"سجناء المهر" في إيران

21 نوفمبر 2018
حنّة للعريس قبيل حفل زفافه (إيريك لافورغ/ Getty)
+ الخط -

الوضع الاقتصادي متذبذب في إيران اليوم، لا سيّما في ظل العقوبات المفروضة على البلاد، الأمر الذي يؤثّر على معيشة المواطنين. وينعكس ذلك على الأسر وكذلك على الراغبين في تأسيس أخرى، في حين أنّ جدالاً أثير أخيراً حول ضرورة تخفيف الأعباء عن كاهل الشباب المقبل على الزواج. يُذكر أنّه درج تحديد مهور مرتفعة من قبل بعض عائلات الشابات المقبلات على الزواج، تقدّر بعدد كبير من ليرات أو مسكوكات الذهب التي تتجاوز المائة في بعض الأحيان. وبينما يعجز شبان كثيرون عن توفير ذلك، يتّفقون مع عائلة الزوجة المستقبلية على تدوين قيمة المهر في صكّ الزواج، الأمر الذي يجعلهم مدينين لها في القانون والعرف.

سلّطت وسائل إعلام إيرانية الضوء أخيراً على هذه المسألة التي راحت تتصدّر الصفحات الأولى من الصحف المحلية، بينما راح التلفزيون الرسمي يبثّ حلقات نقاش تهدف إلى التوعية للتوصل إلى حلول لما يُعَدّ عقبة في وجه الراغبين في الارتباط ويُعكّر صفو الحياة الزوجية. فنشرت صحيفة "آفتاب يزد" تقريراً موسعاً أكّدت فيه ارتفاع عدد الأزواج في السجون الإيرانية الذين يُسمّون اصطلاحاً "سجناء المهر"، وهو ما زاد من المطالبات بضرورة تحديد سقف للمهور التي يحق للزوجة الحصول عليها والمطالبة بها. ونقلت الصحيفة عن المدير العام لمؤسسة الديّة، أسد الله جولايي، قوله إنّ هؤلاء المساجين يحتلون المرتبة الثانية لجهة العدد من بين المسجونين في "جرائم غير عمد" بالبلاد ككل، مشيراً إلى أنّهم يزيدون عن 3600 شخص. وأوضح جولايي أنّ هؤلاء بمعظمهم من الفئة الشابة، وأنّ جلّهم غير قادرين على سداد مهر يقدّر بنحو 110 ليرات ذهب أو أقل، مؤكداً أنّ السلطات عدّلت سابقاً القانون المتصل، إذ إنّه لم يعد مسموحاً أن يُحبَس من يترتّب عليه مهر أعلى من 110 مسكوكات، فمن المستحيل سداد ذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية. وتابع جولايي أنّ السبب في ارتفاع عدد سجناء المهر في الفترة الأخيرة مرتبط بالوضع الاقتصادي، إذ إنّ ثمّة زوجات يلجأنَ إلى القضاء لتحصيل حقّهن من المهر، نظراً إلى ارتفاع سعر ليرات الذهب كذلك والذي ترافق مع انخفاض قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي. يُذكر أنّ المؤسسة المكلّفة بمساعدة المطالبين بدفع الديّة والمهور أصدرت بياناً أكّدت فيه أنّ عدد سجناء المهر ارتفع بنسبة 40 في المائة منذ شهر مارس/آذار الفائت، وبنسبة 71 في المائة في خلال الأعوام الخمسة الماضية.

في سياق متصل، تقول المستشارة في مركز نيكهمراه للاستشارات الزوجية، مريم عبد اللهي، لـ"العربي الجديد" إنّ "كثراً يراجعون المركز لوجود مشكلات تتعلق بسداد المهر"، مضيفة أنّ "شباناً كثيرين يوافقون على المهر المرتفع لمدّ جسر الثقة مع عائلة العروس، وهذا خطأ. لا يجب على الشاب أن يحمّل نفسه مسؤوليات ثقيلة، وعلى العائلات أن تتقبّل حقيقة أنّ ذلك لا يضمن زواجاً ناجحاً". وتتابع عبد اللهي أنّ "المهور تخلّف مشكلات بين أفراد العائلة الواحدة بعد الزواج، فتلك الدارجة في الوقت الراهن لا يمكن سدادها. لذا تُؤجّل وتُكتب في العقد الشرعي"، مشيرة إلى أنّ "70 في المائة من الشبان الإيرانيين باتوا يفضلون العزوف عن الزواج أو تأجيله بسبب مسألة المهر". وتذكر عبد اللهي أنّ "ثنائيّين يراجعانني شهرياً على أقلّ تقدير لطلب استشارة قبل لجوئهم إلى القضاء"، موضحة أنّ "أهل الاختصاص ينصحون الأزواج وحتى الأشخاص غير المرتبطين بتجاوز هذا الأمر، إذ إنّ الشرع كذلك لا يقبل باستخدام المهر كسلاح".




سياوش مغرم بشابة ويرغب في الارتباط بها لكنّه غير قادر على ذلك، ويقول إنّها "لا تريد مهراً عالياً لكنّني أصرّ على ذلك حتى لا تشعر بأنّ حقها ضاع أو أنّ مهرها أقلّ من غيرها". أمّا رامين المتزوّج منذ ثلاثة أعوام، فيخبر: "سجّلت لزوجتي مهراً قدره خمسين ليرة ذهب ولم أسددها لها. نحن متفقان على ذلك، شريطة أن أشتري لها ليرة ذهب واحدة كلما تحسّنت أوضاعي المادية"، مؤكداً أنّها "راضية بهذا الحل الوسط".

من جهتها، ترى ليلى التي تتابع دراستها الجامعية لنيل شهادة ماجيستير، أنّه "من الظلم تحميل المسؤولية للمرأة فحسب. العرف الدارج هو الذي فرض هذا الواقع، وعدد كبير من الشابات يواجهنَ مشكلات اقتصادية كذلك. ففي إيران، يقع على عاتق الزوجة سداد ثمن ما يسمّى بالجهاز والذي يشمل تجهيزات منزل الزوجية كاملة". أمّا مُحدثة التي تنوي الزواج من خطيبها خلال ستة أشهر والتي ترى أنّ "الشراكة أساس كل شيء في الزواج"، تؤكد أنّ "مهري غير عال ولا يتجاوز عشر ليرات ذهب. لكنّني في المقابل أدفع ثمن الغلاء المعيشي، وصرت مضطرة إلى الحدّ من الأشياء التي يتوجّب عليّ شراؤها لبيتي الزوجي". وفي حين تؤكّد أنّها تشعر بالرضا على الرغم من ذلك، تنتقد "اللواتي يطالبنَ بسداد المهر في ظل الظروف المعيشية المتدهورة حالياً". لكنّ سُميّة تشدّد على "حقّ المرأة في ضمان حقوقها الزوجية، لا سيّما أنّ مؤسسة الشراكة تمرّ بظروف صعبة. على سبيل المثال، ثمّة أزواج يدمنون المخدرات ويمارسون العنف الأسري، وفي إمكان الزوجات معاقبة هؤلاء من خلال سجنهم أو الحصول على مهورهنّ التي من شأنها أن تساعدهن على إعالة أنفسهن وأطفالهن".

في السياق، يرى متخصصون اجتماعيون وجوب إلغاء فكرة التعامل مع الزواج كمشروع مادي، ويؤكد المتخصص حسين باهر أنّ "ذلك مهين بحقّ الأزواج أنفسهم". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأمر يحتاج إلى توعية شاملة، لا سيّما أنّ الظروف الاقتصادية تتّجه إلى تدهور أكبر، ويجب على الجميع تعلّم معنى الشراكة". يضيف باهر أنّ "المهر شرط لإتمام عقد الزواج المدني أو الشرعي ويستند إلى اتفاق بين الطرفَين، لكنّه ليس ضماناً لاستمرارية الزواج، ومن المفترض أن يكون رمزياً". ويتابع أنّ "هذه المهور قد تكون سبباً للطلاق"، لافتاً إلى أنّ "المجتمع الإيراني الذي تعمل فيه المرأة وتشارك في كلّ مفاصله تقريباً لا يجب أن يتقبّل المهور العالية، وهو ما يتطلب إيجاد سبل لإقناع كلّ الشرائح بأنّ ذلك تحوّل إلى عرف اجتماعي مرهق".



ومن الجهة الرسمية، بات كثر يطالبون بتدخل قانوني من خلال إقرار مشروع برلماني يحدّد السقف الأعلى للمهر المدوّن في صكّ الزواج. وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم اللجنة القضائية والقانونية في البرلمان، حسن نوروزي، إنّه يتوجّب على المهر أن يطابق الموازين الشرعية وأن يتناسب مع المواصفات الأكاديمية والشخصية والمادية. بالنسبة إليه، فإنّ الظروف أدّت إلى ارتفاع سعر الذهب في مقابل انخفاض قيمة العملة المحلية، مقترحاً استبدال ليرات ومسكوكات الذهب المعتمدة لدى معظم العائلات بأمور ثانية أكثر بساطة. أمّا المراجع الدينية، فكان لها رأي كذلك، واقترح في السياق المرجع ناصر مكارم شيرازي على السلطة القضائية تعديل القانون بما يسهّل أمور الشباب.
دلالات