بأي ذنب يُقصف أطفال الغوطة؟

03 مارس 2018
يتدفأون في القبو (أنس الدمشقي/ الأناضول)
+ الخط -

يعيش عشرات آلاف الأطفال في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق تحت الحصار والقصف منذ سنوات، وإن بدت الأيام الأخيرة أكثر صعوبة، بعدما أجبرهم القصف على العيش أياماً في أقبية غير مجهزة، تحوّل بعضها إلى قبور جماعية.

حين تسأل مازن (8 سنوات) عن القصف، يروي لـ"العربي الجديد" بصوت يحبس غصة، كيف طلب منه والده التوجه إلى القبو مع أمه وأشقائه، فيما بقي في البيت ليجلب لهم بعض الحاجيات، إلا أن غارة جوية قصفت المنزل قبل أن يخرج منه. يضيف أنّ والدته تبكي كثيراً اليوم وتدعو له بالمغفرة. "أدعو الله أن أرى أبي مجدداً". يتوقّف عن الكلام ويخرج من القبو. بعد الهدنة الأخيرة، بات الأطفال يستطيعون الخروج من القبو لبعض الوقت يومياً.

من جهته، يقول أحمد (9 سنوات) لـ"العربي الجديد": "عندما نسمع صوت الطائرة أو يبدأ القصف، نركض إلى القبو وأجلس مع جدتي وأمي وأشقائي نستغفر الله وندعوه أن يرحمنا ويحمينا". يضيف: "لم نفعل شيئاً لنقصف، لكنهم يريدون قتلنا". على مقربة منه، يقف طفل من عمره تقريباً، يقول: "حياتنا قهر وذل وطيران حربي في السماء فقط لا غير"، قبل أن يبتعد مسرعاً. أما زكي (11 عاماً)، فيقول لـ"العربي الجديد": "كل يوم رعب وخوف وقصف"، لافتاً إلى أن "في القبو حيث نعيش، جلب ثلاثة شبان لوحاً لتعليمنا القرآن. في إحدى المرات، وزعوا علينا البسكويت وكان طعمه لذيذاً".

عائشة (7 سنوات)، تخبر "العربي الجديد" أنها وعائلتها تعيش في قبو وتخاف من الطائرة. وتردّد، حالها حال كثيرين: "يا لطيف"، بينما والدتها تقرأ القرآن. أما شادي (8 سنوات)، فيروي لـ"العربي الجديد" كيف جاءت الطائرة، محدّداً موقعها في السماء، وكيف ركض مع والدته وشقيقته إلى القبو، إلا أن القصف أدّى إلى مقتل كثيرين. يقول: "راح أناس كثيرون"، وهو ينظر إلى مكان القصف وكأنه ما زال يرى جثث القتلى أمامه.


مأمون (10 سنوات)، يقول لـ"العربي الجديد": "استشهد عمّي تحت أنقاض هذا البيت، حين سقط صاروخ على مقربة من باب القبو الذي كنا نجلس فيه، ما أدى إلى إصابة نصف عدد الأشخاص في القبو". كان يستغفر الله، فسألناه عن السبب ليجيب: "حتى يحمينا الله. كما أن الكل يستغفر". من جهته، يقول زهير، الذي بدا أصغر من مأمون ببضع سنوات لـ"العربي الجديد": "بقينا في القبو أكثر من أسبوع. ما من طعام. يومياً، تخبرني أمي بأن رجلاً سيجلب لنا الطعام لكنه لا يأتي، وأنا جائع".

إلى هؤلاء، يحكي عدنان (9 سنوات) عن الطائرات الحربية والمروحيات التي كانت تقصف منطقته السكنية، والبراميل المتفجرة، وكيف كان يرى كتلاً من النار تسقط من الطائرة. ويذكر أنه رأى جثة رجل متفحمة، وسمع آخرين يرددون أنه "مجهول الهوية".

هنا تمضي يومها (أنس الدمشقي/ الأناضول) 

أما بشرى (8 سنوات)، فتقول لـ"العربي الجديد": "أكره القصف لأنه يؤدي إلى موتنا، ويجبرنا على النزول إلى القبو المعتم المليء بالغبار. لا أستطيع التنفس، وأشعر بأنني سأموت". تضيف: "القبو بارد كثيراً وليس فيه طعام. أشتهي تناول رغيف خبز ساخن". من جهته، يقول صالح (7 سنوات) لـ"العربي الجديد" إنّه "بسبب البرد الشديد في القبو، أذهب مرات عدة إلى المرحاض في الطابق العلوي، وهذا أمر مرعب. أتمنى أن يتوقف القصف ونترك القبو". ويسأل: "ماذا فعلنا حتى يقصفنا النظام ويقتلنا؟ أرغب في اللعب في الشارع من دون خوف، وأعود إلى بيتنا". يشتهي رغيف خبز مع مياه وسكر. في الوقت الحالي، بالكاد يتناول بعض البقوليات والأرز والبرغل.

في السياق، يقول المحاصر في الغوطة الشرقية، وأحد كوادر الدفاع المدني فيها، أبو بشير دغمش، لـ"العربي الجديد": "الرغيف لدى ابن الغوطة بات رفاهية كونه غير متوفر. في صغرنا، كنا ننتظر الشوكولاتة والبسكويت والعصائر، إلا أن طفل الغوطة لا يعرف هذه الأشياء، وقد تشعر أنه بات أكبر من عمره". يضيف: "كان أبنائي يلعبون لعبة اسمها فرد وسكين، بينما كنا نلعب جوز وفر. صرنا نخشى على أطفالنا من هذه الأفكار. وخلال ساعات الهدنة، تجد الأطفال يلعبون بالحجارة، فيما يجمع آخرون أكياس النايلون وبعض الأقمشة ويحوّلونها إلى كرة".


ويلفت دغمش إلى أن عائلته اختارت عدم النزول إلى القبو لأنه لا يصلح للعيش، عدا عن الازدحام في داخله، واصفاً إياه بـ"القبر الجماعي". بقي في بيته، وحين يسمع صوت الطائرة، يهرول وباقي أفراد العائلة إلى الممر الداخلي أو المرحاض، مبتعدين عن الغرف المطلة على الشارع، والتي يُرجّح أن يطاولها القذائف. ويُبيّن أن أطفاله "مثل جميع أطفال الغوطة، يتناقشون حول نوع الطائرة التي تقصف أو أنواع القذائف، ويحاولون معرفة مكان القصف من دوي الانفجار". يضيف: "اعتادوا الدعاء والاستغفار كلما اشتد القصف، فلا حول لهم ولا قوة".

لا طعام ولا تعليم

يقول الناشط في الغوطة الشرقية براء أبو يحيى لـ "العربي الجديد" إنّ "وضع الأطفال مزرٍ في الغوطة الشرقية. هم محرومون من أبسط حقوقهم في اللعب. في القبو، يُطلب منهم عدم الحركة، ما يزيد من الضغط عليهم، في حين لا يملكون ألعاباً والطعام غير متوفر". يلفت إلى أن "التعليم توقف من جراء القصف، وقد مرّت عشرة أيام من دون أن يروا ضوء الشمس.