صعّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً من حملتها ضد التجار المقدسيين في واحدة من أهم أسواق البلدة القديمة من القدس، وهو حي باب حطة المتاخم للمسجد الأقصى بعد سلسلة من المداهمات والاقتحامات التي نفذت أمس الأحد، وأفضت إلى إرغام أكثر من ثلاثين من أصحاب المحال التجارية على إغلاق محالهم بعد فرض مخالفات وضرائب خيالية، بادعاء افتقاد محالهم لشروط السلامة والصحة العامة.
ووصف المقدسيون حملة الاحتلال بأنها تمهد لإجراءات إسرائيلية أكثر خطورة تتعلق بتغيير الوضع الديمغرافي في المدينة المقدسة، وضرب مقومات صمودهم، بالتزامن مع دعم ما يسمى "لجنة التشريع" في حكومة بنيامين نتنياهو أمس، لمشروع قانون يسمح بسحب إقامات الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس ومرتفعات الجولان، وهو ما اعتبره خبراء يمهد لإجراءات طرد واسعة النطاق وترحيل قسري للمقدسيين.
ويقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية، زياد الحموري، لـ"العربي الجديد"، إن هذه الإجراءات طبقت بداية على أربعة من نواب القدس في المجلس التشريعي الفلسطيني تم إبعادهم إلى رام الله، وتبعتها عشرات أوامر الإبعاد المؤقت عن القدس إلى الضفة الغربية، وإلى مدن داخل فلسطين المحتلة عام 1948، بحق نشطاء مقدسيين اتهموا بمقاومة الاحتلال.
وتطرق الحموري إلى أن التهديد بسحب الإقامات وإسقاط الجنسية عن فلسطينيي الداخل، ومن بينهم أعضاء كنيست أمثال حنين الزعبي وميشيل غطاس، ومن قبلهما عزمي بشارة، سبقت إقرار هذا التشريع الذي يندرج في إطار الصراع الديمغرافي.
ويرى الحموري، أن ما حدث أمس في حي حطة المتاخم للمسجد الأقصى يعد الأخطر، حيث أرغم العشرات من أصحاب المحال التجارية على الإغلاق بعد فرض غرامات مالية عالية عليهم، وإغلاق مطعم للوجبات السريعة بذريعة عدم حصوله على ترخيص من بلدية الاحتلال، ومطالبة باقي أصحاب المحال بمواءمة محلاتهم للشروط التي تفرضها بلدية الاحتلال ودائرة الصحة فيها، من حيث تجديد التراخيص والقيام بإجراءات تتعلق ببنية تلك المحلات، وهي ذريعة تتخذها سلطات الاحتلال لتفريغ أسواق البلدة القديمة.
ويقول حجازي الرشق، أمين سر الغرفة التجارية في القدس المحتلة، لـ"العربي الجديد"، إن "الحملة الاحتلالية تطاول معظم أسواق البلدة القديمة، مع تركيز خاص على حي باب حطة، حيث اتسمت حملة الدهم هناك بطابع انتقامي كما هو الحال في الأحياء التي تشهد مقاومة عنيفة للاحتلال مثل حارة السعدية، وشارع الواد، وسوق السلسلة".
وأكد الرشق ارتفاع عدد المحلات التي أغلقها أصحابها على مدار العامين الماضيين، إلى أكثر من 400 محل تجاري بسبب الإجراءات العقابية والضرائب، في وقت تشهد أسواق البلدة القديمة ركودا تجاريا بفعل تدابير الاحتلال الأمنية المشددة على بوابات القدس القديمة، ما أدى إلى عزوف المواطنين عن الوصول إلى هناك تجنبا لإخضاعهم للتفتيش المهين من قبل جنود الاحتلال.
ويؤكد تجار حي باب حطة، أنهم باتوا هدفا لملاحقات يومية من قبل دوائر إسرائيلية مختلفة، خاصة سلطة الضرائب، وبلدية الاحتلال ودائرة الصحة فيها، ما دفع أصحاب حوالي 20 محلا تجاريا في الحي قبل عملية الدهم أمس إلى إغلاق محالهم، وهي في غالبيتها مخابز وبقالات ومطاعم صغيرة.
وفي هذا الشأن، يقول حازم أبو سنينة، صاحب أحد المخابز، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه المداهمات تضطر التجار إلى فتح أبواب محلاتهم لبضع ساعات، وفي كثير من الأحيان تبقى هذه المحلات مغلقة تجنبا لتعرضهم لأي مخالفات وغرامات تفرض عليهم. السوق هنا في حالة ركود والأشغال فيها ضعيفة، في مقابل ذلك لا تتوقف سلطات الاحتلال عن مداهماتها وفرض الغرامات والمخالفات علينا".
وكان استيلاء المستوطنين على عقار في قلب الحي يتاخم المحال التجارية عاملا مهما في تصعيد الاحتلال لإجراءاته ضد المواطنين والتجار بتحريض من المستوطنين الذين يدعون تعرضهم لهجمات منتظمة من قبل شبان الحي، في حين كان لأهالي الحي موقف يسجل لهم في هبة الأقصى الأخيرة حين حاولت سلطات الاحتلال وضع بوابات إلكترونية قسرا على أبواب الأقصى.
ويؤكد المواطن المقدسي عمار ياسر الرازم، وهو صاحب مطعم ساندويشات خفيفة، لـ"العربي الجديد"، أن "حارة باب حطة مستهدفة على الدوام، والاحتلال يسعى لإغلاق جميع محلاتها، من خلال الضغوط التي يمارسها على التجار من استدعاءات للتحقيق لدى بلدية الاحتلال ودائرة الصحة فيها، إلى فرض الغرامات العالية".
وغرم الرازم قبل عامين بمبلغ 30 ألف شيقل بالعملة الإسرائيلية، وحولته دائرة الصحة إلى المحكمة بحجة "عدم وجود رخصة لفتح مطعم"، وعلى هذا المنوال يعاني غيره من التجار في الحي، أمثال عاطف أبو سنينة، الذي فرضت عليه بلدية الاحتلال شروطا تعجيزية مقابل موافقتها على تجديد رخصة مخبز الكعك الذي يملكه.
وروى أبو سنينة لـ"العربي الجديد"، عن إجراءات التراخيص المعقدة التي تفرضها سلطات الاحتلال، وهي تقريبا الإجراءات ذاتها للحصول على رخص بناء من حيث طول المدة التي تستغرقها، والرسوم المالية العالية التي تستنزف التجار.