يأمل اليمنيون أن تستمر الهدنة في الحديدة، ويعود فتح طرقاتها إلى بقية أنحاء البلاد، فالإمدادات الغذائية ترسل عبرها إلى بقية المحافظات، وأيّ قطع كالذي اختبروه أخيراً يهددهم بالجوع
تسببت المعارك التي شهدتها محافظة الحديدة، بين الجيش اليمني المدعوم من التحالف الذي تقوده السعودية من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، في توقف حركة نقل المواد الغذائية عبر الخط الرئيسي الرابط بين محافظتي الحديدة وصنعاء وصولاً إلى بعض المحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهو ما يأمل كثيرون أن ينتهي الآن بعد الإعلان عن وقف المعارك.
في السياق، يعتبر سكان صنعاء ما يحدث تهديداً مباشراً لحياتهم إذا ما تكررت المواجهات ونفد المخزون الغذائي لدى التجار. من هؤلاء المواطن عبد الله هاشم، الذي يؤكد أنّ الشاحنات المحملة بالأغذية لم تأتِ من الحديدة منذ تصاعدت المواجهات قبل أسبوع، باستثناء القلة الآتية عبر طريق الشام، غرب الحديدة. يقول لـ"العربي الجديد": "المخزون الغذائي في العاصمة صنعاء لن يكفي السكان في حال عدم السماح للشاحنات بالمرور". يضيف لـ"العربي الجديد": "ارتفعت أسعار المنتجات المحلية، مثل الألبان والعصائر والبقوليات المعلبة والبسكويت بنسبة 30 في المائة تقريباً، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأخرى، التي تصل في بعض السلع إلى 50 في المائة عن السعر السابق". يوضح أنّه يعتمد على الزبادي والحليب في الوجبات الغذائية باعتبارها "كانت الأرخص سعراً في ظل تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي للسكان في صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية، لكنّها اليوم باتت تباع بأسعار باهظة ولا نستطيع توفير ثمنها".
من جهته، يصف المواطن إبراهيم البحري قطع الطريق الواصل بين محافظتي الحديدة وصنعاء، بـ"الكارثة". يشير إلى أنّ ذلك يعني "حرمان اليمنيين من الغذاء وتفاقم معاناة ملايين السكان الذين باتوا يعيشون فقراً مدقعاً وبالكاد يحصلون على المأكل والمشرب". يقول لـ"العربي الجديد": "أغلب مصانع المواد الغذائية في الحديدة، وأغلب المواد الغذائية المستوردة بما فيها القمح يأتي من الحديدة. إذا استمرت الحرب واستمر قطع الطرقات، كيف سيصل إلينا الغذاء؟ سنموت حتماً". يوضح البحري أنّ بعض أسعار المواد الغذائية ارتفعت خلال الأيام الماضية، ويضيف: "وربما ستزيد أكثر إذا استمر الطريق مقطوعاً والمواد الغذائية لا تصل إلى أسواق صنعاء وبقية المحافظات. في السابق كان من لديه مال يستطيع توفير ما يمكن من الغذاء، لكن في هذه الظروف سيسوء الحال على الفقير والميسور في الوقت نفسه، فالغذاء سيختفي أساساً".
من جهتهم، يؤكد التجار في صنعاء أنّ الحديدة تصدّر الغذاء إلى مختلف أنحاء اليمن، واستمرار قطع الطريق وإعاقة حركة الشاحنات التجارية ومنع وصولها إلى بقية المحافظات، يعرّض اليمنيين إلى خطر وشيك. يوضح خالد كامل، وهو تاجر جملة في صنعاء، أنّ البضائع لم تعد تأتي إلى صنعاء من الحديدة باستثناء قليل منها بين وقت وآخر. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ المخزون المتوفر لديه من المواد الغذائية قد ينفد في حال استمرت الحرب في الحديدة ولم يؤمّن طريق نقل السلع الغذائية. يضيف: "توقفت مصانع الزبادي والألبان والزيوت والعصائر وغيرها من الأغذية التي تنتج في مصانع الحديدة. وهذه كارثة".
الإعلامي والناشط الحقوقي والإنساني رضوان ناصر الشريف، يؤكد بدوره أنّ تصاعد المواجهات المسلحة أخيراً تسبب في تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والصحية وزيادة نسبة الفقر والبطالة بين المواطنين. يشير إلى أنّ الحرب في الحديدة تأتي لتنهي ما تبقى من فرص الحياة لدى اليمنيين. يقول الشريف لـ"العربي الجديد"، إنّ المواجهات تسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، و"الحديدة تعتبر شريان الحياة بالنسبة لسكان صنعاء وبقية المدن". يلفت إلى أنّ اليمنيين "يعيشون حالة من الخوف والقلق من إطالة أمد الحرب في الحديدة التي تضم مصانع المواد الغذائية ومطاحن وصوامع الغلال، وتدخل عن طريقها المشتقات النفطية لتوزع في بقية المحافظات، لا سيما الشمالية منها". يضيف: "باتت الوجبة الرئيسية لأكثر الأسر اليمنية هي رغيف الخبز فقط، والبعض ممن لديه مصدر دخل بسيط يحصل على علبة زبادي تأتي من الحديدة، وفي حالة توقف وصولها فإنّ الموت جوعاً سيهدد الملايين". يطالب بضرورة مراعاة الجانب الإنساني من قبل طرفي النزاع، وعدم قطع طريق صنعاء الحديدة في أيّ مواجهة "وتأمين المواد الغذائية للسكان قبل أن تحدث كارثة تطاول مختلف فئات المجتمع اليمني".
في هذا السياق، يطالب مستشار الغرفة التجارية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أنور جار الله، بتحييد الاقتصاد وكلّ سبل معيشة المواطن اليمني عن الصراعات والحروب. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ على المتحاربين تأمين الغذاء والدواء والمشتقات النفطية وتأمين خطوط نقلها وتوزيعها من الحديدة إلى صنعاء والمحافظات الأخرى "وإذا لم يحصل ذلك، فسيسبب كارثة إضافية، إلى جانب غلاء الأسعار وانعدام مصادر الدخل عند المواطنين". يطالب المنظمات الدولية والإنسانية بالضغط على المتحاربين لتجنيب المنشآت التجارية والصناعية أيّ استهداف.
كانت منظمات دولية عاملة في اليمن قد أكدت أنّ الهجوم على ميناء الحديدة سيجعل من حياة 27 مليون يمني أكثر سوءاً، وينذر بتفشي المجاعة. وبحسب شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعات التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإنّ الحديدة وميناء الصليف القريب منها يجلبان نحو 70 في المائة من واردات البلاد الغذائية الشهرية، وما بين 40 في المائة إلى 50 في المائة من الوقود الذي يحتاجه المواطنون. وقالت الشبكة في تقريرها: "إذا تضرر الميناء أو قطع عن طريق القتال، فإنّ اليمنيين في جميع أنحاء البلاد سيعانون من المشاكل، ليس لأنّ الطعام لن يكون متاحاً، لكن لأنّه قد يصبح مكلفاً جداً إلى حدّ أنّ معظم الناس قد لا يستطيعون شراءه".