اليوم، تختلف الحياة الاجتماعية بكلّ جوانبها عمّا كانت عليه في الماضي. العلاقات بين الجيران على سبيل المثال، تأثّرت بنمط الحياة العصرية وغيرها من العوامل، فراحت تتراجع وسط خلافات تنوّعت طبيعتها
"الجار قبل الدار"، "جارك القريب ولا أخوك بعيد"، "دير ما دار جارك أو حول باب دارك"... بعض من مقولات شعبية مغربية عدّة تؤكد مكانة الجيران لدى بضعهم البعض. وهذه المقولات نجدها كذلك في بلدان عربية عدّة، وليس في المغرب فحسب، نظراً إلى أهمية "علاقات الجيرة" في كل المجتمعات.
بعيداً عن المقولات التي كانت في الماضي ترجمة صادقة لما هي الحال في الأحياء السكنية، يأتي الواقع اليوم ليبيّن أنّ الأمور لم تعد بهذه "المثالية" في المدن المغربية. فالعلاقات الماضية التي كانت تُنسَج بين الجيران وتتسم بالانسجام والتكافل والعفوية، لم تعد كذلك. وعلى الرغم من أنّ العلاقات ما زالت إيجابية بين الجيران، فإنّ روابط كثيرة تقلصت بصورة ملحوظة.
يحكي با محمد القعاط، وهو في السبعينيات من عمره، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجيران في حيّ العكاري الشعبي في الرباط كانوا قبل سنوات كثيرة متلاحمين، بينما كانت الأبواب مفتوحة لبعضهم البعض". يضيف أنّ "الثقة كانت عاملاً أساسياً في إرساء مثل تلك العلاقات بين الجيران"، شارحاً أنّ "الثقة التي كانت سائدة بين الجيران هي التي كانت تسمح للرجل بدخول منزل جاره، وما عليه سوى طرق بابه، بالتأكيد عندما يكون جاره الرجل موجوداً في المنزل. والأمر نفسه بالنسبة إلى النساء". يتابع القعاط أنّ "الثقة كانت تجعل الجيران في حال واحدة، لا يختلفون عن بعضهم بعضاً، وما يملكه أحدهم فهو متاح كذلك للآخر".
اقــرأ أيضاً
وعن الاختلاف بين علاقات الجيران في الماضي وبين علاقاتهم اليوم، يقول القعاط إنّ "الثقة تلاشت بين الجيران خصوصاً في المدن، في حين أنّها ما زالت موجودة بدرجة أقل في البوادي". ويكمل أنّ الأحوال ساءت في بعض الأماكن إلى درجة أنّ "الجار صار يخون جاره أو يسرقه أو يعتدي عليه أو يشك فيه. بالتالي، صارت العلاقات قائمة على مشاعر العداوة عوضاً عن مشاعر الأخوّة".
من جهتها، تقول مي هنية، وهي في الخمسينيات من عمرها، لـ "العربي الجديد" إنّ "الجارة كانت لجارتها بمثابة الأخت الشقيقة، تحكي لها عمّا يؤلمها وما يحزنها وتأتمنها سرّها وتشكو لها أحياناً تصرفات زوجها، فتقوم الثانية بكلّ ما في وسعها لمساعدتها وتحاول إيجاد الحلول لمشاكلها مادية كانت أو معنوية أسرية". تضيف هنية أنّ "الجارات كنّ خلال الماضي أكثر من الأخوات في تآلفهنّ ومودتهنّ، ونادراً ما كان يحدث خصام بينهنّ. كذلك كانت العلاقة بينهنّ تتسم بالوقار، وكنّ يمضين معاً جلسات للترفيه عن النفس". وتتابع هنية: "أمّا جارات اليوم سواء أكنّ يسكننّ في منازل في الأحياء وفي شقق سكنية في عمارات، فقد اختفت بينهنّ أخوّة ومودّة زمان. ومرّات عدّة كنت شاهدة على خلافات وخيانات بين الجارات".
في السياق، ثمّة قضايا عدّة في المحاكم المغربية أبطالها من الجيران، وهي إمّا قضايا عنف أو خيانة زوجية أو خلافات في السكن المشترك أو انتقام وغيرها. على سبيل المثال، انكشفت في مدينة طانطان، جنوبيّ المغرب، خيانة رجل لزوجته مع جارتها التي تسكن قبالتها. فالزوج ذهب ليصلي في المسجد وترك هاتفه الخلوي في البيت، فتفحصته زوجته وذهلت لمّا رأت صورة لزوجها في أحضان جارتها. يُذكر أنّ الزوجة لم تتردد في رفع شكوى أمام القضاء.
في قضية أخرى رُفعت أمام محكمة آسفي، غربيّ المغرب، فإنّ جارة تعمّدت الانتقام من جارتها في طفلها الصغير، بين شجار عنيف قام بينهما في منزل في أحد الأحياء الشعبية، تبادلت خلاله المرأتان السباب والشتائم والإهانات قبل أن يتحول الأمر إلى عنف جسدي متبادل. انتهى الأمر بـ"صلح" بعد تدخل حكماء الحيّ. لكنّ ذلك الصلح وبحسب ما يبدو، كان هشاً وشكلياً. فالجارة التي انهزمت من العراك السابق، راحت تخطط لما سوف يكون. وانتظرت مرور أسابيع حتى لا يُشكّ فيها، قبل أن تستدعي ابن جارتها وتدسّ له السمّ في طبق قدمته له. توفي الصغير بعد دقائق فقط، وقد دفع ثمن خلاف بين والدته وجارتها.
اقــرأ أيضاً
السحر والشعوذة يحضران كذلك في العلاقات المتوترة بين الجيران، وتخبر خديجة وهي في الأربعينيات من عمرها "العربي الجديد"، أنّ "جارتي المقرّبة قلبت حياتي الزوجية رأساً على عقب، وقد حسدت وضعي المادي الجيد وتعامل زوجي معي". تضيف أنّ العلاقة مع زوجها راحت تتدهور "ووقعت خصامات وتفاقمت الأمور إلى حدّ الانفصال والطلاق". تتابع بكلّ اقتناع: "وكلّ ذلك قبل أن أعرف أنّ جارتي التي كانت تدخل إلى بيتي وراء ذلك بفضل خلطاتها السحرية التي لم أعلم بها إلا بعد فوات الأوان".
"الجار قبل الدار"، "جارك القريب ولا أخوك بعيد"، "دير ما دار جارك أو حول باب دارك"... بعض من مقولات شعبية مغربية عدّة تؤكد مكانة الجيران لدى بضعهم البعض. وهذه المقولات نجدها كذلك في بلدان عربية عدّة، وليس في المغرب فحسب، نظراً إلى أهمية "علاقات الجيرة" في كل المجتمعات.
بعيداً عن المقولات التي كانت في الماضي ترجمة صادقة لما هي الحال في الأحياء السكنية، يأتي الواقع اليوم ليبيّن أنّ الأمور لم تعد بهذه "المثالية" في المدن المغربية. فالعلاقات الماضية التي كانت تُنسَج بين الجيران وتتسم بالانسجام والتكافل والعفوية، لم تعد كذلك. وعلى الرغم من أنّ العلاقات ما زالت إيجابية بين الجيران، فإنّ روابط كثيرة تقلصت بصورة ملحوظة.
يحكي با محمد القعاط، وهو في السبعينيات من عمره، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجيران في حيّ العكاري الشعبي في الرباط كانوا قبل سنوات كثيرة متلاحمين، بينما كانت الأبواب مفتوحة لبعضهم البعض". يضيف أنّ "الثقة كانت عاملاً أساسياً في إرساء مثل تلك العلاقات بين الجيران"، شارحاً أنّ "الثقة التي كانت سائدة بين الجيران هي التي كانت تسمح للرجل بدخول منزل جاره، وما عليه سوى طرق بابه، بالتأكيد عندما يكون جاره الرجل موجوداً في المنزل. والأمر نفسه بالنسبة إلى النساء". يتابع القعاط أنّ "الثقة كانت تجعل الجيران في حال واحدة، لا يختلفون عن بعضهم بعضاً، وما يملكه أحدهم فهو متاح كذلك للآخر".
وعن الاختلاف بين علاقات الجيران في الماضي وبين علاقاتهم اليوم، يقول القعاط إنّ "الثقة تلاشت بين الجيران خصوصاً في المدن، في حين أنّها ما زالت موجودة بدرجة أقل في البوادي". ويكمل أنّ الأحوال ساءت في بعض الأماكن إلى درجة أنّ "الجار صار يخون جاره أو يسرقه أو يعتدي عليه أو يشك فيه. بالتالي، صارت العلاقات قائمة على مشاعر العداوة عوضاً عن مشاعر الأخوّة".
من جهتها، تقول مي هنية، وهي في الخمسينيات من عمرها، لـ "العربي الجديد" إنّ "الجارة كانت لجارتها بمثابة الأخت الشقيقة، تحكي لها عمّا يؤلمها وما يحزنها وتأتمنها سرّها وتشكو لها أحياناً تصرفات زوجها، فتقوم الثانية بكلّ ما في وسعها لمساعدتها وتحاول إيجاد الحلول لمشاكلها مادية كانت أو معنوية أسرية". تضيف هنية أنّ "الجارات كنّ خلال الماضي أكثر من الأخوات في تآلفهنّ ومودتهنّ، ونادراً ما كان يحدث خصام بينهنّ. كذلك كانت العلاقة بينهنّ تتسم بالوقار، وكنّ يمضين معاً جلسات للترفيه عن النفس". وتتابع هنية: "أمّا جارات اليوم سواء أكنّ يسكننّ في منازل في الأحياء وفي شقق سكنية في عمارات، فقد اختفت بينهنّ أخوّة ومودّة زمان. ومرّات عدّة كنت شاهدة على خلافات وخيانات بين الجارات".
في السياق، ثمّة قضايا عدّة في المحاكم المغربية أبطالها من الجيران، وهي إمّا قضايا عنف أو خيانة زوجية أو خلافات في السكن المشترك أو انتقام وغيرها. على سبيل المثال، انكشفت في مدينة طانطان، جنوبيّ المغرب، خيانة رجل لزوجته مع جارتها التي تسكن قبالتها. فالزوج ذهب ليصلي في المسجد وترك هاتفه الخلوي في البيت، فتفحصته زوجته وذهلت لمّا رأت صورة لزوجها في أحضان جارتها. يُذكر أنّ الزوجة لم تتردد في رفع شكوى أمام القضاء.
في قضية أخرى رُفعت أمام محكمة آسفي، غربيّ المغرب، فإنّ جارة تعمّدت الانتقام من جارتها في طفلها الصغير، بين شجار عنيف قام بينهما في منزل في أحد الأحياء الشعبية، تبادلت خلاله المرأتان السباب والشتائم والإهانات قبل أن يتحول الأمر إلى عنف جسدي متبادل. انتهى الأمر بـ"صلح" بعد تدخل حكماء الحيّ. لكنّ ذلك الصلح وبحسب ما يبدو، كان هشاً وشكلياً. فالجارة التي انهزمت من العراك السابق، راحت تخطط لما سوف يكون. وانتظرت مرور أسابيع حتى لا يُشكّ فيها، قبل أن تستدعي ابن جارتها وتدسّ له السمّ في طبق قدمته له. توفي الصغير بعد دقائق فقط، وقد دفع ثمن خلاف بين والدته وجارتها.
السحر والشعوذة يحضران كذلك في العلاقات المتوترة بين الجيران، وتخبر خديجة وهي في الأربعينيات من عمرها "العربي الجديد"، أنّ "جارتي المقرّبة قلبت حياتي الزوجية رأساً على عقب، وقد حسدت وضعي المادي الجيد وتعامل زوجي معي". تضيف أنّ العلاقة مع زوجها راحت تتدهور "ووقعت خصامات وتفاقمت الأمور إلى حدّ الانفصال والطلاق". تتابع بكلّ اقتناع: "وكلّ ذلك قبل أن أعرف أنّ جارتي التي كانت تدخل إلى بيتي وراء ذلك بفضل خلطاتها السحرية التي لم أعلم بها إلا بعد فوات الأوان".