مع عودة التلاميذ إلى المدارس في تركيا، شهدت مدينة إسطنبول شجاراً بين عدد من سائقي الحافلات الذين يقلّون التلاميذ من وإلى مدارسهم، ما أعاد فتح هذا الملف مرة أخرى. وبدأت الحكومة التركية والبلديات العمل على تشديد الإجراءات الخاصة بمنح أذونات العمل لسائقي هذه الحافلات، علماً أنّ حوادث نسيان التلاميذ في الحافلات ووفاتهم تكرّرت خلال الفترة الماضية.
وشهدت منطقة عمرانيّة في مدينة إسطنبول خلافاً بين سائقي عدد من الحافلات المدرسية، ما أدى إلى مقتل أحد السائقين، وجرح ثلاثة آخرين، واعتقال ثمانية وفرار اثنين. وكشفت التحقيقات أنّ أحد الفارين كان قد اعتقل في عام 2015 بتهمة الاعتداء الجنسي على أحد الأطفال، فيما دين الضحية بتهمة الاعتداء العمد ثلاث مرات في وقت سابق، كما دين أحد الجرحى بحيازة المخدرات مرتين. أيضاً، كان قد ألقي القبض على أحد المتهمين الآخرين ثلاث مرات بتهمة الشتم والتهديد والاعتداء. هذه الحادثة أثارت ضجة إعلامية كبيرة حول كيفيّة ضمان أمن التلاميذ الأتراك أثناء نقلهم من وإلى مدارسهم. ويقول رئيس غرفة مشغّلي سيارات الخدمة العامة، حمزة أوزتورك، إنّ الخلاف هو بسبب كثرة الراغبين بالعمل في هذا القطاع، بالمقارنة مع عدد التلاميذ الذين يحتاجون إلى حافلات النقل لتقلّهم.
من جهته، يدعو رئيس اتحاد السائقين ومالكي السيارات، فوزي أبأيدن، إلى تسجيل السائقين في غرفة أو نقابة. وعن الفوضى المتعلّقة باختيار سائقي الحافلات، يقول: "بشكل عام، لا يقود المالك حافلته، بل يعمد إلى اختيار سائق ليتولى المهمة، ولا يوجد أية نقابة أو غرفة لتسجيل هؤلاء السائقين، وعادة ما لا يُطلب منهم أي معلومات، ولا حتى ورقة حول أية سوابق جنائية. وفي العادة، يبحث مالك الحافلة عن سائق يقبل بأجر قليل ويستطيع أن يأتمنه على الحافلة". يضيف: لا يمكننا كاتحاد تسجيل السائقين، فقط مالكي الحافلات".
ويُطالب أبأيدن بتسجيل سائقي الحافلات، على غرار سائقي سيارات الأجرة. يضيف أن المسجلين في غرف ونقابات سائقي العربات التجارية يخضعون بشكل دوري للتدريب والتعليم بالتعاون مع شرطة المرور وضباط البلدية. سابقاً، كان جميع السائقين يسجلون، لكن هذا لا يحصل الآن. وفي ما يتعلق بشروط منح رخص قيادة السيارات التجارية، تشترط القوانين التركية أن يحصل السائق على وثيقة تؤكد لياقته البدنية، إضافة إلى اختبار نفسي يتكرّر سنوياً.
ويمنع قانون العاملين في النقل، بحسب المادة الثامنة منه، العمل في القطاع على كل من تثبت إدانته بالاستغلال الجنسي للأطفال، أو إقامة علاقة جنسية مع قاصر، وتقييد حرية الأشخاص، أو تجارة أو ترويج أو تعاطي المخدرات، أو تشجيع دعارة الأطفال، أو المحكومين قضائياً بسبب الكحول.
لكنّ القانون لا يمنع من دين بالتهديد أو الاعتداء على الآخرين أو ممارسة العنف العائلي من العمل في هذا المجال، ما أثار انتقاد العديد من الحقوقيين، الذين طالبوا بتشديد القوانين. ويؤكد رئيس جمعية المدارس الخاصة التركية أن المدارس تطالب كلّ من يودّ العمل كسائق حافلة مدرسة بتقديم سجله العدلي. وفي حال ارتكب طالب العمل أية جريمة يحظرها القانون، يمنع تشغيله. لكنّه يشرح أن هذا يعتمد أيضاً على مبادرة صاحب العمل. في السابق، كان يمكن الحصول من مديريات الأمن على معلومات عامة عن أي شخص، لكن ذلك لم يعد ممكناً. كما أنّ السجل العدلي لا يُظهر إلا السنوات الخمس الأخيرة، وبالتالي لا بد أن تتحرى مديريات الأمن بعمليات عن الأشخاص.
بدوره، يشير أستاذ القانون الجزائي، تيمور دميرباش، إلى أنّ المشكلة تتعلّق أيضاً ببطء إصدار الأحكام في المحاكم التركية. يضيف: "في السجل العدلي، تظهر السوابق والأحكام النهائية. لكن لأنّ المحاكمة تستغرق وقتاً طويلاً، فلا تظهر الجرائم التي ارتكبت في بعض الأحيان، على غرار جرائم الابتزاز والسطو والسرقة. وحتى لو كان السجل نظيفاً، يجب تشديد القوانين، وإن خالف الأمر قواعد القضاء المعاصر، التي تنصّ على أن المرء يبقى بريئاً حتى يدان، ما يعني أنّ حماية الأطفال حق، ولا بد من صونها ولو بالاستثناءات".
وبعد تكرار عمليّات التدقيق من قبل الشرطة، واعتقال عدد من الأشخاص، من بينهم سائق حافلة مدرسية من دون رخصة قيادة، وآخر تحت تأثير الكحول، تحرّك اتّحاد الحرفيين وأصحاب المهن التركي، بالتعاون مع وزارة العمل والتأمين الاجتماعي، لإيجاد حل، ما أدّى إلى تشديد الإجراءات المتعلقة بتعيين سائقي الحافلات المدرسية. وعمدت بعض البلديات، ومن بينها بلدية إسطنبول، إلى تنظيم دورات لسائقي حافلات المدارس بهدف توعيتهم وتدريبهم على التعامل مع الحافلة وحماية الأطفال.
ويشير رئيس اتّحاد الحرفيين وأصحاب المهن التركي، باندوي بالاندوكان، إلى فرض قيود إضافية على الراغبين في العمل كسائقي حافلات. يقول: "لا بد من أن يجتاز الراغب في العمل كسائق حافلة مدرسة الامتحانات التي تنظّمها إدارة المعايير المهنية، ما يعني أن الرخصة ليست كافية للعمل". يضيف: "سيرافق التلاميذ في الحافلة موجّه لمساعدة الأطفال على الجلوس في مقاعدهم بحسب الفئة العمرية، والتأكّد من وضعهم حزام الأمان. ويتوجّب على سائق الحافلة التأكد من خلوها من أي متعلقات للتلاميذ". ويؤكّد على "وجوب منع أي سائق من العمل، في حال لم يلبّ الشروط الجديدة".