الدراسة الجامعية لابننا، كما أن العمل غير من أفكاري عن التعليم والزواج، فلا يمكن أن أوافق على زواج ابنتي قبل أن تنهي دراستها وتعمل، ولو عادت الأيام لرفضت أنا الزواج قبل أن أنهي تعليمي".
ويمثل التمكين الاقتصادي جوهر المشاريع التي تنفذها الجمعية، حيث يسعى برنامج الإرشاد الأسري للنساء المعنفات لمعالجة المشكلة عبر مقاربة اقتصادية. تقول السعدي "وجدنا من خلال البحث الأسري أن أكثر من 70 في المائة من النساء يتعرضن للعنف نتيجة للفقر، لذلك نحول المعنفات بعد متابعتهن من قبل فريق متخصص إلى برنامج (ازدهار) لتدريبهن وتوفير عمل لهن، وغالباً بعد توفير العمل تنتهي المشكلة".
ومن بين المشاريع المتعددة التي تنفذها الجمعية، تنظر السعدي بسعادة إلى مشروع القروض الصغيرة الذي انطلق عام 2008، بمبادرة من طلاب جامعيين، وقدم المشروع قروضاً لـ98 سيدة، أغلبهن أقمن مشاريع انتاجية في منازلهن.