الخوف من الترحيل. نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري في تركيا يتخوّفون اليوم ممّا تردد أخيراً عن نيّة تركيا ترحيلهم إلى الداخل السوري المحرر.
في أكثر من مرّة، تكررت مطالبات ترحيل السوريين من تركيا، سواء أكان ذلك شعبياً أم من قبل الأحزاب التركية المعارضة. وكلما حدث تجاوز أو اقترف سوري جريمة ما في تركيا، كنّا نسمع تصريحات ونرى احتجاجات تقول بضرورة ترحيل السوريين إلى ديارهم. أمّا اليوم، فثمة أدلّة على الأرض تعزّز مخاوف السوريين، فتحذيرات ورسائل تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أوساط السوريين، تطالبهم بعدم الخروج من المنازل أو بضرورة حمل الوثائق الرسمية حتى أثناء التنقل في الحيّ حيث يقيمون. وقد ألقي القبض على سوريين كثيرين خلال الأيام الأخيرة في منطقتَي آكسراي وإسنيورت في إسطنبول وغيرهما، وطلبت البطاقات الشخصية من قبل دوريات للشرطة في الشوارع. وقد ازدادت حدّة الخوف بالتزامن مع دخول الجيش السوري الحرّ مدعوماً بالقوات التركية إلى عفرين مساء الأحد الفائت، وانتشار كلام عن ترحيل السوريين إلى المناطق المحررة التي بدأت تشهد أمناً وخدمات وإن بحدود مقبولة.
وكان ميدان إسنيورت قد شهد صباح الخميس الفائت، بحسب ما يخبر مدير شركة النصر للخدمات في حي إسنيورت، بشار محمد، "عملية تطويق من قبل الشرطة التركية التي راحت تطلب من السوريين إبراز البطاقات الشخصية والإقامات. وكل من لا يملك بطاقة حماية مؤقتة "كيملك" صادرة في إسطنبول أو إقامة سياحية، كان الأمن التركي يجعله يصعد إلى حافلة متوقفة هناك. أظنّ أنّ العدد فاق المئات خلال ساعتين". يضيف محمد لـ"العربي الجديد" أنّ "الخوف تملك بالسوريين الذين يزيد عددهم في حيّ إسنيورت عن 50 ألفاً، نتيجة تناقل أنباء عن ترحيلهم قسراً إلى داخل سورية وإسكانهم في المناطق المحررة في ريفَي إدلب وحلب".
الصغيرة السورية تتسوّل تحت المطر (بولنت كيليتش/ فرانس برس) |
ويوضح محمد أنّه "تبيّن لنا في ما بعد أنّ الذين أخذتهم الشرطة هم من المخالفين، منهم من يحمل أوراقاً لاستصدار "الكيملك" لكنّه لم يُستكمل عبر بصمات اليد. وقد جرى اصطحاب هؤلاء إلى شعبة الأجانب في منطقة الفاتح أو سلطان بيلي لمنحهم بطاقة الحماية المؤقتة. أمّا من يحمل بطاقة كيملك صادرة عن ولاية أخرى، فجرى ترحيله إلى المدينة التي منحته البطاقة. وبقيت الشائعات حول من لا يملك أيّ وثائق رسمية. ثمّة من قال إنّهم سوف يودعون في المخيمات ويمنحون وثائق رسمية، وثمّة من أشار (مصادر غير رسمية) إلى أنّه من الممكن ترحيلهم إلى الداخل السوري".
وطاولت الحملة مناطق عدّة في إسطنبول، خصوصاً تلك التي تشهد اكتظاظاً بالسوريين، كحيّ أكسراي الذي يسمى "الشارع السوري". ويؤكد رجل الأعمال السوري محمد نزار بيطار الذي يملك مطعمَين في الشارع ذاته، أنّ "الحيّ شهد يومَي الخميس والجمعة الفائتين متابعة بعض السوريين في منطقة يوسف باشا باكسراي، بهدف تحديد الأشخاص الموجودين في تركيا وحصر من لا يمتلك بطاقة كيملك". ويلفت بيطار لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الحملة طاولت كل الغرباء وليس السوريين فقط. ولا بدّ من توضيح ذلك. فقد جرى التحقق من العراقيين والسوريين والمصريين". ويرى بيطار أنّ "هذا الإجراء هو من أبسط حقوق تركيا لتعرف من يقيم على أراضيها وعناوينهم، خصوصاً وسط المخاطر من جرّاء الحروب المندلعة في دول جوار تركيا والتفجيرات التي شهدتها إسطنبول خلال عامَي 2016 و2017".
في السياق، كان نائب رئيس الوزراء التركي، فكري إشيق، قد صرّح بأنّ تركيا لا تجبر أيّ سوري على مغادرة أراضيها، وللسوريين الحق في اختيار مصيرهم. أضاف إشيق خلال حديث إلى قناة "تي ري تي" أنّ لا علاقة لدخول الجيش الحر إلى عفرين بما يشاع عن ترحيل السوريين. وتابع: "نحن لن نجبر أحداً على العودة، من شاء يبقى ويعمل معنا، باستثناء من يهدد الأمن ويسيء لتركيا".
من هنا، فإنّ "تركيا الرسمية" حكومة وحزباً حاكماً، ما زالت تؤكد أنّ السوريين ضيوف مرحّب بهم، بل "هم المهاجرون ونحن الأنصار" وفق ما يؤكد البرلماني عن حزب العدالة والتنمية والنائب السابق لرئيس الحزب، ياسين أقطاي لـ"العربي الجديد". يضيف أنّ "السوريين بأمان في تركيا ولا يمكن المساس بهم أو ترحيلهم طالما تعيش سورية حرباً وعدم استقرار". ويشير أقطاي إلى أنّ "الحملة التي شهدتها تركيا مستمرة، والهدف منها تصويب وضع كل من على أراضيها، وليس وضع السوريين فقط. وهذا حق لتركيا وحماية للآخرين في الوقت نفسه".
من جهته، يقول المتعاقد مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بصفة مترجم لتسوية أوضاع السوريين، شوكت أقصوي، إنّ "تركيا لن تتخذ إجراءات ترحيل قسري بحق السوريين، لكنّه في الوقت نفسه لا بدّ من إيجاد صيغة قانونية لكلا الطرفين". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "السوريين يدخلون إلى الأراضي التركية منذ عام 2011 وفق قانون الحماية المؤقت وليس اللجوء، وبعد سبعة أعوام لا بدّ من إعادة النظر بهذا الوضع ومشاركة المجتمع الدولي تركيا في هذا الموضوع".
وحول ما يشاع حول الترحيل وحملات الاعتقال وتصويب الأمنيّات (مديريات الأمن العام) لوضع السوريين، يؤكد أقصوي أنّه "لا تعليمات حول ترحيل السوريين، بل ثمّة إجراءات حول ملاحقة من لا يملك وثائق شخصية وهو على الأراضي التركية، بهدف تصويب وضعه أو إرساله إلى الولاية حيث حصل على بطاقة الكيملك أو ربما إلى المخيمات لمن يعانون من وضع مادي سيئ ويقيمون في مدينة إسطنبول ويتسولون أو يقومون بأعمال شغب أو مضايقة للغير". ويشير أقصوي إلى أنّ "عدد اللاجئين السوريين في تركيا زاد عن 3.5 ملايين سوري، وربما ثمّة مئات الآلاف غير مسجّلين، ولا بدّ من إيجاد صيغة قانونية لوجودهم". يضيف أنّ "الطفل الذي ولد في تركيا في بداية الأزمة مع لجوء أهله، بات اليوم بسنّ المدارس، ومن غير المفيد له ولأهله ولتركيا أن يبقى بلا وثائق أو لا يُصار إلى تسوية وضعه".
هل يحملون الكيملك؟ (كريس ماكغراث/ Getty) |
وكانت تركيا قد قيّدت تجوّل السوريين بين الولايات، خصوصاً المتوجّهين إلى إسطنبول من دون إذن سفر من أمنيات الولاية حيث يقيمون. ولعلّ ما زاد من المخاوف هو منع بعض الولايات منح إذن سفر، لا سيّما إلى ولايات محددة ومنها إسطنبول وأنقرة وغازي عنتاب وأورفا. الأمر الذي يعيده متخصصون إلى أسباب أمنية، خصوصاً بعد بدء عملية "غصن الزيتون" داخل الأراضي السورية.
يقول رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حملة الملاحقات التي تنفذ أخيراً في إسطنبول لا تستهدف السوريين فقط، بل كل الغرباء على الأراضي التركية. هذا أولاً. أمّا ثانياً، فإنّ الضغط الشديد على إسطنبول حيث يقيم سوريون فقط، أكثر من 600 ألف سوري، هو سبب آخر وراء الحملة. أمّا ثالثاً، فهو السبب الأمني إذ من حقّ تركيا أن تعرف من يقيم على أراضيها وعناوينهم وعملهم".
وحول تصاعد الحملة، خصوصاً في إسطنبول، يضيف قرنفل أنّه "سبق لوالي إسطنبول أن أصدر قبل ثلاثة أشهر، قراراً بمنع نقل مكان الإقامة لمن يحمل بطاقة الحماية المؤقتة من أيّ ولاية إلى إسطنبول. كذلك فإنّ ولاية إسطنبول ومنذ ستة أشهر، تعلن عن ضرورة تصويب وتصحيح بيانات الكيملك واستصدار بطاقة للسوريين المقيمين فيها والذين لا يحملون كيملك".
وعند سؤاله عن ترحيل السوريين إلى الداخل السوري أو المخيمات، يتحدّث قرنفل عن "حالات عدّة لمن لا يملك بطاقة الحماية. فمن صدرت بطاقته عن ولاية غير إسطنبول، يعود إلى الولاية التي منحته البطاقة. ومن سبق أن تقدّم للحصول على البطاقة وتأخّر حصوله عليها لسبب أو لآخر، يُصار إلى تسريع حصوله على الكيملك. أمّا الذي لا يملك أيّ وثيقة، فالقرار يعود هنا إلى السلطات التركية، بمنحه كيملك في حال له أهل هنا من الدرجة الأولى ويملكون كيملك أو في حال كان تلميذاً في مدرسة أو لديه وضع صحي معيّن". يضيف أنّه "من حق السلطات التركية ترحيل هؤلاء، أو بعضهم إلى مخيمات لجوء عند الحدود التركية السورية، أو ربما إلى المناطق الآمنة في داخل سورية، وذلك بحسب حالة كل فرد، خصوصاً الذين تسللوا تهريباً إلى تركيا أو الذين لهم علاقات مع تنظيمات تصنّفها تركيا إرهابية".