المسيحيون العراقيون... هجرة قسرية ومصير مجهول

30 سبتمبر 2017
من الاحتفالات بعيد الفصح (آزات محمد/ الأناضول)
+ الخط -

يؤكّد المسيحيون العراقيون انتماءهم الوطني قبل الديني، في حين لا يكتمون خوفهم على مصيرهم المجهول لا سيّما بعد التهجير الكبير.

تتعدد الجهات السياسية التي تمثّل مسيحيي العراق، لكنّها تُجمع كلها على أنّ ما مرّ به المسيحيون وما زالوا هو نتيجة رفضهم العمل مع الاحتلال الأميركي وتأكيدهم على أنّهم عراقيون أولاً قبل أن يكونوا مسيحيين. ويتحدّث النائب عماد يوحنا عن "احتلال الموصل من قبل تنظيم داعش تحديداً، ومن ثمّ إفراغ المدينة من المكوّن المسيحي الأصيل وما تلاه من استهداف في مناطقه التاريخية، منها سهل نينوى. تلك هي أكبر المخاطر التي واجهها المسيحيون بعد عام 2003". ويشرح في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "تلك المناطق دُمّرت بالكامل. ونتيجة ذلك الاستهداف، خسرنا مناطقنا وكنائسنا وممتلكاتنا، وخسرنا الحضارة، واستُهدف أطفالنا، وهُجّر كثيرون منّا وما زال عدد كبير مهجّراً".

يضيف يوحنا أنّ "التحدّي الأكبر الذي يواجهنا اليوم كمسيحيين هو ما بعد داعش. صحيح أنّ مناطقنا تحرّرت، لكنّ دماراً كبيراً لحق بها، فتهدمت البنى التحتية بطريقة شبه كاملة وصارت بالتالي العودة صعبة. ويتزامن ذلك مع تقسيم مناطق سهل نينوى إلى محورَين، الأوّل بيد الكرد والآخر بيد بغداد". ويتابع أنّ "ثمّة هاجساً من المستقبل، لا سيّما أنّ الإقليم (إقليم كردستان العراق) راح يضغط على المهجّرين المسيحيين عندما فرض عملية استفتاء على مناطقنا، على الرغم من أنّها مناطق غير متنازع عليها وهي غير مشمولة بالمادة 140 من الدستور وأهلها ما زالوا نازحين. إلى كل ذلك، يُمارس ضغط كبير اليوم تسبب بهجرة جديدة، بالإضافة إلى محاولة جرّنا إلى الصراع بين بغداد وأربيل، ونحن لا علاقة لنا به. لا يجوز جرّنا إلى ذلك الصراع".

الحكومة مسؤولة

ويحمّل يوحنا الحكومة العراقية "مسؤولية تلك التداعيات، إذ إنّها تركت فراغاً كبيراً ولم تقدّم الدعم لهذه المناطق حتى تكون جزءاً مهماً من المنظومة الإدارية. بالتالي تمدّد الإقليم وجرت عمليات قضم لأراضي المسيحيين التي يسكنها هؤلاء منذ قرون ولديهم فيها تاريخ واسم وهوية وحضارة". ويشدّد على "عدم جواز فرض واقع جديد وهوية جديدة وحضارة جديدة علينا تحت مسمّى المناطق المتنازع عليها".

إلى ذلك، يحمّل يوحنا حكومة كردستان "مسؤولية عدم إعطاء الناس فرصة للعيش في سلام"، قائلاً إنّه "لا يمكنها قضم الأراضي، ولا اتّباع سياسة إمّا تكون معي أو ضدّي". ويشير إلى "مخاطر أخرى مستمرة منذ عام 2003، وتتمثل بعصابات الجريمة المنظمة والمليشيات والجهات الخارجة عن القانون التي تعدّ المسيحيين الحلقة الأضعف في البلاد، إذ إنّهم لا يحملون السلاح ويلجؤون إلى القانون للمطالبة بحقوقهم". ويوضح يوحنا أنّ "الانتهاكات الحاصلة في بغداد والبصرة وكركوك وفي الموصل قبل داعش، نتج عنها تزعزع في وضع المسيحيين، الأمر الذي دفع نحو الهجرة". ويكمل: "كأنّما برنامج ينفّذ لتهجيرنا من العراق، كلما التقت المصالح وراحت الدول تفتح أبوابها للمسيحيين وتمنحهم تأشيرات دخول إليها. وتنفيذ ذلك البرنامج يأتي بالتعاون مع الجماعات المسلحة المجهولة وغير المجهولة وأخرى تعمل تحت عباءة جهات سياسية لإفراغ العراق من المسيحيين وإضعاف وضعهم داخل الوطن".

في هذا الإطار، يقول يوحنا: "فكّرنا بطلب الحماية الدولية للمسيحيين، لكنّه من الصعب أن تأتي قوات دولية وتنزل على الأرض، لأنّ المسيحيين منتشرون داخل مدن العراق من شماله إلى جنوبه وليسوا محصورين في منطقة معيّنة". يضيف أنّ "الحماية الدولية تكون من خلال إصدار قرارات تخصّ أهل سهل نينوى بالتحديد، لأنّ ثمّة كثافة سكانية فيها من المكوّن المسيحي، إذ إنّ القرى مترابطة جغرافياً. ولا بدّ من صدور قرارات من قبل مجلس الأمن تفرض على الحكومات المحلية رعاية هؤلاء الناس وإعطاءهم الفرصة ليمارسوا حقّهم القانوني وليبعدوا الأيدي عن التدخّل في شؤونهم". ويؤكّد "حاجتنا إلى قرارات مماثلة، فهي ممكنة بالتأكيد. لكنّ إنزال قوات على الأرض أمر لا نقبل به، ويجب أن يكون بموافقة الحكومة".

مصير مسيحيي العراق نحو المجهول (سفين حميد/ فرانس برس) 


ويشير يوحنا إلى أنّه "في عام 2014 قبل دخول داعش إلى العراق، كنّا نطالب بإقامة محافظة في سهل نينوى، كخيار أخير لنا بعدما مررنا بسنوات عجاف من دون أيّ اهتمام من قبل الحكومة. حصلنا على موافقة من حيث المبدأ، لكنّ داعش دخل وتوقّف كلّ شيء". ويكمل أنّ "المهجّرين اليوم لم يعودوا بعد، ونحن ننتظر عودتهم إلى مناطقهم. وسوف نعمل على هذه الخطوة، لأنّ المنطقة تستحق أن تكون محافظة غير منتظمة في إقليم، من دون أن تكون لها علاقة بتقسيم البلاد، ولا تكون محافظة على أساس قومي أو عرقي أو طائفي، بل محافظة على أساس جغرافي. فالمنطقة تضمّ مسيحيين وشبك وأيزيديين وآخرين". ويشدّد على "حاجتنا إلى دعم داخلي وكذلك خارجي، وإلا سوف تُفرَض سياسة الأمر الواقع علينا. نحن في حاجة إلى مشروع واضح ودعم من قبل الأطراف المتنفذة في البلاد حفاظاً على بقاء المسيحيين".

تخوّف من حرب

من جهته، يدعو بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الأوّل ساكو إلى "استئناف حوار الشجعان بين بغداد والإقليم (كردستان العراق)، محذّراً من أنّ اندلاع أيّ حرب بين المركز والإقليم لن تبقِ المسيحيين بخير". ويقول إنّ "السياسة المهيمنة بعد سقوط النظام كانت وما زالت عبارة عن تكتيك براغماتي للحصول على المصالح والحفاظ على المناصب. ومنذ إعلان إقليم كردستان عن رغبته في الاستفتاء وحقّ تقرير المصير، كان صراع غير واضح المعالم، بالتالي فإنّ كلّ الاحتمالات واردة إزاء التوتّر المتصاعد الذي يثير المخاوف". يضيف أنّ "البعض راح يدقّ طبول الحرب. وفي حال وقعت مواجهة عسكرية لا سمح الله في هذه الظروف المجتمعية المتشظية والاقتصاد المتردي، فإنّ نتائجها سوف تكون كارثية للجميع وسوف تكون الأقليات هي الخاسر الأكبر، مثلما حصل خلال احتلال تنظيم داعش الإرهابي سهل نينوى واستهداف الأقليات بالقتل والتشريد والتغيّر الديموغرافي والهجرة".



ويشدّد ساكو على "ضرورة أن يدرك الجميع حقائق الأمور وخطورة الحال، ويسرعوا قبل فوات الأوان إلى إحياء مفاوضات المصالحة والتسوية بشجاعة، مع التنسيق حول عدد من القضايا الداخلية ذات الاهتمام المشترك وتعزيز الانسجام الاجتماعي والسلم الأهلي. وهنا يأتي دور الحكماء في تغليب صوت الاعتدال لنزع فتيل الأزمة". ويتابع أنّ "الحرب ليست العلاج وليست بديلاً عن الحوار. وبصراحة، لا المركز ولا الإقليم يتحمّلانها، ونحن المسيحيين لا حول لنا ولا قوّة على المحافظة على حقوقنا ووجودنا لا في المركز ولا في الإقليم. معظم الأحزاب والفصائل المسيحية المسلحة هي للاسترزاق وبعيدة عن هموم المسيحيين وقضاياهم". ويؤكّد أنّه "في حال حصلت مواجهة عسكرية، فسوف يهاجر من تبقّى من المسيحيين ولن يبقى لنا وجود يذكر في العراق ولا في الإقليم" .

هجرة قسريّة

في السياق، يقول الأستاذ الجامعي سركون يعقوب (من مسيحيي نينوى) إنّ "مصير مسيحيي العراق نحو المجهول والهجرة. واليوم، مع انتهاء ملف تنظيم داعش الإرهابي وتحرير أراضي الموصل منه، تُدقّ طبول الحرب بين بغداد وأربيل، وعلى المجتمع الدولي أن يتّخذ موقفاً في هذه الأحداث". ويشير يعقوب إلى أنّ "الخيارات الممكنة أمام العراقيين المسيحيين حول مصيرهم في المنطقة هو التمسّك بمدنهم التي يعملون على إعادة الحياة إليها. على الرغم من قلة الدعم الحكومي، فإنّ المهجّرين بدأوا بالعودة إلى مدن سهل نينوى والحمدانية وتلكيف وبعشيقة وأخرى، وبإعمارها، لأنّهم أصحاب الأرض. وما فعله تنظيم داعش بالمسيحيين جريمة إبادة جماعية. ويستنكر المسيحيون بغالبيتهم الدور الأميركي، إذ إنّ الاحتلال الأميركي للعراق ساهم بصورة كبيرة في تردّي الأوضاع واليوم (واشنطن) لا تعمل على تحسين الأوضاع السياسية لأنّها لاعب مهمّ في المعادلة السياسية".

ويتابع يعقوب أنّ "الحكومات العراقية لم توفّر الحماية للمكوّن المسيحي، بدليل ما حدث لنا في عام 2014 من تهجير وخطف وسلب وسرقة أملاك من قبل مليشيات وجماعات متطرّفة، فيما الحكومة لم تعمل على وقف ذلك. ونحن نرى أنّ استحداث محافظة للمسيحيين في مناطقهم ضروري في هذه المرحلة، لأنّنا متخوّفون من صراع عربي كردي قد يحرق الأخضر واليابس".

ويشير يعقوب إلى أنّ "الحريات انعدمت في العراق بعد عام 2003 مع استمرار استهداف المكوّن المسيحي عبر الخطف أو منع ممارسة أعمالهم في بغداد أو مدن أخرى. وقد ساهمت مليشيات مسلحة بقتل وخطف وسرقة أموال عدد كبير من المسيحيين، وكلّ تلك الجرائم موثّقة لدى وزارة الداخلية العراقية". يضيف أنّه "في حال استمرّت الأوضاع على ما هي عليه، فإنّ جميع المسيحيين سوف يهاجرون إلى خارج المنطقة، ويبقى العراق خالياً من هذا المكوّن الأصيل ومن الكفاءات. وكان أطباء وأساتذة جامعة وخبراء قد تركوا البلاد هذا العام بعدما رأوا طبول الحرب تقرع بين بغداد وأربيل".