أكثر من سبعين عراقياً مهددون بالسجن لفترات متفاوتة يصل بعضها الى المؤبّد في خلال الأيام والأسابيع المقبلة، بتهمة "الدكة العشائرية" التي أقرّ مجلس القضاء الأعلى وهو أعلى سلطة قضائية في البلاد، بالتعاون مع وزارة الداخلية، إدراجها في قائمة الجرائم الإرهابية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وقد اعتقلت القوات العراقية عشرات بهذه التهمة، بينما توالت البيانات العسكرية المحلية التي تعلن عن سيطرتها على عدد من "الدكات" قبل وقوعها. آخرها وأكثرها وقعاً كان إعلان محكمة التحقيق في محافظة ميسان، جنوبي العراق، في بيان رسمي لها عن توقيف 44 متهماً بـ"الدكة" في المحافظة، مضيفة أنّها سوف تتخذ الإجراءات بحقهم "وفقاً لأحكام قانون مكافحة الإرهاب".
قبل ذلك، كانت الشرطة المحلية في العاصمة بغداد قد أعلنت عن ملاحقة عدد من ممارسي الدكة التي تحوّلت إلى ظاهرة لابتزاز المواطنين، بحسب حقوقيين عراقيين ومسؤولين. وقد اعتقل ثمانية أشخاص بالجرم المشهود، في أثناء حملهم السلاح وتوجههم إلى أحد البيوت في منطقة سبع البور، شمالي بغداد. ويُنتظر في بغداد والمحافظات الأخرى محاسبة أولى دفعات المتّهمين بهذا النوع من الجرائم الإرهابية.
ما هي "الدكة العشائرية"؟ يمكن تلخيصها بإقدام مسلحين ينتمون إلى قبيلة معينة على تهديد أسرة في بيتها تنتمي إلى قبيلة ثانية، فتتمّ الدكة عبر عملية إطلاق نار بمختلف الأسلحة بما فيها الثقيلة أو إلقاء قنابل يدوية أحياناً على منزل الجهة المستهدَفة، كتحذير شديد اللهجة بهدف دفعها إلى الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدَف، فإنّ الأمور قد تتطور لتؤدّي إلى وقوع ضحايا من الطرفَين. وشاعت "الدكة العشائرية" بصورة خطرة ولافتة عقب الاحتلال الأميركي للبلاد في عام 2003، في ظل انهيار مؤسسات الدولة العراقية الأمنية والقانونية. وتسبّبت في وقوع عدد كبير من الضحايا، حتى أعلن العراق أخيراً "اعتبار الدكات العشائرية من الجرائم الإرهابية، وضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم"، بحسب ما جاء في بيان مجلس القضاء الأعلى في البلاد. وأشار إلى أنّ "المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أُقرّ في عام 2005، تنص على أنّ التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه، يُعَدّ من الأفعال الإرهابية".
يقول مصدر في مجلس القضاء العراقي لـ"العربي الجديد" إنّ "القوات الأمنية في محافظات وسط البلاد وجنوبها تمكنت من اعتقال 70 متهماً بالدكة العشائرية، ومعظمهم اعتقلوا متلبسين بالجرم المشهود، أي في خلال اعتدائهم على منازل المواطنين"، مشيراً إلى أنّ "المعتقلين حالياً سوف يحاكمون بتهمة تخويف الناس ومحاولة قتلهم وإرهابهم، وعقوبتها إمّا الإعدام أو السجن المؤبد". يضيف المصدر نفسه أنّه "بعد توجيه مجلس القضاء الأعلى باعتبار الدكة العشائرية تهديداً وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، وتحوّل الممارسة من جنحة إلى جريمة، واعتماد العقوبة الجديدة وهي الإعدام أو المؤبد بدلاً من القديمة التي كانت تصل إلى السجن لمدّة خمسة أعوام، فإنّ المحاكم العراقية ملزمة بتطبيق القانون وعدم الخضوع للتأثيرات الاجتماعية والعشائرية".
من جهته، يشير المسؤول المحلي في محافظة بغداد، سعد المطلبي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "القانون الذي صدر عن القضاء العراقي بحقّ ممارسي الدكة العشائرية سوف يعيد إلى الدولة هيبتها، بالإضافة إلى هيبة القوات الأمنية ودور مخافر الشرطة المحلية، وسوف يساهم في حلّ النزاعات بطريقة قانونية غير العرفية المعروفة لدى العشائر، فضلاً عن الحدّ من الاستهتار". ويوضح أنّ "العشائر الأصيلة بمعظمها وقّعت تعهدات في بغداد بالتخلي عن أيّ شخص يمارس الدكة، ويُعَدّ عرفياً مكسور العصا أو مطروداً من القبيلة". يضيف أنّ "مشكلة تعاطي العشائر مع قوانين الدولة ليست جديدة، إنّما تعود إلى حقبة الحكم العثماني، حين كانت الدولة تتراخى قليلاً أو يُستبدَل حاكم بآخر، فتثور العشائر وتبدأ بغزواتها وخرقها للقانون".
في السياق، يقول النائب في البرلمان العراقي عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التعامل مع ملف الدكات العشائرية يتطلب وقتاً للقضاء عليها نهائياً، ولا يمكن لقرار أن ينهي كل الخروقات التي حصلت أو سوف تحصل"، مضيفاً أنّ "الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات الأمنية والقضائية في العراق، سوف يكون لها الأثر الكبير في الحدّ من هذه المسألة التي باتت تهدد المجتمع العراقي بشكل كبير". ويتابع أنّ "القانون لا بدّ من أن يبتعد عن المجاملات لدى بعض عناصر الأجهزة الأمنية، المجاملات التي قد تمنع تنفيذ هذا القانون بطريقة صحيحة".
أمّا الشيخ العشائري في البصرة، فايز السعد، فيلفت إلى أنّ "القوات الأمنية العراقية ومنذ إقرار قانون الدكات العشائرية، اعتقلت شخصَين فقط بهذه التهمة. والقبائل العربية في البصرة تدعم حالياً فرض القانون في العراق، لراعية حياة وأرواح المواطنين. وتجمعات عشائرية ومؤتمرات عدّة عُقدت في خلال الأسابيع الماضية، دعمت الدولة والقانون إذ إنّ الخارجين على القانون استغلوا العشيرة لممارسة أفعالهم الإرهابية". وعن عدم اعتراض العشائر العربية في جنوب البلاد على ممارسات "الدكة العشائرية" في خلال السنوات الماضية وتأييدها قانون تجريم "الدكة" بعد صدوره أخيراً، يقول السعد لـ"العربي الجديد" إنّ "العشائر العربية الأصيلة متفائلة لأنّ القانون الجديد سوف يخدم الجميع، وهي سوف تدعم المؤسسات الأمنية والشرطة المجتمعية والأجهزة القانونية لتنفيذ القرار. ويومياً، تقصد العشائر المؤسسات الأمنية لتفادي الخلافات العرفية واللجوء إلى القانون". ويوضح السعد أنّ "ثمّة أكثر من سبب جعل العشائر تؤيّد الدولة بهذا القانون، أبرزها ردع وجهاء كثيرين في الساحة العراقية، هم في الأصل ليسوا وجهاء عشائريين وإنّما أشخاص يتبعون مصالحهم الخاصة، وهم من الذين ارتدوا العقال مؤخراً".