الجفاف والاستهلاك المفرط للمياه يهددان إيران

28 مارس 2018
فرحون بالأمطار التي هطلت بعد انقطاع (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

قد لا يدرك الإيرانيون، حتى الآن، مدى خطورة الوضع، على الرغم من أنّهم بدأوا يلاحظون الحملات الدعائية والإعلانية على بعض جدران طهران، والتي تدعو إلى ترشيد استهلاك المياه وتوفيرها، تخوّفاً من مستقبل أكثر جفافاً.

لطالما عانت إيران من الجفاف بسبب موقعها الجغرافي وانخفاض معدّلات هطول الأمطار في غالبية محافظاتها، لكنّ الأمر يتحوّل إلى خطر جدي يحدق بالأجيال المقبلة، خصوصاً أنّه بات يترافق مع استهلاك مفرط للمياه في المدن الكبرى، وفي مقدّمتها العاصمة طهران. وقد أصدر في السياق، رئيس مؤسسة الحفاظ على البيئة الحكومية، عيسى كلانتري، تحذيراً شديد اللهجة عبر تسجيل فيديو قال خلاله إنّ مرحلة وفرة المياه في إيران انتهت تماماً، وعلى الإيرانيين، لا سيّما المزارعين منهم، تعلّم كيفية التعايش مع مياه أقلّ من السابق.

وأشار كلانتري إلى أنّ دولاً كثيرة حول العالم تعاني من نقص تدريجي في مخزونها من المياه، ويرتبط هذا بصورة رئيسية بالتغيرات المناخية. أمّا بالنسبة إلى إيران، فالأمر يتعلق بموقعها الجغرافي، تُضاف إلى ذلك تأثيرات الجفاف الذي أصبح مزمناً وارتفعت حدّته أخيراً. وأكد أنّ إيران اختبرت، خلال العام الماضي، أسوأ الأعوام لجهة قلة مخزون المياه، بالمقارنة مع الأعوام الخمسين التي سبقته، قائلا إنّ الآتي لن يكون أحسن حالاً.

وتفيد مصادر في مؤسسة المياه "العربي الجديد" بأنّ "معدّل هطول الأمطار في البلاد، منذ سبتمبر/أيلول 2017 وحتى فبراير/شباط 2018، بلغ 47.1 مليمتراً. أمّا في الفترة ذاتها قبل عام، فقد بلغ المعدّل 91.16 مليمتراً. وهو ما يعني نقصاً واضحاً في المعدلات". تضيف المصادر نفسها أنّ "مخازن السدود الخمسة المحيطة بالعاصمة طهران والتي تمدّها بالمياه، تحتوي في الوقت الراهن على كميات مياه أقلّ من العام الماضي بنحو 24 مليون متر مكعب. كذلك فإنّها أقلّ بنحو 50 مليوناً من المعدل المطلوب الذي يجب أن يكون في المخازن، على الرغم من الثلوج الكثيفة التي تساقطت في طهران خلال الشتاء الأخير". وتؤكد المصادر نفسها أنّ "ذلك لم يكن كافياً، لذا ما زالت الأرقام أقلّ من معدلات العام الفائت".


والمسؤولون والمعنيون بهذا الملف يركّزون خصوصاً على العاصمة طهران، وقد صرّحت رئيسة لجنة البيئة والخدمات في مجلس مدينة طهران، زهرا صدر أعظم نوري، لوكالة أنباء فارس، بأنّ مشكلة المياه في العاصمة صارت جدية للغاية، مؤكدة بدء عقد جلسات ومحادثات بين المسؤولين عن هذا الملف. ودعت نوري إلى اتخاذ قرارات سريعة وجادة ترتبط باستهلاك المياه، إذ رأت ضرورة معالجة مسألة الإسراف بالتوعية، وتحويل مسألة توفير المياه وكيفية التعامل مع معدلاتها القليلة إلى عادة إيجابية، من خلال نشر ثقافة تتعلق بهذَين الموضوعَين بين كلّ سكان إيران، وليس طهران فحسب.

وذكرت نوري أنّ المصادر التي تؤمّن المياه في إيران باتت شحيحة، وأنّ مخزون المياه الجوفية انخفض كذلك. أمّا العاصمة، فشبكة نقل المياه فيها وأنابيبها متآكلة، وهو ما يتسبب في ضياع المياه عبر تسرّبها، بالإضافة إلى أنّه يؤدّي إلى تشققات أرضية. وكلّ ذلك يُضاف إلى مشكلة معدلات الهطول المنخفضة، بحسب تعبيرها.

ولفتت نوري إلى أنّه في طهران كذلك، كان البعض يعمد إلى استخدام مياه الشرب لسقي المساحات الخضراء أو لغسيل السيارات أمام المنازل، لكنّ هذا الملف جرت معالجته من خلال فرض غرامات مالية، ومن خلال اتفاق عقدته مؤسسة المياه والصرف الصحي مع مركز المساحات الخضراء والحدائق التابع للبلدية. وقد وصفت نوري مسألة شحّ مياه العاصمة بالملف المصيري الذي يجب التعاطي معه بشكل جدي.

من جهة أخرى، ثمّة عوامل طبيعية تتسبّب في ذلك ولا تقلّ خطورة عن العوامل البشرية المشار إليها آنفاً. هذا ما ذكره المدير العام لشركة المياه والصرف الصحي، محمد برورش، الذي أوضح أنّ معدل هدر المياه في شبكة أنابيب طهران وحدها يبلغ 10 في المائة، بسبب تسرّبها من أنابيب النقل القديمة أو بسبب سحب المياه من الأنابيب المخصصة للحدائق أو التي من المفترض أن يستخدمها رجال الإطفاء في حال وقوع حريق. مع ذلك، وصف برورش الهدر بالمعقول وكذلك الاستهلاك، داعياً إلى وقف الهدر على الرغم من ذلك.

أشجار يبست في الأرض الجافة (عطا كناري/ فرانس برس)

لكنّ رئيس بلدية طهران، محمد علي نجفي، لم يوافقه الرأي، وأكّد أنّ سكان طهران يستهلكون المياه أكثر بثلاثة أضعاف من الحد المعقول والمناسب، ودعا أخيراً إلى ضرورة تأمين مصادر بديلة للمياه في العاصمة، سواء مياه الشرب أو الخدمة، قائلاً إنّ المدينة سوف تواجه مشكلة حادة في المستقبل القريب وفرط الاستهلاك مشكلة رئيسية تتسبب في ذلك.

في السياق، يقول المهندس في وزارة الطاقة، علي ميرزايي، لـ"العربي الجديد" إنّ طهران كما هي الحال بالنسبة إلى عدد من مدن إيران ومناطقها، تقع في إقليم جاف، وقد بدأ سطح الأرض فيها بالانخفاض"، مؤكداً أنّ "الجفاف سوف يصير معضلة قاسية بحلول عام 2050". يضيف ميرزايي أنّ "طهران حينها، سوف تصير جافة أكثر بـ11 مرّة بالمقارنة مع الوقت الراهن"، متوقعاً "انخفاض معدلات هطول الأمطار كذلك". لكنّه يشير إلى "سبب آخر يضاف إلى تغيرات مناخية وظروف جوية وزيادة في الاستهلاك، وهو يتعلق بتحويل مسارات الأنهار واستخراج المياه الجوفية من دون هوادة، وريّ الأراضي الزراعية من دون استخدام طرق حديثة. وكل هذا من شأنه تعقيد المسألة".

والتبعات التي قد تنتج عن الأمر لن تنعكس على معيشة الإيرانيين وأراضيهم الزراعية فحسب، بل سوف تتسبب في تفاقم مشكلة هبوب عواصف الرمال والأتربة التي تضرب مناطق إيران الجنوبية في الغالب، وتصل أحياناً إلى مدنها الكبرى ومنها طهران. وعلى الرغم من أنّ ثمّة مسببات خارجية لها بحسب خبراء البيئة في إيران، تنتقل إليها من دول مجاورة من قبيل الدول الخليجية أو العراق، فإنّ عامل الجفاف يزيد الوضع سوءاً، الأمر الذي يتطلب زيادة التشجير ويتطلب المياه كذلك.

وترى مؤسسة الحفاظ على البيئة الحكومية، في تقارير تنشرها المواقع الرسمية الإيرانية دورياً، أنّ الحل يكمن في ترشيد استهلاك المياه للتقليل من الخسائر المتوقعة. كذلك، كان مديرها عيسى كلانتري قد أوضح، في وقت سابق، أنّ قلة المياه تعني انعكاساً على المسائل الاجتماعية، من قبيل التسبب في الهجرة الداخلية من منطقة إلى أخرى، وهو ما قد يحمل مشكلات جديدة إلى الواجهة، في حين يقترب عدد الإيرانيين من 81 مليون نسمة، بالتزامن مع انخفاض معدلات الهطول بنسبة 20 في المائة، بالمقارنة مع سنوات سابقة، بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة.


يُذكر أنّ الإيرانيين لم ينسوا بعد موجة الحرّ الشديدة التي ضربت طهران في يوليو/تموز 2016، إذ تجاوزت درجة الحرارة الأربعين، وزاد استهلاك المياه كثيراً لتتحطم معها معدلات الاستهلاك وتصل إلى رقم قياسي. فبلغ خلال أيام معدودة ثلاثة ملايين و225 ألف متر مكعب. وقد حذّر المعنيون حينها من التبعات، واليوم يعودون إلى التحذير مع توقعات حلول صيف حار بعد شتاء لم يشهد معدلات هطول عالية. لو كانت كذلك، كان من الممكن أن تخفّف من حدّة القلق على مستقبل المياه.
المساهمون