تستمرّ احتجاجات عدول الإشهاد في تونس، على خلفية مشروع قانون يتناولهم لم يتمّ إطلاعهم عليه، على الرغم من أنّهم المعنيّون الأوائل. ويهدّدون بالتصعيد في حال لم تؤخذ مطالبهم بعين الاعتبار.
"القوّة التنفيذية للحجّة الرسمية تعتبر سنداً تنفيذياً للتقليص من عدد القضايا المرفوعة أمام القضاء، لأنّها خطوة تختزل إجراءات التقاضي وتخفف من اكتظاظ المحاكم بقضايا عدّة تكون فيها الديون ثابتة، وهي لا تحتاج إلى إثبات أو حكم لإثبات الدين. يكفي أن تكون الديون أو الشيكات مثبتة لتنفيذ الحكم من دون إثقال كاهل القضاة بقضايا مؤكدة بالحجّة". هذا أبرز مطلب لعدول الإشهاد (كتّاب العدل) في تونس منذ إبريل/ نسيان 2010، والذي تجدد بعد الثورة ابتداءً من عام 2012، بحسب ما يقول عدل الإشهاد (كاتب العدل) عمر العبيدي لـ"العربي الجديد". يضيف أنّه "بعد مفاوضات دامت أكثر من سبعة أعوام، أرسلت في العام الماضي نسخة من مشروع القانون الجديد إلى رئاسة الحكومة من دون إطلاع أهل المهنة على فصوله أو التنقيح الذي أدخل على القانون القديم. وهو ما دفع بعدول الإشهاد إلى تنفيذ أكثر من تحرّك احتجاجي طيلة الأعوام الماضية".
ويشير العبيدي إلى أنّه "من غير المعقول أن تنقّح قوانين عدّة منظّمة لبعض المهن، بينما تبقى مهنة عدول الإشهاد تسيّر وفق قانون يعود إلى عام 1994"، مشدّداً على "ضرورة تطوير المهنة وفقاً للمعايير الدولية إلى جانب منح اختصاص تحرير عقود الرهن في العقارات غير المسجلة والتوكيلات المتعلقة بكل التصرفات القانونية بالعقارات إلى عدل الإشهاد دون غيره". ويوضح أنّ "عدول الإشهاد بمعظمهم قدّموا مقترحات لتوسيع مجالات مهامهم لا تتدخل في صلاحيات ولا اختصاصات أيّ مهنة أخرى، لا سيّما منها مهنة المحاماة المنافسة لها، وكذلك حاولوا الحصول من خلال المقترحات على بعض المكاسب المهنية المهمة جداً لهم".
يشرح العبيدي أنّ "من الصلاحيات المطالب بها إمكانية تحرير عقود القرض والرهن وعقود الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، مع التنصيص على مقترح أحقية تمثيل عدل الإشهاد لزبائنه أمام المحكمة العقارية في كل ما يتعلق بمطالب التسجيل والتحيين (التحديث) والتدخل فيها، وكذلك أمام المحاكم الأخرى في كل ما يتعلق بإصلاح حالتهم المدنية وإصلاح العقود الموثقة عن طريق حجج عادلة. ويتابع العبيدي: "إلى جانب اختصاصات أخرى لها أثرها الإيجابي في تمويل الميزانية العامة للدولة من خلال الأموال المستخلصة جبائياً، وتمكين الدولة عبر ممثلها ووكيلها عدل الإشهاد المحرر للعقود من مراقبة انتقال الأموال بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين والإبلاغ عن الأموال المشبوهة في نطاق نشاط عدل الإشهاد، كذلك فإنّ كل كتاب مسجل في الدفاتر الخاصة بالعدول يكون خاضعاً للتسجيل ومكشوفاً لمصالح الرقابة". أمّا في ما يتعلّق بالحجّة التنفيذية، فيقول العبيدي إنّها "آلية تستعمل في دول أوروبية عدّة وأخرى عربية، خصوصاً الدول المغاربية، لأنّها تختزل إجراءات للتقاضي والتقليل من عدد القضايا بالمحاكم".
لكنّ عدم الاستجابة لهذه المطالب أجّج احتجاجات أهل القطاع، فراحوا يطالبون أكثر بسحب مشروع القانون المشار إليه آنفاً ورفض تمريره من دون استشارة أهل القطاع. والاطلاع على مضامين القانون ضرورة قبل المصادقة عليه وتمريره إلى البرلمان. كذلك أكّد هؤلاء في البيانات التي أصدروها بمعظمها، تمسّكهم بحقهم في قانون ينظّم مهنتهم ويحميهم من الاعتداءات التي تتكرر، مهدّدين بمواصلة التحركات الاحتجاجية والدخول في إضراب قطاعي عام.
من جهته، يشير رئيس الجمعية الوطنية لغرف عدول الإشهاد، قيس قتادة، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "وزارة العدل لم تلتزم بالاتفاقيات السابقة ومررت القانون من دون إعطاء نسخة منه إلى أهل المهنة للاطلاع عليه"، مستغرباً "عدم استشارة حتى هياكل القطاع". يضيف أنّ "المشروع القديم المنظم للمهنة كان قد مرّ بمراحل طويلة من المفاوضات منذ عام 2010 وحتى عام 2014، قبل أن يتمّ الاتفاق في عام 2015 على صياغة مشروع قانون بالاشتراك والتفاوض مع وزارة العدل مع تضمينه مقترحات عدّة قدّمها عدول الإشهاد لتطوير مهنتهم وفق التجارب والقوانين المقارنة، إلى جانب التركيز على عنصر مهم في القانون الجديد يتعلّق أساساً بالقوة التنفيذية للحجّة الرسمية التي تمّ إدراجها من ضمن فصول المشروع في يوليو/ تموز من عام 2017". ويتابع قتادة أنّ "الوزارة تراجعت عن كلّ الاتفاقيات السابقة ومحاضر الجلسات، خصوصاً مقترح القوة التنفيذية. وقد قدّمت مشروعاً آخر إلى رئاسة الحكومة غير المشروع المتفق عليه، وهو ما جعلنا نتمسك بسحب المشروع قبل المصادقة عليه".
وعن الحجّة التنفيذية، يوضح قتادة أنّها "إجراء يساهم في مكافحة الفساد، إلى جانب الدور الكبير في تقليص نسب الخسارة للمستثمرين وحمايتهم من طول مدّة التقاضي وارتفاع مصاريفه". ويلفت إلى أنّ "الجمعية راسلت وزارة العدل أكثر من مرّة، ليُصار لاحقاً إلى إرسال عدل منفذ إلى الوزارة ورئاسة الحكومة لسحب المشروع قبل المصادقة عليه"، مؤكداً "مواصلة التحركات الاحتجاجية مع إمكانية اللجوء إلى القضاء الإداري".
في سياق متصل، كانت الهيئة الوطنية للمحامين في تونس قد أصدرت بياناً قبل مدّة، جاء فيه أنّ "مشروع قانون مهنة عدل الإشهاد غير دستوري وأنّ إكساء محررات عدول الإشهاد القوة التنفيذية اعتداء على اختصاصات المحامي ويمسّ بمبدأ التقاضي على درجتَين". بالنسبة إلى الهيئة، فإنّ القوة التنفيذية سوف تؤدّي إلى انخفاض عدد القضايا المرفوعة لدى المحاكم ولن يكون دور للمحاماة.