لم تلق تحذيرات جمعيات المجتمع المدني في تونس حول عمالة الأطفال أي آذان صاغية، وما زالت الظاهرة إلى تفاقم.
الحديث عن ظاهرة تشغيل الأطفال في تونس ليس جديداً. على مدى سنوات، أطلقت جمعيات المجتمع المدني تحذيرات من تفاقم الظاهرة، في وقت اكتفت الحكومات المتعاقبة بإطلاق شعارات وتقديم الوعود للقضاء عليها. ولم تصدر أيّة دراسات أو إحصائيات رسمية دقيقة عن عمالة الأطفال، باستثناء تلك الصادرة عن جمعيات المجتمع المدني سنوياً، في محاولة لتحديد حجم عمالة الأطفال وفهم أسبابها.
ولا تُحدّد مجلّة الشغل التي تنظم العمل في البلاد سنّاً لبدء العمل في البلاد، بل إن بعض بنودها تقرّ ضمنيّاً بقانونية تشغيل الأطفال. الفصل 55 من مجلة الشغل ينص على "تخفيض سنّ قبول الأطفال في العمل إلى ثلاثة عشر عاماً في الأعمال الفلاحية الخفيفة التي لا تضرّ بصحتهم ونموّهم، ولا تمس بمواظبتهم وقدراتهم على الدراسة، ومشاركتهم فـي برامج التوجيه أو التكوين المهني المصادق عليه من قبل السلط العمومية المختصة".
أما الفصل 58، فينص على أنه "لا يجوز أن يقل عن ثمانية عشر عاماً السنّ الأدنى للقبول في أيّ نوع من أنواع الأعمال التي يمكن بحكم طبيعتها أو الظروف التي يقع القيام بها أن تعرّض صحة أو سلامة أو أخلاق الأطفال للخطر. وتحدّد أنواع الأعمال المشار إليها بقرار من الوزير المكلف بالشؤون الاجتماعية، يتخذ بعد استشارة المنظمات المهنية لأصحاب العمل والعمال الأكثر تمثيلاً".
ولطالما انتقد كثيرون مجلة الشغل لأنّها تجيز تشغيل الأطفال وفق شروط، وقد ساهمت الثغرات القانونية بشكل كبير في تفاقم الظاهرة. ودعت غالبيّة المنظمات المعنية بحقوق الأطفال إلى ضرورة سنّ قوانين تحميهم من الاستغلال الاقتصادي. وفي عام 2016، أقرّ قانون جديد شامل يتعلّق بمنع الاتجار بالبشر، وورد فيه سطر واحد يمنع عمالة الأطفال. وفي عام 2017، صادق البرلمان على قانون القضاء على العنف ضد المرأة، وورد في الفصل رقم 19 أنّه يعاقب بالسجن من "ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وبخطية من ألف إلى ألفين و500 دولار كل من يتعمد تشغيل الأطفال كعملة منازل، ويسلط نفس العقاب المذكور على كل من يتوسط لتشغيل الأطفال كعَمَلة منازل".
يذكر أنّ قانون عمال المنازل للأشخاص نقّح في عام 2005 ليعطي الحق في تشغيل أطفال ما بين سن 16 و18 عاماً، بعدما كان المنع محصوراً بمن هم أقل من 14 عاماً في قانون 1965. ولم تنته الظاهرة، ولم يلتزم أحد بتطبيق القانون، في وقت لم تتجاوز تصريحات المسؤولين في الحكومات المتعاقبة مجرد وعود.
وبحسب آخر إحصائيات أنجزها كل من المعهد الوطني للإحصاء ووزارة الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى منظمة العمل الدولية، فإنّ أكثر من 215 ألف طفل يعملون، من بينهم 176 ألفاً تقل أعمارهم عن 16 عاماً. وأكدت الدراسة أنّ 136 ألفاً من بين هؤلاء الأطفال يعملون في أعمال خطيرة. يذكر أنّ عدد الأطفال ما بين 5 و17 عاماً في تونس يبلغ نحو مليونين و273 ألف طفل.
وبحسب وزارة الشؤون الاجتماعية، فإنّ نحو 50 في المائة من نسبة الأطفال يعملون في الأعمال الفلاحية، في حين يعمل نحو 20 في المائة منهم في التجارة، وتتوزع بقية النسب على بعض الأعمال الحرّة والحرف وغيرها. وتختلف النسب لترتفع في المناطق الداخلية، لا سيما في الشمال الغربي، حيث يعمل كثيرون في الزراعة. وتؤكّد دراسة أعدّتها جمعية النساء التونسيات من أجل التنمية في عام 2016، أنّه في تونس نحو 78 ألف معينة منزلية، 17.8 في المائة منهن طفلات.
ويقول رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف، لـ "العربي الجديد"، إنّ ظاهرة تشغيل الأطفال ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، نظراً لأسباب عدة، أهمّها ارتفاع نسبة الفقر وتزايد عدد المنقطعين عن الدراسة، والذين يصل عددهم سنوياً إلى نحو 100 ألف. يضيف أنّه لا توجد مراكز دمج كافية في تونس لاستيعاب عدد المنقطعين عن الدراسة ودمجهم في مراكز التكوين والإحاطة.
بدوره، يؤكد المندوب العام للطفولة مهيار حمادي، لـ "العربي الجديد"، أنّ هناك نقصاً كبيراً في درجة وعي المواطنين حول ضرورة الإشعار عند معاينة أي حالة من حالات تشغيل الأطفال. يضيف أن غالبية الإشعارات التي تأتيهم صادرة عن جهات أمنية أو اجتماعية أو جمعيات تعنى بالأطفال. في المقابل، نسبة قليلة من المواطنين تبلّغ عن حالات استغلال الأطفال، مضيفاً أنّ تشغيل الأطفال ساهم أيضاً في استغلالهم في جماعات إجرامية والتهريب وترويج المخدرات.
من جهة أخرى، يشير إلى أن ذلك صعّب حصر نسبة تشغيل الأطفال، لأنّ الأمر غير قانوني وينتشر في كل الجهات، خصوصاً الداخلية منها. وتعمد آلاف العائلات إلى تشغيل أبنائها في القرى الزراعية.