أربعة عقود من التطبيع

24 فبراير 2018
مصريون يتظاهرون ضد إسرائيل (محمد حسام/ فرانس برس)
+ الخط -
يوم 26 فبراير/شباط 1980، وصل دبلوماسيون يمثلون دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى مقر أول سفارة صهيونية في عاصمة عربية. افتتحت سفارة العدو في القاهرة على مسافة أمتار من نهر النيل، وعلى مقربة من جامعة القاهرة، مقابل حديقة الحيوان في الجيزة.

يتذكر سكان شارع "بن مالك"، حيث كانت السفارة، اليوم المشؤوم الذي أقيمت فيه مراسم الافتتاح، وتم رفع علم الكيان الصهيوني فوق البناية رقم 6 في الشارع الهادئ، على مرمى حجر من تمثال "نهضة مصر"، باعتبارها إحدى نتائج زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى إسرائيل، ثم التوقيع على ما يصطلح على تسميته "معاهدة السلام" في 1979، بعد ست سنوات على انتصار غير مكتمل في حرب كانت الأخيرة مع العدو الإسرائيلي لتحرير شبه جزيرة سيناء.

بعد هذا اليوم الذي دشن تطبيع العلاقات المصرية مع إسرائيل رسمياً، جرت الكثير من وقائع التطبيع المصرية والعربية، وتكررت التنازلات على جميع المستويات، وبينها بيع الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل بأسعار زهيدة، قبل أن يبدأ قبل أيام تدشين عهد جديد من علاقة التطبيع بشراء شركة مصرية للغاز الإسرائيلي بمباركة حكومية اعتبرتها "جبنا جون"، على حد قول رئيس النظام شخصياً، وهو نفسه صاحب مصطلح "السلام الدافئ مع إسرائيل".

تذكرت قصة افتتاح السفارة، ولقطات الفيديو التي وثقت الواقعة وظهر فيها سكان المنطقة في حالة من الذهول، وانخرط بعضهم في بكاء مرير على ما وصلت إليه الأمور من ابتذال بعد سنوات قليلة على حرب راح ضحيتها الآلاف من المصريين.



ظل العلم الإسرائيلي مرفوعاً على مبنى السفارة أكثر من ثلاثة عقود، رغما عن أنف الشعب المصري الرافض للتطبيع، إلى أن مكنت ثورة يناير المصريين لشهور قليلة من التعبير عن رأيهم واضحاً دون خوف من قمع النظام، فقام شبان مصريون في سبتمبر/أيلول 2011 باقتحام السفارة وتدمير محتوياتها بعد تجاوز الجدار الخرساني الذي أقامته السلطات لحمايتها.

في تلك الليلة، التي كنت أحد الحاضرين فيها، تجمع المئات من شباب مصر الغاضبين من تطبيع حكومات بلادهم المتلاحقة مع العدو، وقرروا إزالة وصمة وجود سفارة للكيان الصهيوني في عاصمتهم، وتسلق شاب طوابق البناية الشاهقة وصولاً إلى الطابق الأخير، حيث توجد السفارة، وقام بانتزاع العلم الإسرائيلي المرفوع في سماء القاهرة، وسط تهليل وثناء المتجمعين.

لاحقاً، طاردت السلطات مقتحمي السفارة، واشتبكت معهم، وأسفرت الاشتباكات عن مصرع بضعة أشخاص وإصابة المئات واعتقال العشرات، لكن ظلت السفارة مغلقة أربع سنوات، حتى أعيد افتتاحها مجدداً في سبتمبر 2015، بعد أن استعاد الجيش حكم البلاد بانقلاب عسكري على الثورة بحجة إزاحة الإخوان من الحكم.
المساهمون