خانقين العراقية: بلدة التآخي والطبيعة الساحرة ينهكها الصراع القومي

12 أكتوبر 2018
كانت خانقين مدينة للتعايش السلمي (Getty)
+ الخط -

لم تعد بلدة خانقين شرقي العراق ذات الخليط السكاني متعدد القوميات، سياحية كما كانت في السابق، فطبيعتها الساحرة ما عادت تجذب السياح من أهالي المحافظة والمحافظات القريبة منها، بعد أن عصفت بها رياح الصراع القومي، التي تتصاعد بشكل سريع، وتدفع البلدة نحو العنف والانهيار الأمني.

ويشطر نهر الوند، وهو من أهم معالم البلدة، خانقين إلى شطرين، ويبعث الحياة فيها، فينعش آلاف الدونمات الزراعية، ويعده الأهالي شريان البلدة، وسبب رزقها.

يقول أبو سامان (72عاماً) وهو من أهالي البلدة القدامى، لـ"العربي الجديد"، "كانت خانقين من أجمل مناطق البلاد، وتمثل عراقاً مصغراً بتعدد قومياتها وطوائفها وأديانها، وكان التآلف والتسامح والتصاهر بين المكونات سمة غالبة في البلدة، وتعززت روح المحبة والأخوة بين الجميع".

ويضيف: "كانت البلدة في الصيف تجتذب أهالي المحافظات العراقية كلها، حيث يحل بها السياح ويتجولون ويمتعون أنظارهم بطبيعتها الخلابة، ويسبحون في نهر الوند العظيم الذي جمع كل المكونات العراقية من دون تمييز بينهم، ويصلون في جوامعها وحسينياتها، ويزورون الكنائس".

ويتابع، "كانت خانقين مدينة للتعايش السلمي، لا تسمع فيها صوتاً يردد تسميات (سني أو شيعي أو كردي أو عربي أو تركماني أو مسيحي)"، مشيراً إلى أنّ "كل ذلك تداعى الآن، فقد تحول الأمن إلى رعب، والحب إلى بغض، والإيثار إلى إقصاء للآخر، حتى انقلبت أحوال البلدة، وأصبح نهارها ملبداً بغيوم الفتن، وليلها مرتعاً للعصابات التي تخطف وتقتل، بأجندات سياسية".

ويؤكد "لم نتصور يوماً أن تعرف البلدة هذا الانحدار الخطير، لم يخطر على بالنا أن يقطع الأهالي الصلة مع بعضهم بحسب قومياتهم ومذاهبهم، إنها يد السياسة التي بعثرت البلدة، وأحرقت كل جميل فيها".

من جهتهم، يؤكد مسؤولون في البلدة، أنّ هناك جهات سياسية تتعمد تخريب البلدة من خلال إيقاظ روح الصراع القومي فيها. ويقول مسؤول في مجلس إدارتها المحلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "دخول القوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي، في أعقاب استفتاء كردستان الذي جرى في سبتمبر/أيلول 2017، فتح الباب للعنف وعمليات الخطف والقتل، كما أنه أجج روح الفتنة في البلدة بين العرب والكرد".

ويوضح المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، أنّ " كل جهة سياسية ترفض وجود الجهات الأخرى، كما أنّ الأهالي نفسهم صاروا لا يتقبلون وجود المكونات الأخرى، فالكل يتحدث باسم القومية والطائفية، حتى أصبحت البلدة نموذجاً للاختلاف والتفرّق بين المكونات".

ويشير إلى أنّ "كل هذا انعكس على الحياة والطبيعة في خانقين، حتى أصبحت فاقدة لجمالها الروحي، وكأنّ شكلها السابق كان ينمو من خلال توادد وتآخي أهلها وصفائهم". ويقول "أصبحت خانقين تظلم مع غروب الشمس، ولا يتبقى في شوارعها سوى رجال أمن وعناصر مليشيا، وحماية المسؤولين".

وتسبب الصراع القومي في البلدة إلى شلل الحياة فيها، وتعطلت حركتها خاصة الأعمال السياحية، ويقول أبو هلال، وهو صاحب فندق في خانقين، لـ"العربي الجديد"، "لم يعد لدينا رزق في البلدة، فالصراع القومي شّل حياتها بشكل كامل، وأجبرنا على أن نمارس أعمالاً أخرى عدا العمل الفندقي".

ويتابع: "لا أعتقد أنّ الفترة القريبة المقبلة ستشهد تغييراً بحال البلدة، يبدو أنّ الصراع عليها سيأخذ زمناً طويلاً، ولن يأتي بخير"، مبيناً أنّ "حالة الرعب الأمني أصبحت تسيطر على البلدة، وأنهكت أهلها بشكل كبير".

ومن أوجه الصراع القومي المعقد في خانقين، إصرار الأحزاب الكردية على إعادة قوات البشمركة لحماية البلدة، يقابله إصرار الحكومة على بقاء القوات العراقية ومليشيات "الحشد"، وما يرافق ذلك من ارتباك سياسي وأمني.

وتقع خانقين في شمال شرقي محافظة ديالى، وترتبط حدودياً مع إيران وإقليم كردستان، وهي منطقة غنية بالنفط، وتسكنها عشائر عربية وكردية وتركمانية، وتضم معالم تاريخية منها كنائس ومعابد لليهود، وجوامع تاريخية، وتمتاز بطبيعة وأجواء سياحية جميلة.

 

 

دلالات