"رايتس ووتش" تتهم السلطة الفلسطينية و"حماس" باعتقال وتعذيب المعارضين

23 أكتوبر 2018
انتهاكات في رام الله وغزة (العربي الجديد)
+ الخط -
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته، اليوم الثلاثاء، إن السلطة الفلسطينية  بقيادة "فتح" في الضفة الغربية وسلطات "حماس" في غزّة، مستمرّة في اعتقال وتعذيب المنتقدين والمعارضين السلميين. ومع اشتداد الصراع بين السلطة الفلسطينية وحماس، يستهدف كلّ طرف مساندي الطرف الآخر.

يقيّم تقرير المنظمة الدولية المعنون "سلطتان، طريقة واحدة، المعارضة ممنوعة: الاعتقال التعسفي والتعذيب في ظل السلطة الفلسطينية وحماس"، والممتد على 117 صفحة، أنماط الاعتقال والاحتجاز في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد 25 سنة من "اتفاقيات أوسلو" التي منحت الفلسطينيين درجة من الحكم الذاتي في هذه المناطق، وبعد أكثر من 10 سنوات من السيطرة الفعلية لحماس على قطاع غزة.

وقال مدير المنظمة، عمر شاكر، على هامش مؤتمر صحافي عُقد في مدينة رام الله للحديث عن التقرير، اليوم الثلاثاء، إنّ "ما يجري من اعتقالات تعسفية للمحسوبين على حركة حماس في الضفة الغربية أو المحسوبين على حركة فتح في قطاع غزة، الهدف منها سواء بالضغوطات أو الاعتقالات هو منع المعارضة في الأراضي الفلسطينية".

ولفت شاكر إلى أن من بين تلك الاعتقالات ما جرى على خلفية الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي أو المشاركة في المظاهرات، أو اعتقال الطلبة، حيث تم خلال السنتين الماضيتين توثيق عشرات حالات الاعتقال.

وأكد شاكر على أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وسلطة حماس في قطاع غزة تعتقلان الناس بشكل تعسفي منهجي، وأن ما يجري من تعذيب وضرب بشكل منهجي هو بمثابة انتهاكات خطيرة لاتفاقيات دولية واتفاقات حقوق الإنسان، والتي انضمت إليها فلسطين وقد تصل تلك الانتهاكات إلى جرائم ضد الإنسانية. فيما لفت إلى أنه في حال لم تتم المحاسبة الحقيقية في فلسطين فمن الممكن اللجوء إلى محاكم دولية ومنها الجنائية الدولية.

واستعرض تقرير "هيومن رايتس ووتش"، أكثر من 20 حالة لأشخاص احتجزوا لأسباب غير واضحة لم تتجاوز كتابة تقارير أو تعليقات على "فيسبوك" أو الانتماء إلى منظمة طلابية أو حركة سياسية غير مرغوب فيها.

انتهاكات خطيرة لاتفاقيات دولية (العربي الجديد)

وقال نائب مدير البرامج في المنظمة، طوم بورتيوس: "بعد مرور 25 سنة على اتفاقات أوسلو، تمارس السلطات الفلسطينية، سلطة محدودة في الضفة الغربية وغزة، ولكنها أنشأت كيانات بوليسية موازية في المناطق التي تتمتع بحكم ذاتي. ومع الاستمرار في سحق المعارضة، بقيت دعوات المسؤولين الفلسطينيين إلى احترام حقوق الشعب مجرّد تصريحات جوفاء".

وقابلت "هيومن رايتس ووتش"، لإعداد هذا التقرير، نحو 147 شاهداً، منهم محتجزون سابقون وأقارب لهم، محامون، وممثلون عن مجموعات غير حكومية، وراجعت أدلة فوتوغرافية وتقارير طبية ووثائق محاكم. كما يعكس التقرير ردوداً جوهريّة من الأجهزة الأمنية الرئيسية الضالعة في الانتهاكات على نتائج المنظمة.

ومن الشهادات التي أوردتها المنظمة عن الاعتقال والتعذيب من قبل سلطات "حماس" في غزة، شهادة عامر بعلوشة (26 عاماً)، ناشط وكاتب في أسبوعية "الحدث" في رام الله.

يقول: "لاقاني شخص في لباس مدني على باب "سجن المخابرات العامة في أريحا". وضع عصبة على عيني وكبّل يدي خلف ظهري، وبدأ يضربني على جسمي ويضربني في الحيطان... بقيت على هذه الحالة لمدة 10 دقائق. ثم أخذني إلى مكتب المدير، وفك العصبة عن عينيّ، وأخبرني أن هذه هي الـ "أهلا وسهلا"... ثم قال المدير "علقوه"، بمعنى أن يشبحوني. نُقلت من المكتب إلى الحمامات، ثم عصبوا عينيّ، وكبّلوا يديّ إلى الخلف، ووضعوا قطعة قماش وعلقوها بين الكلبشات وطرف الباب في الحمام. كان هناك حلق ما بين رأس الباب والحيط. عندنا يسحبون القماش إلى الأعلى، تصبح يداي مرفوعتين خلف ظهري. قدماي لم تكونا مربوطتين، ولكن كانت أطراف قدميّ تلامس الأرض".

شهادات محتجزين سابقين (العربي الجديد)



ويتابع: "بقيت معلقاً لمدة 45 دقيقة. وضربني أحد الضباط بعصا كبيرة ما بين ظهري، لأكثر من مرة... بعد أن أنزلوني، كان هناك تخدير تدريجي من يديّ إلى كتفي، ولم أستطع أن أتحمل نفسي... في اليوم التالي قال لي العصار (لقب أحد المحققين في أريحا): "أوعدك إنو تطلع من هون على كرسي مشلول".

وترى المنظمة العالمية، أن الاعتقالات التعسفية مع التعذيب المنهجي تنتهك أهم اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمّت إليها فلسطين أخيراً. وبحسب ما توفر للمنظمة من معلومات، فقد خضع عدد قليل من عناصر الأمن للمحاكمة، ولكن لم يُدن أيّ منهم بتهمة الاعتقال غير المشروع أو التعذيب.

ردع السلطات ومحاسبة المسؤولين (موقع منظمة هيومن رايتس)


وأوصى التقرير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي تقدّم دعماً للسلطة الفلسطينية وحماس، بتعليق مساعداتها للوحدات والأجهزة الضالعة في الاعتقال التعسفي والتعذيب على نطاق واسع، إلى أن تردع السلطات هذه الممارسات وتحاسب المسؤولين عنها.

وقال المدير التنفيذي لمؤسسة "الحق" لحقوق الإنسان الفلسطينية وعضو الهيئة الاستشارية لشمال أفريقيا والشرق الأوسط في المنظمة، شعوان جبارين: "الانتهاكات الإسرائيلية المنهجية لأهم الحقوق الأساسية للفلسطينيين لا تبرّر السكوت عن القمع المنهجي والتعذيب اللذين تمارسهما قوات الأمن الفلسطينية ضدّ المعارضين".

وفي حين قابلت المنظمة جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، لكنها لم تتمكن من قبول عرض من سلطات حماس للالتقاء بها في غزة، لأن إسرائيل رفضت منح تصاريح لمسؤولين كبار في المنظمة لدخول قطاع غزة لهذا الغرض. كما لم تردّ إسرائيل بعد على طلب من المنظمة لدخول ممثلين عنها إلى غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2018 لعرض هذا التقرير في مؤتمر صحافي.

ولفت التقرير إلى أنه كثيراً ما تعتمد السلطات الفلسطينية على قوانين فضفاضة تجرّم الإساءة إلى "مقامات عليا"، وإثارة "فتنة مذهبية"، و"النيل من الوحدة الثورية" لاحتجاز المعارضين لأيام أو أسابيع، ثم تُفرج عن معظمهم دون محاكمة، وغالباً ما تترك التهم معلقة. كما احتجزت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية 221 فلسطينياً احتجازاً إدارياً دون تهم أو محاكمة لفترات متفاوتة بين يناير/كانون الثاني 2017 وأغسطس/آب 2018، اعتماداً على أمر من المحافظ، بحسب "الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان".

كما تعرّض عدد من المحتجزين السابقين لدى السلطة الفلسطينية ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش للاحتجاز من قبل إسرائيل، التي تنسق مع قوات السلطة الفلسطينية في المسائل الأمنية. وفي غزة، تشترط حماس أحياناً الإفراج عن محتجز بتوقيعه على تعهد بالكف عن الانتقاد والاحتجاج.

وفي 27 سبتمبر/أيلول، نقلت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أن قوات أمن حماس في غزة اعتقلت أكثر من 50 شخصاً ينتمون إلى فتح، وأن قوات السلطة في الضفة الغربية احتجزت أكثر من 60 شخصاً ينتمون إلى حماس، في غضون بضعة أيام فقط.

في الحالات التي تمّ توثيقها، عمدت القوات الفلسطينية في الغالب إلى تهديد المحتجزين وضربهم وإجبارهم على البقاء في وضعيات مؤلمة لفترات مطوّلة، مستخدمة الكابلات والحبال لرفع أذرعهم خلف ظهورهم. كما استخدمت الشرطة الأساليب نفسها لانتزاع اعترافات من محتجزين يواجهون تهماً تتعلق بالمخدرات وتهماً جنائية أخرى.

وأجبرت قوات الأمن المحتجزين، بشكل روتيني، على تمكينها من الدخول إلى هواتفهم الخليوية وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. تهدف هذه الإجراءات إلى معاقبة المعارضين وردعهم عن القيام بنشاطات أخرى.

ورغم الدعاوى المنتظمة التي ترِد إلى السلطات من المواطنين، ورغم وجود أنظمة تسمح للسلطات بالتحقيق فيها، إلا أن نسبة صغيرة فقط من هذه الدعاوى أدّت إلى الإقرار بحصول أعمال غير قانونية، بحسب معطيات قدّمتها الأجهزة. أما نسبة الدعاوى التي أدّت إلى عقوبات إدارية أو إحالة ملفات إلى الملاحقة الجنائية، فعددها يبقى أقل من ذلك.