أسماء لاتينية لعرب فرنسا

11 فبراير 2018
يناضل العرب لإثبات فرنسيتهم (دومينيك فاغيت/ فرانس برس)
+ الخط -
يحاول كثير من العرب في فرنسا أن يتداركوا كلّ الأسباب المحتملة التي تؤدي إلى العنصرية ضدهم، فيمنح البعض أبناءه أسماء لاتينية، أو على الأقل عربية لكن خفيفة على الفرنسيين، بينما يرى آخرون أنّ العنصرية باقية باسم لاتيني وبغيره

ينصح الكاتب الفرنسي العنصري إيريك زمور، وهو من أصول يهودية جزائرية أمازيغية، عرب ومسلمي فرنسا بالذوبان في المجتمع الفرنسي، وأن يبدؤوا هذا الذوبان، كما فعل اليهود من قبلهم، بتغيير أسمائهم ليحملوا أسماء لاتينية، كما فعل هو باسمه الأول. الفكرة شائعة لدى قطاع عريض من الفرنسيين من منظرّي اليمين، ممن يقولون إنّ الأسماء العربية تستفزهم. وحتى القيادي الأسبق في حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، فريد سماحي، وهو من أصول عربية إسلامية، كرر الطلب نفسه في لقاء معه قبل سنوات.

لكنّ الأمور ليست بمثل هذه البساطة. فليس تغيير الاسم وحده كفيلاً بتحقيق الاندماج، إذ ليست هناك وصفة سحرية يمكنها تغيير مصائر الناس وأقدارهم. والحقيقة أنّ العرب والمسلمين لم ينتظروا سهام إيريك زمور ولا غيره من المطالبين بتبني أسماء لاتينية، فقد سارعت عائلات عديدة إلى منح أبنائها وبناتها أسماء لاتينية. لكنّ الأمر لم يتخذ صفة قرار جماعي بعد، كما أنّ الأصول الاجتماعية والقروية أو الحضرية تلعب دوراً في الإقدام على هذا القرار كما يقول السوسيولوجي الفرنسي قدور زويلاي.


من جهته، يقول أستاذ مغاربي متقاعد إنّه أطلق على ابنته اسم "ليلى"، وهو اسم اعتادت عليه الأذن الفرنسية وتتسامح معه، لكنّه اختار اسم "إسماعيل"، لابنه، بوحي من رواية "موبي ديك" لهرمان ملفيل. لكن، إذا كانت خيارات ثقافية لعبت دوراً في اختيار هذا المتقاعد أسماء ابنه وابنته، فإنّ عائلات بأسرها، خصوصاً تلك الملتزمة دينياً، ما زالت تنظر إلى منح الاسم باعتباره طقساً دينياً وليس مجرد اختيار اسم بالصدفة من بين مجموعة أسماء. وهو ما يفسّر شيوع الأسماء الأصيلة، التي تكثر في البلدان العربية والإسلامية، من قبيل أسماء الرسول والأنبياء والصحابة، والأسماء المرتبطة بأسماء الله الحسنى.

وإذا كانت العنصرية الزاحفة في فرنسا ساهمت في تفكير عائلات عربية باختيار أسماء "أقل صدمة"، فقد جاءت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، واتهام أسامة بن لادن بالوقوف وراءها، لتضاعف من هذه العنصرية ومن تصاعد الإسلاموفوبيا.

تعترف لنا السيدة هند، وهي مغربية، أنّ أحد أبنائها، وكان في سن السابعة، واسمه أسامة، عانى الكثير من إهانات وسخرية أقرانه وبعض المدرّسين، الذين لم يحافظوا على حيادهم. وتروي أنّه كان يبكي ويسألها عن سبب اختيارها اسم أسامة له.

العائلات العربية الإسلامية أمام خيارات عديدة، من بينها اختيار أسماء لاتينية، وهي حال زوجين شابين قررا أن يبادرا من البداية، إلى التفكير في مستقبل واعد لأبنائهما: "أتينا إلى هنا، كي نبقى، لا لنبحث عن وطن آخر. ولهذا أطلقنا على مولودنا الأول جان بيير. وهي علامة على الاندماج" يقول الزوج.

في الوقت الذي يزداد فيه عدد من يلجأ إلى هذه الحلول، وقد كرّسها لاعب كرة القدم الفرنسي، الجزائري الأصل، زين الدين زيدان (زوجته إسبانية) حين أطلق أسماء لاتينية على كلّ أبنائه، يلجأ آخرون إلى أسماء يصعب تحديد أصولها، مثل ناديا وماريا وميريام وليديا وساندرا وصوفيا وغيرها.

عائلة المرابطي، لم تجد أفضل من نحت اسم ليلى لابنتها، مستخرجة منها "ليليا". وتبرّر العائلة الخيار بأنّه قريب من ليلى كما أنه سهل النطق. كذلك، ينتشر اسم "إيناس" في فرنسا، والسبب أنّ الفرنسيين استساغوه إذ وجدوا فيه تقارباً كبيراً مع الاسم الفرنسي "أنييس".

المهمّ عند الكثير من الأسر هو أن تبتعد أسماء أبنائهم بعض الشيء عن الأسماء الرنانة التي تحيل على الفور إلى المرجعيات العربية والإسلامية، وهو ما أفسح المجال أمام انفجار حقيقي في أسماء ياسين وياسر وإلياس، وهي أسماء تجد لها أذناً مقبولة. والحقيقة هي أنّ كلّ تسمية تظل فريدة ولها قصة تُروى. فإذا كان جواد، وهو حديث العهد بفرنسا وحصل على أوراق إقامته قبيل فترة قصيرة، أطلق اسم ياسين على ابنه الأول، لا يعرف السبب الحقيقي لذلك فهو يقول: "مررت بملعب كرة قدم فيه أطفال يلعبون وسمعت اسم ياسين، فقلت سيكون اسماً لابني المقبل"، فإنّ الاسم نفسه يتخذ عند عائلة أخرى، أكثر تديناً، تفسيراً آخر. يقول رشيد بن علي: "كنت أريد أن أطلق اسم محمد على ابني، محبة بالرسول، لكن أمام ضغط العنصرية، قلت سأختار اسماً من أسماء رسول الله، فاخترت ياسين".

من المؤكد أنّ كثيراً من هذه المرجعيات الدينية لا تحضر عند الجميع. لكنّها حاضرة، بقوة لدى فئة لا تكترث بما سيقوله الناس. وعندها يسمى الأبناء بأسماء الرسول وصحابته وآله وزوجاته. يقول لنا عماد، وهو مهندس إلكترونيات، إنّ "من السذاجة أن أتصور أنّ إطلاق اسم جان بيير على أحد أبنائي سيضمن له مستقبله. على العكس، أنا أرى أنّ ما سيضمن مستقبله هو نجاحه في دراسته، وحينها سيحتاجون إليه سواء كان اسمه محمداً أو هنري". يواصل: "لكن، إذا افترضنا أنّ الاسم تغيّر فما الذي سيغير سحنة الوجه؟". يضرب عماد مثالاً معبراً: "الكثير من السِيَر الذاتية المهنية يُرفَض الردّ عليها، ليس لأنّ أسماء المتقدمين إليها ليست فرنسية، بل لأنّ سحنات وجوههم تدل على أصول غير فرنسية، فما الذي سيفعله الاسم لهم في هذه الحال؟".



يعود السوسيولوجي قدور زويلاي للتأكيد على أنّ العنصرية وباء يجب التصدي له عبر كلّ الوسائل، وهو ما يفرض على الدولة مسؤوليات أكبر، من بينها تعميم "السيرة الذاتية المهنية المجهولة" حتى لا تخرج العنصرية براثنها كلّ مرة. وبخصوص إيريك زمور ونصيحته عرب ومسلمي فرنسا، يرد زويلاي: "يخطئ زمور في المقارنة بين اليهود والمسلمين. لأنّ الأوروبيين اعتبروا منذ فترة طويلة اليهودية ديناً أوروبياً، ويتحدثون عن الثقافة اليهودية- المسيحية، أما الإسلام فما زال حديث العهد في القارة". ينهي حديثه بهذه الخلاصة المتفائلة: "لا شيء أهم من الاندماج عن طريق التعليم. والعالم كله، يتجه تقريباً، ربما مع بعض المقاومة في فرنسا، إلى مجتمعات متعددة الثقافات. وفي هذه المجتمعات لن يكون الاسم عائقاً، بأيّ شكل من الأشكال. تكفي المُواطَنة الحقة والمستوى الدراسي والعلمي" وهو ما يعبر عنه بيت الشعر القديم: "كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيكَ محمودُه عن النسب".
المساهمون