30 عاماً على زلزال أرمينيا

07 ديسمبر 2018
صغيرتان قتلهما الزلزال (فلاديمير سميرنوف/ Getty)
+ الخط -

في مثل هذا اليوم قبل 30 عاماً، شهدت جمهورية أرمينيا السوفييتية آنذاك، زلزالاً مدمراً يُعد إحدى أكبر الكوارث الطبيعية في التاريخ، وقد شمل نحو نصف أراضي الجمهورية، وحصد أرواح نحو 25 ألف شخص، وتسبب في إصابة 140 ألفاً آخرين، وتشريد نحو نصف مليون مواطن.

بدا صباح السابع من ديسمبر/ كانون الأول 1988 يوماً عادياً. كان التلاميذ في المدارس والبالغون في أعمالهم، إلى أن بدأ زلزال بالغ القوة قبيل منتصف اليوم. استمر الزلزال المدمّر 30 ثانية، وكان الوقت كافياً لمحو مدينة سبيتاك، وقد بلغت قوته عشر درجات على مقياس ريختر. وتسبب في دمار مدن أخرى ومئات القرى، لتصبح الأوضاع في المنطقة المنكوبة غير صالحة للعيش لفترة طويلة.

الصمت بعد ضجيج انهيار المباني لم يدم طويلاً، إذ امتلأت الشوارع بالصرخات بعدما هرع الناس للبحث عن ذويهم بين الأطلال التي كانت قبل دقائق بيوتاً ومدارس ومتاجر. ووصف المشرف على أعمال إزالة تداعيات الزلزال، نيقولاي تاراكانوف، حالة سبيتاك بأنها كانت أسوأ حتى من محطة تشيرنوبل النووية في جمهورية أوكرانيا السوفييتية، التي وقع انفجار في أحد مفاعلاتها في عام 1986. وقال تاراكانوف في ذكرياته: "في تشيرنوبل، حصلت على حصتك من الأشعة وانتهى الأمر، فهي عدو غير مرئي. أما هنا، فكانت جثث ممزقة وصرخات تحت الأنقاض. لذلك، لم تكن مهمتنا الرئيسية المساعدة وإخراج الأحياء من تحت الأنقاض فحسب، بل كذلك دفن القتلى".




تحوّلت بيوت سبيتاك إلى مقابر للموتى والأحياء على حد سواء، وظلّ بعضهم عاجزاً عن الحركة لبضعة أيام من دون أن نعلم ما إذا كان سيأتي أحد لنجدتهم. ومن بين الوقائع التي سرعان ما انتشر صداها في أعقاب الزلزال، قصة امرأة وابنتها (ثلاثة أشهر)، تمكنتا من النجاة بعد البقاء أسبوعاً كاملاً تحت الأطلال.

في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 1988، بدأت المساعدات الإنسانية تصل إلى أرمينيا على متن الطائرات القادمة إلى مطاري يريفان ولينيناكان. ولم تكن المساعدات المتمثلة في الأدوية وأكياس الدم والمعدات الطبية والملابس والمواد الغذائية قادمة من الاتحاد السوفييتي فحسب، بل كذلك من العديد من دول العالم التي أبدت تضامناً مع هذه الكارثة الإنسانية. حتى الفنان العالمي الراحل الأرميني الأصل، شارل أزنافور، توجه إلى يريفان حاملاً معه مساعدات إنسانية للفت أنظار المجتمع الدولي إلى الأوضاع في المنطقة المنكوبة.

وعلى عكس عادة السلطات السوفييتية في إخفاء المعلومات عن الكوارث الطبيعية، خصصت نشرة الأخبار المسائيّة في يوم الزلزال كاملة لأحداث أرمينيا، بينما قطع آخر زعماء الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، زيارته إلى الولايات المتحدة، قادماً إلى المنطقة المنكوبة برفقة زوجته يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول.

وفي مقابل التضامن الذي تجلى بوضوح أثناء زلزال أرمينيا، استغل المخربون حالة الفوضى العارمة لنهب المصارف والمتاجر والاستيلاء على أملاك الضحايا. ووصل الأمر إلى أخذ المجوهرات من جثامين الموتى مباشرة، ما اضطر السلطات السوفييتية إلى توظيف 20 ألف عسكري للسيطرة على الوضع ومساعدة المتضررين. ومن تداعيات الزلزال المدمّر أيضاً زيادة حركة هجرة الأرمن إلى الخارج، وزيادة نسبة الجالية الأرمينية حول العالم، والتي تقدر بعشرة ملايين، أي أضعاف عدد السكان في الداخل.




ومع مرور السنوات وتراجع مكانة زلزال أرمينيا في الذاكرة التاريخية لشعوب الاتحاد السوفييتي، تتجلى محاولات جديدة لحفظ ذكراه عبر تناوله في أعمال فنية، وفي مقدمتها السينما الأرمينية والروسية، كونها الأكثر انتشاراً في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. ومن آخر هذه الأعمال، فيلم "الزلزال" للمخرج الروسي الأرميني ساريك أندرياسيان، أنتج عام 2016، ويتناول قصة رجل (45 عاماً) يصل إلى أرمينيا لزيارة أسرته يوم وقوع الزلزال. وفي فيلم آخر بعنوان "سبيتاك" جرى عرضه الأول في إطار دورة مهرجان موسكو السينمائي هذا العام، ربط مخرجه الروسي ألكسندر كوت، هو الآخر بين أرمن المهجر ووقوع الزلزال في وطنهم، إذ يتوجه البطل الرئيسي المقيم في موسكو منذ سنوات إلى سبيتاك بمجرد علمه بما جرى. وتزامناً مع حلول الذكرى الثلاثين لهذه الكارثة الطبيعية، قررت أرمينيا ترشيح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، ما سيساعد في زيادة فرص عرضه في الخارج وتعريف العالم بمثل تلك الأحداث المأساوية.