الكهرباء تؤرّق شتاء الليبيين

12 يناير 2018
مولدات كهرباء بديلة (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

بات ضجيج مولدات الكهرباء الصغيرة مرافقاً لليل طرابلس، بعد سبعة أعوام من أزمة الكهرباء التي لم تنجح أيّ من حكومات ليبيا في حلحلتها ووضع حدّ لها. والمواطن الذي طاولته هذه الأزمة يعاني كذلك من أزمات معيشية أخرى مرتبطة بشحّ السيولة وغلاء الأسعار والانفلات الأمني.

ودخلت تلك المولدات إلى حياة المواطن الليبي كضرورة، إذ هي تعوّض فترة انقطاع الكهرباء في البيوت التي تصل إلى ثماني ساعات يومياً. كذلك فإنّها ضرورية لأصحاب المحال التجارية والمقاهي الذين تتعطّل مصالحهم في غياب الكهرباء. والأصوات التي تصدرها تلك المولدات لم تعد تزعج سكان طرابلس كثيراً، مثلما تقول سالمة. وتؤكد أنّها "صارت أمراً مألوفاً". لكنّها تشير إلى أنّها "لا تحلّ المشكلة دائماً. ففي أحيان كثيرة تطرأ أزمة بنزين، فيتوقّف تشغيلها ونعيش بالتالي في الظلام". تضيف سالمة أنّ "أولادي الثلاثة (ابنة واحدة وابنان اثنان) ينجزون وظائفهم الدراسية قبل حلول الليل. ولم يعد من فرق بيننا وبين أجدادنا الذين كانوا يخبروننا كيف كانوا ينامون عند المغرب وحتى فجر اليوم التالي".

وأزمة الكهرباء تطاول كلّ القطاعات، لا سيّما المستشفيات التي كان عدد من إداراتها قد أعلن أخيراً عن وفيات بسبب انقطاع التيار الكهربائي فيها. المدارس كذلك تتضرّر من ذلك، ويقول مدير إحدى المدارس في طرابلس، عادل المسدي، إنّه "لم يعد ممكناً تدريس التلاميذ في ضجيج المولدات. لكنّنا لا نملك خياراً آخر، فالبرد في الشتاء يلزمنا بتشغيل المدافئ، فيما نضطر إلى تشغيل مكيّفات الهواء في الصيف. وفي أحيان كثيرة، خلال أزمات البنزين، نعجز عن معالجة الأمر".

تجدر الإشارة إلى أنّ أسعار الفحم ترتفع في فصل الشتاء من كلّ عام أكثر من ثلاثة أضعاف، إذ يقبل المواطن على شرائه لاستخدامه في التدفئة مع غياب الكهرباء. وتقول سالمة إنّ "الفحم ليس للتدفئة فحسب، بل نضطر أحياناً إلى استخدامه في الطهي عند عدم توفّر غاز الطهي". وتشير إلى أنّ "الليبيين بمعظمهم يلجأون إلى الفحم للتدفئة على الرغم من أنّ التجار يستغلون الأمر برفع أسعاره".

من جهته، يشير حافظ البشاري، وهو من سكان طرابلس كذلك، إلى أنّ "البدائل المعتمدة لتعويض غياب الكهرباء لم تعد كافية". ويشرح أنّ "مصابيح الشحن المؤقتة بساعات معينة وكذلك المولدات التي لا تتجاوز قدرتها الميكانيكية على العمل أكثر من ثماني ساعات لم تعد حلاً. فانقطاع الكهرباء قد يستمر 14 ساعة في بعض الأحيان".


إلى ذلك، يرى ليبيون يسكنون في مناطق خارج طرابلس أنّ الحال في العاصمة أفضل. ففي الجنوب الليبي على سبيل المثال، تغيب الكهرباء على مدى أيّام وليس ساعات فقط. ويقول الحاج حامد السليماني من مدينة سبها إنّ "الناس هنا تعوّدوا على غيابها وباتوا متخلّفين. فكثيرة هي أخبار العالم وكذلك أخبار البلاد التي تصلنا متأخرة. أمّا الهواتف فلم نعد نستطيع استخدامها في التواصل بسبب نفاد الطاقة منها أو انقطاع تغطية الشبكات". ويلفت إلى أنّ الموظفين في المصالح والجهات العامة في البلاد يزاول معظمهم أعمالهم من دون كهرباء"، موضحاً أنّ "العمل يتوقف في بعض الدوائر كالسجل المدني أو الجوازات لأيام عدة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، على الرغم من أنّ الموظفين يحضرون إلى مكاتبهم".

وعن وضع المستشفيات في الجنوب، يقول الطبيب وليد التكالا في مستشفى مدينة أوباري إنّ المشاكل التي تتعرض لها "كبيرة". ويخبر أنّ "مستشفى المدينة عاد إلى العمل بعدما كان قد توقّف كلياً بسبب الحرب. لكنّ وفيات عدّة سُجّلت فيه نتيجة تعطّل الأجهزة بسبب انقطاع الكهرباء". يضيف أنّ "آخرها كان في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مع وفاة عجوز نُقلت في سيارة إسعاف إلى المستشفى بسبب توقف الأجهزة، في حين عجز أهلها عن نقلها إلى مكان آخر".

وتعكس آراء الليبيين في السياق اعتقاداً بينهم بأنّ أزمة الكهرباء "مفتعلة" كغيرها من أزمات البلاد، وذلك بهدف إلهاء المواطن عبر زيادة همومه وإبعاده عن مجريات الواقع السياسي في البلاد. لكنّ مسؤولي الشركة العامة للكهرباء يؤكدون وجود أزمة حقيقية في البلاد، موضحين أنّ المراكز الرئيسية لتوليد الكهرباء بمعظمها تعرّضت لأضرار كبيرة بسبب الحروب، الأمر الذي اضطر إلى إقفال عدد كبير منها والاكتفاء ببعض المراكز التي تخضع لصيانة دورية.

عمال صيانة يصلحون عطلاً في طرابلس (محمود تركية/ فرانس برس)

وفي الإطار، تدعو شركة الكهرباء المواطنين إلى ترشيد استخدام التيار الكهربائي عبر وسائل عدّة توضحها في بيانات تنشرها على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي. وفي آخر منشور لها، أشارت الشركة إلى أنّ حجم توليد الكهرباء المتاح للشبكة العامة لا يتجاوز أربعة آلاف و770 ميغاوات، في حين يصل الحمل المتوقع للشبكة إلى خمسة آلاف و800 ميغاوات، الأمر الذي يضطرها إلى العمل على برنامج طرح الأحمال على المناطق لساعات طويلة بهدف الحفاظ على استقرار الشبكة من دون انهيارها.

ويؤكد مدير إدارة التشغيل في الشركة العامة للكهرباء، محمود الورفلي، أنّ "المحطات المتضررة من جرّاء الحرب ما زالت بمعظمها خارج الخدمة، في حين تعمد الشركة إلى تبديل المحطات الأخرى دورياً وإدخالها في منظومة العمل للحفاظ على استمرار توريد الكهرباء وإفساح المجال للصيانة". ويشرح الورفلي أنّ "محطات توليد قليلة جداً لم تلحق بها أضرار من جرّاء الحرب، والصيانة المعتمدة هي بإمكاناتنا المحلية على الرغم من نقصها". ويشير إلى أنّ "نداءات حكومات البلاد للشركات الأجنبية المشغلة لمحطات التوليد لم تلقَ استجابة بسبب الفوضى الأمنية التي ترفض الشركات العمل وسطها".

ويوضح الورفلي "عدم استجابة المواطن لنداءات ترشيد الكهرباء، إضافة إلى أنّ المصانع والشركات من جهتها لا تخفف من استخدام الطاقة في أوقات الذروة، هما أمران يتسببان في انهيار سريع للشبكة. وفي أفضل الأحوال، تحترق إحدى محطات التوليد بسبب الضغط ونلجأ إلى زيادة طرح الأحمال لساعات أطول". يضيف: "نعمل في ظروف صعبة، فعمّال الصيانة يتعرّضون لاعتداءات كثيرة، بينما تُسرَق سيارات فرق الصيانة. كذلك ثمّة عصابات تسرق أسلاك النحاس في خطوط الإمداد في المناطق النائية وفي الصحراء التي تغذّي المناطق البعيدة، الأمر الذي يتسبب في انقطاع الكهرباء عنها". ويؤكد أنّ "المواطنين يتحمّلون مسؤولية كبيرة، إذ إنّهم يرفضون تسديد رسوم الكهرباء منذ سبعة أعوام".

وكانت محاولات حثيثة قد سُجّلت في الأيام الماضية لإنهاء الأزمة، فعقد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج اجتماعات مكثفة مع مسؤولي شركة الكهرباء، في حين تمكّنت حكومة الوفاق من إقناع شركات كورية وتركية بالعودة إلى ليبيا للعمل في مجال الكهرباء بالتوازي مع قرب تشغيل محطة أوباري (جنوب) التي يُعتقد أنّها سوف تغطّي عجزاً كبيراً في توليد الكهرباء في البلاد.
دلالات