مع اقتراب موعد امتحانات الفصل الأوّل، نهاية شهر ديسمبر/كانون الأوّل الجاري، في مصر، ارتفعت تكلفة الدروس الخصوصية التي صارت متوفّرة في معظم القرى والمدن في البلاد. وتكثر الإعلانات من قبل المدرّسين في مختلف التخصّصات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في الشوارع وأمام المدارس، في تحدٍّ كبير من قبل هؤلاء للقرارات الحكوميّة بمنع هذه الدروس.
ولا تتوقّف الإعلانات عند هذا الحدّ، بل تتضمّن بعض الإغراءات، كالحضور إلى منزل التلميذ في أيّ وقت. كما يستعرض المعلن (المدرّس) مهاراته التعليميّة الكبيرة لجذب زبائنه، أي التلاميذ وأولياء الأمور. ويتوجّه ملايين من الفتيان والفتيات، حاملين كتبهم ومذكّراتهم إلى هذا المنزل أو ذاك أو إلى "مركز للدروس الخصوصية أو إحدى القاعات التي أُجّرت لهذا الغرض"، في وقت يكون تلاميذ آخرون قد اتفقوا مع المدرّس ليقصد منزل أحدهم ويعطيهم درساً خصوصياً فيه. وتعلن الحكومة، على لسان وزير التربية والتعليم طارق شوقي، أنّها في طريقها إلى تجريم الدروس الخصوصيّة والحرب عليها من أجل القضاء على تلك الآفة، إلا أنّ الظاهرة مستمرة.
وتتسبب الدروس الخصوصيّة في صداع مزمن لأولياء الأمور في مختلف المحافظات المصرية، فضلاً عن الضغط النفسي الذي تعيشه العائلات منذ بداية العام الدراسي، فهم يُنفقون عليها كثيراً من المال. كذلك يجدون أنفسهم مجبرين على مواكبة متطلّبات الحياة، علماً أنّ أصحاب مراكز الدروس الخصوصية رفعوا أسعار الحصص والمذكرات وملازم المراجعات. وتشير دراسات حديثة إلى أن نسبة التلاميذ الذين يلجأون إلى الدروس الخصوصية لزيادة تحصيلهم العلمي في مصر تقدّر بنحو 96.5 في المائة، وذلك بسبب ضعف مستوى التلاميذ، والرغبة في الحصول على معدلات عالية، وضعف المستوى العلمي والتربوي لبعض المدرّسين، بالإضافة إلى اكتظاظ التلاميذ في حجرات الفصول، وبالتالي الرغبة في الحصول على معلومات أكثر.
وبدأ مدرّسون في مصر حالياً بإعداد ملازم توقّعات للامتحانات، يضمّنونها خلاصة أسئلة الكتاب المدرسي ونماذج الوزارة وبعض الأسئلة من كتب أخرى وأسئلة الامتحانات السابقة. أمّا الأسعار، فتختلف بحسب شكل الملزمة وحجمها. أحياناً، يصمّم بعض المدرّسين ملازمهم، مستخدمين الألوان، بهدف جذب عدد كبير من التلاميذ لشرائها، ويتراوح سعرها ما بين 40 و50 جنيهاً مصرياً (نحو 2.3 - 2.8 دولار أميركي).
ويُلاحظ أنّه في خلال الشهر الجاري، يختفي التلاميذ من المدارس. وبالفعل، شهدت المدارس في مختلف المحافظات المصرية ارتفاعاً شديداً في نسب الغياب، أخيراً. وقيل إنّ الغياب الجماعي جاء بناء على أوامر من قبل القائمين على تلك المدارس، بهدف التفرّغ لمراكز الدروس الخصوصية التي صارت بديلاً في مصر يعتمد عليها التلاميذ بشكل رئيسي. وقد توجّه عدد من المدرّسين إلى طباعة الملازم لتوزيعها على التلاميذ في تحدٍّ للنظام.
يقول محمد عامر، وهو ربّ أسرة، إنّ "الدروس الخصوصية وأسعار الملازم التي انتشرت حالياً والحصص الإضافية، صارت غولاً يستهدف الأسر المصرية بصفة يومية، مبدياً انزعاجه ممّا وصل إليه حال التعليم في مصر، ومن جشع المدرّسين بعد إغلاق المدارس من أجل إجبار التلاميذ على تلك الدروس". أمّا خالد سلطان، فيسأل: "متى يتم تطوير التعليم الذي أكد عليه وزير التعليم مراراً وتكراراً أنه سيتم مع الصف الأول الثانوي لهذا العام؟"، مشيراً إلى أنّه ينفق يومياً أكثر من 150 جنيهاً (نحو ثمانية دولارات) على ابنته وهي تلميذة في الصف الأول الثانوي. ويوضح أنّ "تكلفة الدروس ترتفع كل عام عن سابقه"، مشيراً إلى أنّه "لو أتقن المدرّسون عملهم في المدارس واهتموا بتعليم التلاميذ، لما احتاج أبناؤنا إلى دروس خصوصية، ولما تكلفت الأسر المصرية كل ذلك العناء ولما تمّ استنزافها مادياً".
من جهته، يقول محمد جاد، وهو مدرّس، إنّه يعطي دروساً خصوصية بسبب ظروفه المادية الصعبة، وأنّ راتبه الحكومي لا يكفي احتياجات أسرته، مؤكداً أنّ "الحكومة ما زالت تنظر إلى المدرّس نظرة دونية. وهذا ما دفعني وغيري إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية". ويعترف بـ"حالة الفوضى التي تمرّ بها المدارس حالياً وتكدّس التلاميذ في الفصول، واتجاه زملائي إلى العمل في المراكز".
ويرى زميل لجاد، فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ "انتشار الدروس الخصوصية في مصر ظاهرة اجتماعية راحت تتجذّر في المجتمع"، متهماً الحكومة بأنّها "مسؤولة عن عدم المتابعة الحقيقية لأحوال المدارس". يضيف أنّ "طريقة الامتحانات ساعدت على تعاظم تلك الظاهرة، لا سيّما أنّ الامتحانات تفتقر إلى مهارات التفكير ولا تقيس مستوى ذكاء التلميذ وفهمه". ويتابع المدرّس نفسه أنّ "الدروس الخصوصيّة غير صحية، وتُطرَح تساؤلات عدّة حول أسبابها"، مشيراً إلى أنّ "المدرّس والتلميذ والأسرة والحكومة يشتركون جميعاً في انتشارها. وهكذا تجد الأسرة نفسها أمام أعباء مالية جديدة تُضاف إلى أزماتها المالية اليومية". ويكمل أنّه مع اقتراب موسم الامتحانات، يزداد الإقبال على الدروس الخصوصية، التي باتت منتشرة بصورة ملحوظة بين التلاميذ الذين لا يستطيعون النجاح من دونها، لتصير هي القاعدة الأساسية في ما يتعلق بحصول التلميذ على أعلى الدرجات.